أفكار وآراء

الشفافية الدولية ومكافحة الفساد

04 مارس 2017
04 مارس 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

تراجعت غالبية الدول العربية في التقييم السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2016 وفق التقرير الأخير الذي صدر عنها في شهر يناير من العام الحالي، حيث إن 90% من الدول العربية حققت أقل من 50 نقطة. وقد احتلت الدنمارك المرتبة الأولى عالميا وعلى رأس الدول النظيفة بحصولها على 90 نقطة، لكنها تراجعت مقارنة بأدائها في عام 2015 الذي حصلت فيه على91 نقطة، فيما ذكرت المنظمة في صدر تقريرها أن أي دولة لم تنجح في الحصول على العلامة الكاملة وهي 100 نقطة. وقد أوضح التقرير أن 6 من أكثر 10 دول فسادا في العالم تأتي من المنطقة العربية بسبب تدخل بعض الدول العربية الأخرى في شؤونها والتي سببت في تعزيز معدلات الفساد فيها بسبب الحروب التي ما زالت تطحنها وهي سوريا والعراق والصومال والسودان واليمن وليبيا، حيث إن جميعها تعاني من انعدام الاستقرار السياسي والنزاعات الداخلية والحروب وتحديات الإرهاب. كما يظهر التقرير الذي يغطي 176 دولة أن أكثر من ثلثي الدول تقع تحت مستوى 50 نقطة. وبلغ المتوسط العالمي 43 نقطة. أما الدولة الأكثر فسادا، بحسب التقرير، فهي الصومال التي حصلت على 10 نقاط، على الرغم من أنها تحسنت مقارنة بالأعوام السابقة التي كان معدلها فيها 8 نقاط فقط.

ووفقا لتقرير صندوق النقد الدولي فإن الفساد في القطاع العام في العالم يكبد الاقتصاد العالمي خسائر تقدر بنحو 1.5 تريليون إلى 2 تريليون دولار سنويا في صورة رشى، ويتسبب في تكاليف ضخمة أكبر تتمثل في إضعاف النمو الاقتصادي وفقدان إيرادات ضريبية واستمرار الفقر. ومن هذا المنطلق يؤكد الصندوق على مكافحة الفساد باعتباره أمرا مهما لاستقرار الاقتصاد الكلي، وهو إحدى المهام الرئيسية لتلك المؤسسة الدولية. وفي هذا الصدد تشير مديرة الصندوق الدولي كريستين لاجارد في ورقة بحثية قدمتها في هذا الشأن الى انه في حين أن التكلفة الاقتصادية المباشرة للفساد معروفة جيدا فإن التكلفة غير المباشرة ربما تكون أكبر وأكثر استنزافا”، مؤكدة أن للفساد تأثيرا ضارا أوسع نطاقا على المجتمع، إذ إنه يقوض الثقة في الحكومة ويضعف المعايير الأخلاقية لدى المواطنين. وأضافت لاجارد أن “الفقر والبطالة يمكن أن يكونا أعراض الفساد المزمن. وأن تكلفة الرشاوى وحدها تزيد على 2% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، ولأن هذه الأموال ملوثة فإنها تخرج من الاقتصادات إلى الملاذات الضريبية، مما يعني أنها لا تسهم في النمو”. ومن جانبه يشير الصندوق إلى أن برامج الدعم التي يقدمها للحكومات تشتمل على توجيهات بشأن إجراءات مكافحة الفساد لأن “الفساد المستشري يجعل تطبيق سياسات مالية قوية أمرا أكثر صعوبة”.

ووفق تقرير منظمة الشفافية الدولية فإن 61% من مواطني الدول العربية المعنية وهي اليمن ومصر والسودان والمغرب ولبنان والجزائر وفلسطين وتونس والأردن، يرون أن الفساد ازداد انتشارا خلال عام 2016 غير أن البيانات تتفاوت بشكل كبير بين مختلف البلدان. وتصل نسبة الذين يعتقدون أن الفساد ازداد في لبنان إلى 92% وفي اليمن 84% والأردن 75% مقابل 28% في مصر و26% في الجزائر. وأقر 77% من المستطلعة آراؤهم في اليمن و50% في مصر بأنهم دفعوا رشوة لقاء خدمة عامة مقابل 9% في تونس و4% في الأردن. وهذه الحالة السيئة وعدم الرضا على قادة فاسدين وأنظمة فاسدة شكل محركا أساسيا في أحداث عام 2011 في معظم الدول العربية، إلا انه لم يبذل الكثير من الجهد في معظمها لمكافحة الفساد ىالقليل منه.

وبالنسبة للسطنة، يشير تقرير منظمة الشفافية الدولية إلى انها احتلت المركز الـ 64 عالميا والـ 5 عربيا. وقد أظهر هذا المؤشر عن استقرار تصنيف السلطنة في المؤشر عند مستوى 45 نقطة دون تغيير منذ عام 2014، أي أقل من 50 نقطة، على الرغم من تراجع معظم الدول العربية في الترتيب العالمي. وكما هو معروف فان المنظمة تستند في نتائج هذا المؤشر من خلال مسح لآراء الخبراء واستطلاعات الرأي المتخصصة وباعتماد ثلاثة مصادر متوفرة على الأقل لتقييم كل دولة، وقد استندت المنظمة في تقييم السلطنة إلى البيانات والتقارير التي أصدرتها خمس مؤسسات دولية، وهي: مؤسسة برتلسمان ، وتقيس مؤشر التحول الديمقراطي والتنمية الاقتصادية، ومقرها ألمانيا، ووحدة الاستخبارات الاقتصادية وهي معنية بتصنيف مخاطر الدول، وهي تتبع مجموعة الإكونومست البريطانية. ومؤسسة البصيرة العالمية (تأسست في أمريكا)، بالإضافة إلى مؤسسة خدمات المخاطر السياسية (تأسست في أمريكا). والمنتدى الاقتصادي العالمي - استطلاع رأي منفذي الأعمال في القطاع الخاص (تأسس في سويسرا).

ومن جانبها تعمل السلطنة من خلال جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بمتابعة نتائج مؤشر مدركات الفساد، وهو يعمل جنباً إلى جنب مع جميع مؤسسات الدولة في تحسين وتطوير الأداء وتعزيز ترتيب السلطنة في المؤشرات الدولية، حيث عكف الجهاز على رصد جميع تلك التقارير التي تصدر عن السلطنة وتتبُّع المؤشرات التفصيلية بكل مؤسسة من المؤسسات الخمس المعنية بتقييم السلطنة ومعرفة مجالات اهتمامها، وجوانب التقييم لديها ذات العلاقة بمؤشر مدركات الفساد، وأدوات جمع البيانات المتبعة لديها، وصولاً إلى استخلاص عناصر التقييم والعلامات والمبررات لكل مؤسسة على حدة، وبيان مكامن القوة ونقاط الضعف، وبالتالي النظر في آليات تحسين ترتيب السلطنة في المؤشرات الدولية. كما يتابع مجلس الوزراء من جانبه الأمر، حيث صدر عنه عدة توجيهات وتعاميم بضرورة مكافحة أي نوع من الفساد، فيما تم تشكيل لجنة وزارية من قبله تعنى بتعزيز تنافسية السلطنة لتكون مركزا للاستثمارات الأجنبية في المنطقة. كما أن السلطنة عضوة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، حيث تسعى الحكومة إلى تعميق الجانب الأكبر من الجهود في سبيل تعزيز قيم النزاهة ومشاركة المجتمع المدني في المحافظة على منجزات الوطن، وترسيخ قيم المواطنة الصالحة في المجتمع، مستنيرين في ذلك بتوجيهات جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - في كثير من خطاباته السامية التي تدعو لأهمية المحافظة على مكتسبات الوطن ومقدراته، فيما يعمل جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بوضع مشروع لاستراتيجية وطنية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، وبمشاركة جميع الجهات المعنية بما فيها القطاع الخاص والمجتمع المدني إلى بث مزيد من التوعية لتعزيز القيم النبيلة في المجتمع، والتأكيد على أهمية المحافظة على مكتسبات الوطن ومنجزاته التي تحققت، وتفعيل العمل المشترك بين الجهات الحكومية من خلال تبسيط الإجراءات وتسهيل المعاملات نحو حكومة إلكترونية فاعلة تساهم في تحسين العمل وتطويره الأمر الذي سينعكس إيجابا على الكثير من المؤشرات الوطنية والدولية الإفصاح عن الآليات التي تتبعها الحكومة في اتخاذ القرارات والسياسات العامة.

المجتمع العماني مطالب اليوم بتحسين وضع السلطنة في المنظمات الدولية كمنظمة الشفافية الدولية التي تعمل على محاربة مدركات الفساد، والعمل على تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وتعزيز قيم النزاهة ومشاركة المجتمع المدني في مختلف الأعمال، بجانب تبني مبدأ المشاركة والشفافية في عملية التطوير وإشراك من قبل المؤسسات المعنية، ووضع الخطط التطويرية للمستقبل. وجميع هذه العوامل ستساهم في المحافظة على ما تم تحقيقه من إنجازات ومكتسبات الوطن ومقدراته. وهذه القضايا هي التي ستعمل على تعزيز الوضع التنافسي للسلطنة وعلى جذب المزيد من الاستثمارات وتوفير فرص العمل للمواطنين مستقبلا.