1
1
الاقتصادية

الطريق إلى مقاومة أكبر عقبتين تقفان في طريق نجاحك

03 مارس 2017
03 مارس 2017

كيف تتغلب على الخوف والخجل ؟

تأليف: يوسف أبو الحجاج -

عرض وتحليل: إميل أمين -

عن دار كنوز للنشر والتوزيع في القاهرة صدر حديثا هذا الكتاب للكاتب المصري وخبير التنمية البشرية «يوسف أبو الحجاج» الذي يعالج فيه مشكلتين عصريتين خطيرتين هما الخوف والخجل .. ما رأيك عزيزي القارئ في أن نأخذك إلى رحلة داخل أعماق نفسك لنكتشف لماذا تخاف ولماذا تخجل وما الأسباب الحقيقية وراء خوفك أو خجلك ؟

ما الخوف ؟ وما الفرق بين الخوف الطبيعي والخوف غير الطبيعي ؟ ما الفوبيا وما أسبابها وما عقدة الخوف وكيفية حلها ؟ .. ثم نأخذك في رحلة إلى عالم الخجل، وما حقيقة الخجل الذي تعاني منه وكيفية حلها ؟ ... إنها رحلة حقيقية داخل أعماق ذاتك لتكتشف ذلك الجانب الغامض وربما المظلم وتقضي على الجانب السلبي الذي يحتويه ... إنها تجربة رائعة في عالم العلاج النفسي الذاتي الذي يتوقف نجاحه عليك أنت ... أنت وحدك.

ما الخوف؟

إنه شيء نشعر به ونحسه ونواجهه في مواقف شتى وله حدود طبيعية مقبولة، ومن الأمور المتفق عليها اجتماعيا ونفسيا أن الخوف الذي يعانيه الإنسان في حياته الدنيا هو ما استبد به وبسط جذوره في أعماقه وأدى إلى انفعالات استجابية تؤثر في السلوك والإدراك وبالجسد بصورة خاصة وهو ما نشاهده بصورة واضحة على الإنسان الذي يعاني الفزع.

لقد أكد علماء النفس والاجتماع أن الإنسان الذي يسيطر عليه الخوف يفقد مقدرته القائمة على التفاعل البناء مع المجتمع الذي يعيش فيه، ويحاول بقدر طاقته الهروب من كافة المؤثرات الانفعالية الاستجابية التي يخيل أنها تهدد حياته وإمكاناته النازعة إلى الخلق والإبداع، فيصبح إنسانا هروبيا من واقعه الحياتي، ومن ثم ينطوي على نفسه ويسبح في تيارات جارفة من الأوهام النفسية القاتلة التي تحد من حيويته، وتقف في طريق نشاطه كالصخرة الصلدة التي تعطل أهدافه في الحياة الدنيا.

الخوف والخواف (الفوبيا)

يقصد بالخواف أو الرهاب أو الفوبيا، المخاوف المرضية وهي المخاوف غير المعقولة وغير المنطقية، فالخواف هو رعب مبالغ فيه من موضع أو موقف ما، لا يمثل في حد ذاته تهديدا دقيقا، فمريض الخواف يستجيب بالخوف لموضوع أو موقف ليس هو في حد ذاته مصدر للخطر.

ويمكننا القول: إن الخواف هو خوف مرض من موقف أو موضوع (شخص أو موقف أو فعل أو مكان) غير مخيف بطبيعته، ولا يستند هذا الخوف إلى أساس واقعي. ولا يمكن ضبطه أو التخلص منه أو السيطرة عليه ويعرف المريض أنه غير منطقي ورغم هذا فإن هذا الخوف يتملكه ويحكم سلوكه ويصاحبه القلق والعصابية والسلوك القهري ويرى علماء النفس أن الخواف فكرة متسلطة وأن هذه الفكرة غير منطقية إذ إن الشخص يعرف تماما من الناحية الشعورية أن هذا الموضوع ليس بخطر، ومع ذلك يبتعد عنه ومن ثم يسلك سلوكا قهريا. ويمثل الخواف أو الفوبيا عند الكبار حوالي 20% من حالات العصاب.

الفوبيا والقلق

القلق خبرة انفعالية مؤلمة تنتج من منبهات داخلية أو خارجية ويتحكم فيها الجهاز العصبي، والقلق مرادف لانفعال الخوف، ولكن فرويد ميز بين القلق والخوف، وقال: الخوف يفهم فيه عادة الخشية من شيء في العالم الخارجي في حين أن الإنسان بحسب رأي فرويد يمكن أن يخاف من أخطار داخلية ودوافع لا شعورية مكبوتة كما يخاف من أخطار خارجية والمخاوف المرضية أقرب ما تكون للقلق المباشر، ففي حالات الفوبيا يتجدد الخوف بأن يرتكز حول موضوع بعينه ويمكن للفرد أن يتجنبه إلا أن هذا التحديد والتجنب كثيرا ما يفشل ويبدأ الشخص عملية تعميم وينتقل بعدها من الخوف من الموضوع ذاته إلى الخوف من كل ما يتصل بهذا الموضوع.

هذه العملية تمثل نوعا من العودة إلى حالة القلق الشامل التي يتجنبها الطفل في البداية والفوبيا صورة من صور القلق العصابي وأهم ما يميز هذا الخوف أن قوته لا تتناسب مطلقا مع الخطر الحقيقي الذي ينتج عن الشيء موضوع الخوف، وفي كل حالة من حالات الفوبيا يكون الخواف غير معقول علي أساس أن منبع القلق كائن في الذات وليس في العالم الخارجي، حيث يكون الشخص خائفا من أن يذهب إلى واقع داخلي لا يستطيع التحكم فيه.

عقدة الخوف

عقدة الخوف مرض نفسي إذا ما استبد بالإنسان أفقده الكثير من مقومات الإنسانية وأحدث خللا خطيرا في حياته الشخصية والاجتماعية.. إن الحياة البشرية ليست كلها ميزات وأفراح وهدوء واستقرار نفسي، بل هي أيضا سلسلة من المخاوف والمخاطر والنكسات والخضات والألم .. ويضع علماء النفس إشارة حمراء خطيرة حول ظاهرة الخوف عند الإنسان، ويعتبرونها شيئا طبيعيا لدي الكائن البشري، وهم يصنفون الخوف في قائمة الانفعالات الرئيسية الأصلية التي تبدأ لدى المولود الصغير، وإذا كان الإنسان هو الموجود الذي يبحث بتوق عن الأمن والاستقرار والطمأنينة، فما ذلك إلا لأن حياته مهددة في كل لحظة بالكثير من الأخطار... أخطار تهدده من الخارج من جانب الآخرين.

وبالمقابل هناك أخطار تهدده من داخله من ذاته، وتفسير ذلك أن ما يقض مضاجع الإنسان وينغص عليه حياته إنما تلك الإمكانيات التي تجعله نهبا في كل مناسبة وحين للعوارض والمرض والشقاء والموت، وليس هناك وسيلة أكيدة يمكن أن يلجأ إليها الإنسان، ويمكن أن تضمن له عدم التعرض لأي خطر من الأخطار فإنه ليس هناك ملاذ آمن يمكن أن يلوذ به الإنسان للاحتماء والهرب من نزلات القدر وضرباته المفاجئة.

سلوكيات جديدة للمواجهة

هل هناك سلوكيات وأفعال يمكن للذين يعانون من الخجل والخوف من المستقبل القيام بها كعلاج؟

بالطبع نعم، ومن أفضل الطرق والوسائل للتغلب على الخوف المرضي اللجوء إلى وسائل العلاج السلوكي الذي يعتمد على التدريب لمواجهة المخاوف بالمواجهات المباشرة لها سواء بطريقة الخطوة خطوة... أو مواجهتها كما هي مرة واحدة، وهناك عدة طرق لمواجهة المخاوف باستخدام العلاج السلوكي أو سلوكيات جديدة للتعامل.

الطريقة الأولى: إزالة الحساسية المسببة للمخاوف بطريقة منتظمة (خطوة خطوة) وهي أولى أنواع العلاج السلوكي الهامة. فلو أن إنسانا يخاف من شيء ما يقول إنه سيحدث ولو حدث سيؤدي إلى آثار وخيمة فليتخيل هذا الشيء الذي يخشاه قد حدث فعلا، ثم يقوم باسترخاء عميق لعضلاته بطريقة فعالة، ثم يستحضر صورة بصرية للمخاوف التي تقلقه من المستقبل، لكن يعكس الصورة بتخيل الشيء السار والإيجابي الذي سيحدث ويحتفظ بالصورة لمدة 15 ثانية، ورويدا رويدا يستطيع إزالة الحساسية التي تسبب المخاوف والقلق.

الطريقة الثانية: الإغراق: هو أسلوب مواجهة فعلية للمخاوف في الخيال دون الاستعانة باسترخاء العضلات، فالإنسان المصاب بالقلق والخوف من المستقبل يجب أن يتخيل الحد الأقصى من المخاوف أمامه، ويتخيل تلك المخاوف بحدها الأقصى قد حدثت فعلا، ويتكيف على ذلك ويكرر التخيل المبالغ فيه للمخاوف فترات طويلة حتى يتكيف معه، ويستمر في هذا التصور إلى أن يشعر أن تكرار مشاهدة الحد الأقصى من المخاوف أمام عينيه أصبح لا يثيره ولا يقلقه لأنه اعتاد على تصوره، وهكذا نجد أن ذلك الشخص بهذا الأسلوب قد تعلم ذهنيا كيف يواجه أسوأ تقديرات الخوف والقلق، ويتعامل معها في خياله، ويكون مؤهلا لمواجهتها في الواقع لو حدثت.الطريقة الثالثة: التنظيم المعرفي: هذه الطريقة العلمية تمت متابعتها وحققت نجاحات كثيرة بعد أن لوحظ أن الذين يعانون من القلق والخوف من المستقبل يشغلون أنفسهم بالتفكير السلبي الذي يؤدي إلى حالة القلق والخوف. وعلى هذا الأساس فإن هذه الطريقة قائمة على استبدال الأفكار السلبية بأخرى إيجابية .. وعند التفكير السلبي في الأشياء التي تثير القلق والمخاوف فلماذا لا يتم التفكير بعد ذلك مباشرة في عكس ذلك في توقع إيجابيات بدل السلبيات .. هذه الإعادة في تنظيم التفكير استبدال النتائج الإيجابية المتوقعة لتحل محل النتائج السلبية المقلقة هي التنظيم المعرفي للإنسان السوي الذي لابد له أن يتوقع النجاح تماما كما يتوقع الفشل، فالهدف الأساسي من طريقة إعادة التنظيم المعرفي هو تعديل أنماط التفكير السلبي وإحلال الأفكار الإيجابية المتفائلة مكانها.

أريد أن أتغلب على الخوف والقلق: إذا كنت تعاني من الخوف من المستقبل فإني أدعوك كي تحضر صفحة بيضاء من الورق وتكتب بخط واضح وكبير عبارة «أريد أن أتغلب على الخوف»، وضع هذه الصفحة أمامك مباشرة وانظر إليها طويلا كلما شعرت بالخوف والقلق .. تأملها جيدا .. وقل لي بماذا تشعر عقب ذلك ؟

لقد أكد فريق من علماء النفس على أن كل ما يدخل النفس بالفكر يتحول إلى فعل، وإن كانت فكرة تجنح جنوحا طبيعيا إلى أن تتحول فعلا إلى فعل بشرط وجود الإرادة ووسائل تقوية تلك الإرادة.

نعم يا صديقي، تستطيع بذاتك التغلب على الخوف إذا أردت بفعل سلطان الإرادة لأن مصيرك بيدك لا بيد غيرك، وهو وقف على إرادتك تستطيع أن تنظمه لو أردت ذلك فعلا.

حقا بداخل كل منا الوسائل الدفاعية التي تستطيع بها التغلب على القلق والمخاوف مهما كانت أسبابها، فالاعتزاز بالنفس الذي يجعل الإنسان مصمما على النجاح، والإرادة الواعية المصممة الثابتة، والقدرة على امتلاك الشهوات والانفعالات والتحكم بها عن وعي وتفكير والجرأة الواضحة الهادئة المطمئنة في مواجهة الأحداث والأشخاص كلها أسلحة كفيلة إذا أحسن استخدامها أن تقضي علي أي مخاوف وأي قلق غير طبيعي.

الأمر يتطلب منك يا صديقي أن تشحذ همتك وتتشجع وتقترب بجرأة مما تبتعد عنه خوفا، تدرب يا صديقي تدريجيا علي المواجهة والتقرير والمضي فيما تقرر، ومهما كانت إرادتك هزيلة فسرعان ما ستقوى وتشتد وتفرض نفسها عليك لتواجه الحياة بلا خوف وبلا قلق، وكما قال «كارنيجي» منذ أكثر من نصف قرن تقريبا «دع القلق وأبدأ الحياة».

الفكرة الإيجابيةتولد الإشعاع

إنني أدعوك للقيام بالخطوة الأولى الآن للتغلب على الخوف الذي تعاني منه مهما كان، واعلم أن الخطوة الأولى وحدها تنطوي على صعوبة ولكنها صعوبة تدفعك للتغلب على الخوف حتى إذا فرغت من أولى خطواتك نحو هذه المواجهة كانت خطواتك التالية أسهل وأيسر بكثير.

انظر إلى الكلمات المكتوبة أمامك إنها تقول: «أريد أن أتغلب على الخوف»، فقل لي: ما الذي يمنعك من ذلك؟ لا شيء مطلقا إنها مجرد أوهام في خيالك لا بد من مطاردتها ومواجهة الواقع مهما كان، وتوقع المستقبل بخيره وشره، عليك أن تخضع كل فاعلياتك النفسية لتحقيق ذلك الهدف، وثق يا صديقي أن إخضاع فاعلياتك النفسية لتحقيق هذا الهدف هو الشرط الأكبر من شروط تحقيق النجاح، وعندما يمكنك أن تبلغ ما ترجوه مهما كانت العوائق ومهما اشتدت الصعوبات وما دمت قد اتخذت قرارك بالمواجهة واتجهت فعلا صوب تنفيذه .. ثق أن إرادتك عند درجة معينة ستأتلف وتتضامن دوما بعمق المعنى ما دمت جادا في المواجهة، ويمكنك أن تكتب عبارة «إنني سأتغلب فعلا على القلق والخوف»، وأن تحتفظ بالصورة التي تريدها لذاتك فهل تريد أن تحتفظ لذاتك بصورة الإنسان القوي الذي استطاع التغلب على المخاوف والقلق وقهرهما أم بصورة أخرى؟

فلتكن هذه فكرتك التي تلازمك، وثق أن الفكرة سواء أكانت إيجابية أو سلبية على حد سواء تولد إشعاعا قويا بالغ القوة في النفس وتؤثر على النفس تأثيرا فعليا وثبت أن إرادة الإنسان تستطيع بما أوتيت من سلطان أن تغير من أسبابه المادية الثابتة عندما تشحن بشحنات كافية من القوة الحيوية مع العزم والإرادة والتصميم.

حقيقة الخجل

ما حقيقة الخجل الذي تعاني منه؟ وكيف يحدث لك ذلك الخجل ؟ وهل حقا أنت تعاني من الخجل ؟ يعتقد الكثيرون خاصة أصحاب الإحساس المرهف أنهم يعانون من الخجل، والواقع بخلاف ذلك تماما فقد يعاني معظم أصحاب الإحساس المرهف من الحياء، وهناك فارق كبير بين الحياء والخجل، فالحياء يعني الالتزام بمكارم الأخلاق والابتعاد نهائيا عن إيذاء شعور الآخرين من قريب أو بعيد مع المحافظة التامة على شعور الذات وكرامة الشخص واحترامه وهو من السمات الإيجابية التي تضاف إلى الشخصية الإنسانية، بينما المعاناة من الخجل شيء آخر يختلف تماما، فهو يعبر عن حالة نقص أو دونية في الشخصية تجاه نفسها وتجاه الآخرين. والإنسان الخجول يعي هذه الحقيقة جيدا وبصورة قاسية، ويعلم أن هذه الحالة ليس لها ما يبررها:

هل مجرد أن ينظر الآخرون إليك تصاب بالخجل والتردد ؟ هل مجرد أن يطلب منك رئيسك في العمل أن تذهب لمقابلة الرئيس الأعلى يصيبك بالخجل والتردد والارتباك؟ إنه انعدام في ضبط النفس، إذا كانت الإجابة بنعم فأنت فعلا تعاني من الخجل والخجول دائما قاس بالنسبة إلى نفسه، تراه باستمرار يقوم بالنقد الذاتي القاسي لنفسه وللآخرين أيضا.

أسباب تؤدي إلى الخجل

هل هناك أسباب يمكن أن تؤدي بالإنسان إلى تسلط الخجل عليه وامتلاك الخجل له امتلاكا تاما ويمكن أن نقول عن تلك الشخصية إنها خجولة رغم أنفها ؟ نعم، يمكن أن يكون هذا هو حال البعض، فعلى الرغم من أن الخجل صفة تكاد تكون ملازمة للبعض إلا أنه في بعض الأحيان يهاجم البعض الآخر رغما عنهم.

ويحدث ذلك في لحظات تكون فيها الثقة بالنفس مهتزة أو يكون الكيان الفكري غير متماسك، أو تكون الجرأة في مواجهة الأحداث غير متوافرة بالقدر الكافي، وفي هذه الحالة يمكن أن نطلق على ذلك الشخص لقب الخجول رغم أنفه. وكي لا تنتابك نوبات الخجل مطلقا عليك تحصيل الثقة بالنفس بصورة دائمة ومنتظمة وبناء كيان فكري متماسك قوي. وأن تكون قويا في مواجهة الأحداث.

ويتفق فريق من علماء النفس والاجتماع على أن نوبات الخجل تصيب كثيرا من النفوس، وتتحكم وتستبد بصاحبها إلى درجة تشل بها مواهبه وفاعلياته وتجعله في سلوكه الاجتماعي ضئيل الإنتاج، ضعيف التأثير في الآخرين. وعليك أن تدرك أنه مهما كانت الأسباب التي دفعتك إلى الخجل فلا بد من مقاومتها في نفسك كي تتمكن من مواجهة الأحداث وأن تتمتع بالجرأة في التعامل مع الناس والإفادة منهم حتى لوكنت خجولا رغم أنفك. وثق أنه لما بلغ الخجل من تأصل وشدة معك، فإنه باستطاعتك أن تصبح جريئا متماسكا حازما منيعا إذا كانت لديك الإرادة والعزم.

تعرف على نوع خجلك

إذا كنت تعاني فعلا من الخجل فهل تعرفت على حقيقة خجلك ونوعيته ودوافع الخجل الذي تعاني منه؟ يؤكد فريق من علماء النفس والاجتماع أن كل سلوك يصدر عنا يكون ذا وجهة معينة قد تتصف بالعمق والإصرار في بعض الأحيان أو السطحية في أحيان أخرى.

ولو طبقت تلك الرؤية على ضوء حالة الخجل التي تنتابك هل ترى الخجل الذي تشعر به يتصف بالعمق والإصرار في كل المواقف أو في بعض الأحيان فقط ؟ أم أنك تشعر أن خجلك سطحي يظهر في أحيان معينة ؟ الحقيقة أن علماء النفس قاموا بتعريف المفهوم الفرضي الذي يحدد مدى هذه الوجهة التي يتجه إليها السلوك الإنساني بالدافعية أو الدوافع .. فهل يمكنك أن تحدد الدوافع التي جعلت الخجل يتمكن منك إلى تلك المرحلة التي تعانيها؟ نعم بمقدورنا الاستدلال على الدوافع أو استنتاجها مما نشهد من سلوك وتصرفات .. ويؤكد علماء النفس أن السلوك الإنساني يتوقف في تغيره وتعديله على إخضاع الكائن الحي أو تعريضه لعمليات معينة وهذا هو التحديد الإجرائي لمفهوم الدوافع، وهناك عدة اختلافات في تعريف ذلك الدافع فيسميه البعض بالحافز أو المحفز، ويسميه البعض بالحجة أوالرغبة، إلا أن كل هذه المصطلحات تكاد تتفق في مضمون واحد لتلك الدوافع .. وهي وجود قوة بدرجة ما من العمق تدفع أو توجه السلوك، ويحدد موضوع هذه القوة أو هدفها الوجهة التي يتخذها السلوك ولك أن تجيب بكل صراحة وصدق ما الدوافع التي تراها أنت من داخلك قد وجهت سلوكك الإنساني نحو الخجل ؟ حقا إن هذه الدوافع تختلف باختلاف الأشخاص ولذلك لا بد أن تحدد أنت تلك الدوافع التي تعنيك بكل صدق.

أنت المسؤول

هل تعرف من المسؤول الأول عن حالة الخجل التي وصلت إليها؟ إنها ليست الدوافع ولا الأسباب التي بحثنا عنها، بل في الواقع أنت المسؤول الأول عن الخجل.

من القواعد العامة الواجب الانتباه إليها هي أن السلوك الإنساني لا يفرض على الإنسان فرضا، ولكن الإنسان هو الذي يختاره لنفسه، وليس بمقدور أي إنسان أن يجعلك غاضبا جدا أو سعيدا جدا. الخجل سلوك سيئ يؤكد للخجولين أنهم عاجزون عن التوافق في يسر ونجاح مع أنفسهم ومع الآخرين، ومعناه أننا لا نمارس حياتنا بنجاح لأننا نأتي بأمور بطريقة لا يقرها الآخرون في مجتمعنا، فإذا كان المجتمع قد وضع أهدافا معينة نصبوا إليها جميعا، وهي تتضمن الصداقة والتعاون والتعامل بروح الجماعة، فإذا كان الخجل الذي ينتابنا يبعدنا عن تحقيق هذه الأهداف، فهذا يعني أننا نأتي الأمور بطريقة غير مقبولة وأننا نخطئ الهدف .. هل اقتنعت أنك المسؤول الأول عن حالة الخجل التي تنتابك؟ والآن بعد هذا الإقناع ماذا أنت فاعل؟ لابد حتما أنك الآن تفكر في تبديل سلوكياتك نحو الأفضل.

هل تعلم أن تغيير سلوكك والقضاء على الخجل يمكن أن يستغرق 50 ثانية فقط من العمل الإيجابي لصالح الآخرين الذين سيوجهون لك كلمة الشكر؟

مجرد أن تعلق ملابس إخوانك داخل المنزل أو تغسل كوب ماء وتناوله لأخيك، أو تسأل عن طريق مريض بالهاتف أو زميل لم تره منذ زمن .. إنها أفعال صغيرة، وإننا نستغرق أكثر من 60 ثانية ولكنها بداية حقيقية للقضاء على الخجل والتغلب عليه. إن السعادة والسرور في مشوار الحياة يكون عن طريق الحب والتعاون والمشاركة، وإن الطريق للتغلب على الخجل يلزمه عمل الأشياء الصحيحة في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة.

ماذا يفعل بنا الخجل؟

التخلص من الخجل أصبح من الضرورات التي لا غنى عنها في الحياة، فهل تعلم ما يفعله الخجل بنا؟ أولا عدم الرضا تجاه النفس: إنه الشعور الأول الذي ينتابك نتيجة الخجل والتقوقع داخل الذات وعندما تجد نفسك في حالة استخفاف بذاتك دون أن تدري، وتعتبر نفسك أدنى من الآخرين وبالتالي تشعر أنك لست على ما يرام، فالمطلوب منك أن تتصالح مع نفسك وتقبلها بدون خجل.

ثانيا: الشعور بالثقة المحدودة جدا تجاه الآخرين: إنها نتيجة طبيعية للشعور بالخجل، والثقة المحدودة جدا في النفس تنعكس انعكاسا سلبيا على الآخرين .. مع العلم أن بعض الخجولين يعانون من فقدان الثقة التام تجاه الآخرين بينما البعض الآخر فقط هم الذين يشعرون بثقة محدودة جدا تجاه الآخرين. ثقتك بنفسك تعنى ثقتك بالآخرين.

ثالثا: التأثر بالآخرين بحساسية: إنك تصبح حساسا جدا سريع التأثر عما يقوله الآخرون أو يفعلونه حتى لو لم يكونوا متعمدين أن يجرحوا إحساسك .. في الواقع إنك تتألم ما دامت علاقاتك مع الآخرين باردة ومتحفظة .. تتألم لأنك تحاول بينك وبين نفسك، تريد التقليل من تقدير الغير لإبراز قيمتك بصورة أفضل ولكن الخجل يمنعك من ذلك كله، هذا يجعلك حساسا سريع التأثر، وكل قول أو فعل من الآخر يبدو لك أنهما يخفيان مشاعر معبرة قوامها السخرية ويصبح أبسط شيء يفعله الآخرون يجرحك. رابعا: المعاناة في المشاعر: هذا بالنسبة لنقدك من الآخرين، فإنك تضحي سريع التألم وتتسم بحساسية مبالغ فيها، وتعتبر أبسط ملاحظة يبديها نحوك الآخرون نقدا لاذعا وهجوما شخصيا حادا على ذاتك، وهو ما يجعلك تبتعد عن هؤلاء في محاولة لاتقاء شر نقدهم وتجريحهم لذاتك.

خامسا: المعاناة من الصعوبة في التعبير: عندما تصاب بالخجل نتيجة موقف أو تصرف معين في حالات كثيرة تتداخل العوامل الفسيولوجية والسيكولوجية .. فقد تتقلص عضلات الوجه والقفص الصدري، وقد تهز الأحبال الصوتية ويبدو التنفس غير كاف. وقد يتسارع النبض بصورة ملحوظة وقد يقل ترابط الأقوال .. الخجل يجعلك كأنك محط أنظار الجميع وهذه الفكرة كفيلة أن تجعلنا نشعر بالقلق والتشويش وبالتالي نتلعثم وتسيطر هذه الكلمات ونعاني في البحث عنها.

سادسا: الحكم على الأشياء بطريقة غير صحيحة: الخجول لا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يكون حكمه على الأمور موضوعيا عادلا، بل إن الحكم على الأمور سيكون من منظور شخص أو ذاتي، ويكون نتيجة لهذا الخجل أكثر مما موجود على أرض الواقع .. وهكذا يمكن للخجل أن يجعلنا نرى همومنا ضخمة غير واقعية .. الخجل يجعلنا لا نرى من الأمور سوى أقبحها وأسوأ ما فيها .. ولا يجعلنا نلاحظ مباهج الحياة .. ويجعلنا نميل إلى أن نكون ساخطين على أنفسنا وعلى الآخرين.

سابعا: نصبح غير متكيفين مع الواقع: هذا ما يفعله الخجل ويجعلنا غير قادرين على التكيف مع الواقع، نريد أشياء لا نستطيع أن نفعلها، لأن الخجل يقف لنا بالمرصاد، ونريد أن نداعب هذا ونصافح ذاك ونتبادل الحديث مع هذا ولكن الخجل يمنعنا، نريد أن نتعاون مع الآخرين ولكن الخجل يمنعنا، وهكذا يكون عدم التكيف مع الواقع الذي يفرض علينا أن نعيش حياة اجتماعية قوامها التواصل والتعاون والحب.

هل تعاني عقدة نابليون؟

هل تعاني من عقدة الخجل التي كان يعاني منها نابليون بونابرت؟ إنها عقدة مواجهة الجنس الآخر، فذلك القائد الجسور الذي كان لا يهاب المدافع ولا القنابل كان يخشى مواجهة النساء، وكان يفضل أن يتعرض للمدافع والقنابل على أن تواجهه أعين الجنس اللطيف، وكان يضطرب حتى يفقد وعيه إذا شعر بوجود امرأة غريبة في مجلسه .. فإذا كنت تعاني مما كان يعاني منه نابليون فلا داعي للقلق، وإن كنت أكثر حظا من نابليون فلعل هذا يمكن أن يدعم ثقتك في نفسك. ومن الغريب أن عقدة نابليون تصيب بخاصة النابغين والأفذاذ من رجال الفكر والأدب والعلم، ويؤكد فريق من علماء النفس أن علاج هذه الحالات وذلك النوع من الخجل في متناول أيدي أصحابها إذا كانت لديهم النية الصادقة في السيطرة على أحاسيسهم، وأن يتواصلوا من تلقاء ذواتهم وبما لديهم من ذكاء إلى مواجهة الجنس الآخر اللطيف بكل اللطف المطلوب، وأن يكون السلام لا الاستسلام هو الشعار الذي يجب أن يسيطر على حياتهم العاطفية والاجتماعية.

إن حواء تعجب دائما بآدم القوى الجريء الشديد في الحق، وإن صفة الخجل تعتبرها حواء صفة خاصة بها ولا يجوز لأدم أن يكون خجولا على الإطلاق مهما كانت مواهبه وقدراته.

الخجل يحرمك من السعادة

لماذا تحرم نفسك من السعادة ؟ لا تقل لي إن هذا رغما عني، وإنك حاولت التخلص من الخجل دون جدوى، لأنك بذلك تخرق قانونا مهما من قوانين الحياة التي تؤكد على أن الإنسان يشكل بنفسه تجربته الذاتية. وعلى ضوء ذلك ينبغي أن تعترف أنك مسؤول عن حياتك وأنك مسؤول عن تحقيق تلك النتائج التي تؤثر تأثيرا كبيرا على حياتك. وعليك أن تتعلم منذ هذه اللحظة أن يكون لديك حسن الاختيار كي تجني أفضل الثمار. والذي يعنينا أن تكون مقتنعا تماما ومعترفا بمسؤولياتك عما وصلت إليه من وضع يميز حياتك مهما كانت الظروف التي تحيط بك، وهذا الاعتراف بالمسؤولية يعني أنه يجب عليك أن تسأل نفسك هذه الأسئلة وتجيب عنها بكل دقة وصراحة .. ما الظروف التي تعيش فيها الآن والتي لا ترغب فيها؟ ما الذي ينبغي أن تقوم به الآن لإعادة تنظيم الأمور لكي تحدث بالأسلوب الذي ينبغي أن تحدث به ؟

ما الذي ينبغي أن تقوم به لكي يسهل عليك الوصول للنتيجة المرجوة، وهل فشلت في إتباع السلوك اللازم ولماذا ؟ هل يدفعك التقدير والاحترام الذاتي إلى التميز والتقدم ؟ وماذا فعلت من أجل ذلك؟

الواقع أن الخجل الذي انتابك تسبب في حرمانك من أهم مصادر السعادة، وهو الاستمتاع بالعلاقات الاجتماعية التي تزيد من السعادة بتوليد البهجة وزيادة تقدير الذات، والكف عن الانفعالات السلبية وتوفير المساعدة على حل المشاكل. إن الخجل يؤدي بك إلى الانطواء والعزلة، وبالتالي لا تستطيع إقامة علاقات اجتماعية متينة، بما يجعلك لا تستطيع أن تشعر بتأثير العلاقات الاجتماعية وأثرها على سعادة الإنسان.

على طريق الشفاء

هناك عدة مراحل تضمن لك السير في طريق الشفاء: المرحلة الأولى: وهي سهلة وميسورة للغاية، وهي أن تعرف ما الخجل، ولكن ليس المقصود أن تقوم بتعريف أكاديمي للخجل من خلال قراراتك للمراجع النفسية، ولكن أن تقوم بتعريف الخجل من خلال حالتك أنت، ولعل أسهل وسيلة لذلك أن تمسك ورقة وقلما وتقوم بالتعريف في بضعة أسطر من واقع معاناتك.

** المرحلة الثانية: وفيها تبحث عن التأثيرات التي تنجم عن خجلك وهذه التأثيرات تتباين من خجول لآخر حسب مرحلة خجله، وقد تكون تأثيرات فسيولوجية وقد تكون سييولوجية، اذكر كل ما تشعر به نتيجة الخجل بكل وضوح ودون مداراة.

المرحلة الثالثة: يمكنك خلال هذه المرحلة أن تراقب سلوكياتك وتصرفاتك السلبية التي يسببها لك الخجل والتي لا تقبلها في أعماق ذاتك لكنك تفعلها خجلا رغما عنك.

** المرحلة الرابعة: وفيها يمكن أن تعرف خجلك بدقة، لأنك الآن بعد المراحل الثلاثة السابقة تكون قد حصلت على بطاقة شخصية للخجل الذي تعاني منه موضحا فيها كافة البيانات الضرورية التي تؤهلك كي تتغلب على هذا الخجل دون معاناة لأنك أصبحت تعرف وبكل دقة ماهو الخجل ؟ وما خجلك الذي تعاني منه بالتحديد ؟ وما درجة خجلك على المستوى النفسي والشخصي ؟ وما الأسباب الحقيقية لخجلك.