المنوعات

نساء عبقريات وعالمات تجاهلهن التاريخ

02 مارس 2017
02 مارس 2017

مدريد «د.ب.أ»:- إذا وجه سؤال لجمهور العامة عن نساء برزن في مجال العلم، قد يجمع الغالبية على تذكر اسم واحد فقط، ماري كوري، مكتشفة إشعاع الراديوم، ومع الكثير من التفاؤل، يمكن أن يتذكر أحدهم عالمة الرياضيات المصرية، هيباتيا، لسببين أنه تم تجسيد شخصيتها عالميا في فيلم «أجورا»، إخراج الإسباني اليخاندرو أمينابار، وجسدت دورها النجمة ريتشيل ويز، وقد منع في مصر لاعتراض الكنيسة على محتواه، أما الثاني، فتقديمها كشخصية أدبية في رواية «عزازيل» للأديب والمؤرخ المصري يوسف زيدان، والتي أثارت جدلا أيضا وقت صدورها.

ولكن يبقى السؤال: لماذا كل هذا التجاهل للمرأة؟ هل لم يكن هناك الكثير من النساء اللاتي كرسن حياتهن لخدمة العلم؟ أم أن هناك تعمدا واضحا لطمس دورهن عبر التاريخ.

«نظرا للوضع الذي عاشته النساء فإنهن لم تلعبن دورا يقارن كما أو كيفا بدور الرجل، مع ذلك فقد تعرضت إسهاماتهن إما للإخفاء، أو التشويه أو المحو بكل بساطة»، تؤكد أديلا مونيوث بايث، مؤلفة كتاب «عالمات.الوجه الخفي للعلم»، الصادر عن دار نشر ديباتي.

وتبرز الكاتبة، وهي أستاذ كرسي مادة الكيمياء غير العضوية بجامعة أشبيلية، أنه من بين الصعوبات التي واجهتها النساء لاقتحام مجال العلم، كان «الطرد من مكتبات الأديرة. وهي الأماكن التي كانت تتوافر فيها العلوم والمعرفة في العصور الوسطى.

كما حرمن من الالتحاق بالجامعات». في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية ( د.ب.أ ) تقول البروفيسور مونيوث «تسبب هذان العائقان في طرد المرأة كلية من المحافل العلمية، وجعلا من الصعوبة بمكان أن تكون لها إسهامات غزيرة أو ذات أهمية.

حتى في اليونان نفسها، كان وضع المرأة يشبه إلى حد بعيد وضعها الحالي في بلاد تحكمها الأنظمة المتشددة والراديكالية». بالرغم من ذلك تستعرض مونيوث في كتابها، شخصيات بارزة في مجال العلوم في اليونان القديمة، مثل تيانو، زوجة بيتاجوراس، والتي حملت على عاتقها مسؤولية استكمال رسالته العلمية، وإسبازيا من ميليتوس، أستاذة البلاغة السقراطية، كما تسجل أيضا مسيرة حياة عالمة الرياضيات والفلك المصرية هيباتيا، وكذلك نهايتها المأسوية على يد أنصار الأفكار المتطرفة.

ومن العصور الوسطى الظلامية استنقذت مونيوث شخصيات مثل هيراد أوف لاندسبيرج 1130-1195)، وهي راهبة ألمانية، اشتهرت بمؤلفها العظيم «حديقة المسرات»، والذي يعد أول موسوعة مصورة في العصور الوسطى في شتى علوم عصرها.

تتذكر مونيوث نزعات الماضي التمييزية تجاه النساء، باعتبارهن جنسا أدنى أو أن عقولهن أقل حجما أو دون مستوى عقول الرجال، وأن السمات الرئيسية للنساء أنهن إما أصل الشرور أو النميمة والثرثرة، مما يجعلهم غير جديرات بأية ثقة، موضحة أن «حتى ارسطو نفسه توصل إلى استنتاج يؤكد أن النساء جنس أدنى من الرجال.

ومن ثم جعلت كل هذه الأحكام التي وصمت المرأة، إسهامها العلمي غير أهل للثقة، وبالتالي إما تعرض للمحو وذهب طي النسيان، أو نسب بكل بساطة لأب أو أخ أو زوج عشن في كنفه». وتعتبر حالة الإسبانية أوليفا سابوكو (1562-1622) خير مثال على ذلك.

نشرت سابوكو عام 1587 مؤلفا أكدت من خلاله أن العلم والمعرفة أمور تكتسب بالخبرة، موضحة أن المشاعر والأحاسيس والأفكار على حد سواء، محلها العقل. اعترفت أوليبا في خطاب للملك فيليبي الثاني بقيامها بتأليف الكتاب، إلا أن المؤلف ظل حتى أوائل القرن العشرين ينسب إلى والدها استنادا إلى وثيقة مخطوطة يؤكد فيها ذلك.

تجدر الإشارة إلى أنه حتى ماري كوري، كانت على وشك ألا تترشح لنيل جائزة نوبل في الفيزياء بسبب اكتشافها للنشاط الإشعاعي، بموجب بحث كانت قد بدأته وطورته بمشاركة زوجها بيير كوري، الذي لولا إصراره ما نالت زوجته الجائزة التي تستحقها.

الطريف في الأمر أنه بعد رحيل الزوج، نجحت ماري في الحصول على جائزة نوبل في الكيمياء عن بحث منفرد لها في فلز البولونيوم المشع والراديوم.

كما نالت ابنتها إيريني الجائزة نفسها عام 1935 مناصفة مع زوجها عن أبحاث في مجال الإشعاع أيضا.

منذ إنشاء جائزة نوبل، لم تفز بها النساء في مجال العلوم سوى سبع عشرة مرة، بحسب تأكيدات مونيوث التي تنتقد ذلك الوضع، موضحة أن «هذا الرقم لا يعكس حقيقة الإنجاز العلمي للنساء، سواء كما أو كيفا»، معتبرة أنه «يعد من أشد أنواع الظلم الذي تعرضت له المرأة خلال القرن العشرين، ما حصل مع روزاليند فرانكلين (1920-1958)، التي لم تنل أي تقدير على الرغم من أبحاثها تعد الركيزة التي استند إليها العلماء من أجل التوصل لفك الشيفرة الوراثية عن طريق الحامض النووي (DNA).لم يتم فقط استبعاد روزاليندا تماما عند منح الجائزة لمكتشفي بنية الشيفرة الوراثية، بل تم أيضا التقليل من شأن إنجازها في أحد المؤلفات التي نشرها واحد منهم، هو جيمس واتسون.»تجدر الإشارة إلى أن واتسون لم يسرق فقط نتائج تجاربها المعملية، بل سمح له ضميره العلمي ان يؤلف كتابا يظهرها فيه بمظهر الفتاة المدللة العابثة منحرفة المزاج، والخرقاء»، توضح مونيوث.على الرغم من ذلك تؤكد مؤلفة الكتاب أن «ليس المجال هنا الحديث عن صراع بين الرجال والنساء، بل تسليط الضوء على نساء ورجال يؤمنون بالتقدم العلمي وذكاء المرأة ضد من ينكرون عليها ذلك ويحقرون من شأنها بدون إثبات أو سبب واضح.

ولهذا فإن النساء اللاتي حققن إنجازات عظيمة منذ القدم وحتى عصور قريبة إلى حد ما، كان إلى جوارهن دوما رجال ذوو نظر ورؤية وذكاء أتاح لهم إدراك أن هؤلاء النساء يتمتعن بالذكاء والمقدرة على البحث والابتكار».وفي العصر الحالي، على الرغم من وجود الكثير من النساء البارزات في مجال البحث العلمي، فإن القلائل منهن فقط يتمكن من الوصول إلى تقلد المراتب القيادية سواء في الجامعات أو مراكز البحث العلمي. ولهذا، تطالب مونيوث بتعزيز دور المرأة في اللجان التي تقيم المشروعات العلمية، المنح، أو الدرجات»، مشيرة إلى أن «الاتجاه السائد يميل إلى إعطاء تقييم أفضل للرجال بصفة عامة». لرد اعتبار دور أسلافها من النساء، تعتقد أستاذة الكيمياء غير العضوية في الدرو المهم الذي تلعبه مبادرات مثل كتابها، كما تعول على السينما لتقديم نماذج مضيئة من تاريخ المرأة مثل فيلم «أجورا» أو فيلم «أرقام خفية»، الذي يتناول دور النساء السود الرائدات في مجال العمل بوكالة ناسا، إيمانا منها بقدرة السينما على الوصول إلى جمهور أكبر وأوسع انتشارا، ومن هنا تبرز أهميتها في تحقيق تغيير في المفاهيم السائدة لدى قطاع كبير من الناس عن دور المرأة في العلوم عبر التاريخ.