943002
943002
المنوعات

معرض مسقط الدولي للكتاب يحتفي بيوسف الشاروني إنسانا ومبدعا

02 مارس 2017
02 مارس 2017

كشفت تفاصيل عن حياته .. وعن مكانته بين مبدعي عصره -

943003

كشفت ندوة «يوسف الشاروني مبدعا وناقدا» التي استضافها معرض مسقط الدولي للكتاب مساء أمس الأول جوانب كثيرة من حياة الشاروني إنسانًا ومبدعًا، والدور الريادي الذي قام به الشاروني بين مبدعي عصره.. ودوره في الحراك السياسي ضمن محاولة تفسير نصوصه في سياقها السياسي في تلك المرحلة.

وكان يوسف الشاروني قد عاش جانبًا من حياته في السلطنة في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وكتب الكثير من كتبه عن السلطنة متتبعًا تاريخها وتاريخ مبدعيها.

واحتفى معرض مسقط الدولي للكتاب بأربعينية يوسف الشاروني من خلال ندوة شارك فيها شقيقه الناقد يعقوب الشاروني والمؤرخ شعبان يوسف والناقد هيثم الحاج علي رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب ومؤلف كتاب «التجريب في القصة القصيرة: قصة يوسف الشاروني نموذجًا» كما قدمت الكاتبة العمانية الدكتورة بدرية الشحية ورقة حول تبني الشاروني للمواهب الشابة خلال مرحلة عمله في السلطنة.

وألقى ابن الدكتور شريف الشاروني كلمة في بداية الندوة التي حضرها معالي الدكتور عبدالمنعم بن منصور الحسني وزير الإعلام رئيس اللجنة التنظيمية لمعرض مسقط الدولي للكتاب، تقدم فيها بالشكر لمبادرة المعرض بالاحتفاء بوالده الراحل مشيرًا إلى أن والده ظل وفيا لسلطنة عمان التي عاش فيها سنوات مهمة من حياته.

بعد ذلك قدم يعقوب الشاروني شقيق الراحل شهادة بعنوان «يوسف الشاروني إنسانا» تحدث فيها عن الكثير من الصور التي انطبعت في ذاكرته عن شقيه منطلقا من خلالها في تفسير شخصيته الإنسانية إلى جوار شخصيته الإبداعية.

يقول يعقوب الشاروني في سياق شهادته عن أخيه «لاحظ عدد كبير من النقاد، أنه توجد في الكثير من قصص الشاروني «ألحان متقابلة» أو نغمة أساسية أو رئيسية تعقبها وتحيط بها تداعيات تنتقل بالقصة من الخاص إلى العام، أو من العالم الخارجي إلى العالم الداخلي، أو العكس، ثم لا تلبث النغمة الرئيسية أن تعود أكثر قوة ووضوحا، وهو ما اعتدت أن أسميه تنويعات ومقابلات على اللحن الأساسي».

وفي سياق آخر قال يعقوب الشاروني: إن شخصية يوسف الشاروني على الرغم مما كان يبدو عليه من هدوء إلا أنها شخصية حافلة بالتمرد، لقد تمرد الشاروني أصلا على الشكل الواقعي للقصة، كما تمرد على الشكل الرومانسي، وبدأ كتاباته القصصية الأولى بالقصة الحداثية، وبأكثر الأساليب معاصرة في القصة القصيرة، حتى أطلق عدد من أهم النقاد على كتاباته أنها «قصص تجريبية أو تعبيرية».

أما من ناحية الموضوع فإن روح التمرد هذه تسفر عن نفسها بوضوح في شخصيات وموضوعات قصصه، خاصة في مجموعته القصصية الأولى «العشاق الخمسة».

وتحدث يعقوب الشاروني عن جذور القلق في شخصية يوسف الشاروني مشيرًا إلى أنه عندما كان يوسف الشاروني طفلا عمره ثلاث سنوات، حدثت في الأسرة مأساة، ظل الأب والأم يتذكرونها على مدى حياتهما. وكان ليوسف الشاروني أخ يكبره بسبع سنوات اسمه «شكر»، مع ثلاث أخوات يسبقن يوسف في العمر وأخت أصغر منه عمرها عام.

وتوفيت أولى البنات وعمرها خمس سنوات قبل أن يولد يوسف، واستطاعت الأسرة عبور أحزان ذلك الفقد. ولكن الأحزان تجددت عندما فقدت الأسرة فجأة الابن الأكبر «شكري» وقد وصل عمره إلى عشر سنوات، بينما عمر يوسف ثلاث سنوات، فأصبح يوسف هو الصبي الوحيد بين ثلاث بنات، وكان من الطبيعي أن يشتعل قلب الأم والأب قلقا على حياة يوسف بعد أن أصبح الذكر الوحيد بين إخوته البنات، بجوار الحزن الكبير لرحيل الابن البكر. هذا القلق انعكس على شخصية يوسف الشاروني وعلى هذه الأحداث قامت بعض تفاصيل شخصية الشاروني.

كما قدمت الدكتور بدرية الشحية شهادة قالت فيها: «لم يتسن لي أن أشكر أستاذي الراحل يوسف الشاروني، ولم أكتب له شكرًا بالطريقة التي أريدها، كعادتنا نندم عند خسران من يقدرنا عندما يرحل، وما فائدة الامتنان بعد الرحيل، ما فائدة الاعتراف والبوح وقد رحل جسد العزيز تحت الثرى؟ لكنه أفضل ربما من صمت جاحد، على الأقل نعترف بالذنب».

ورغم ذلك تقول بدرية الشحية أنها لم تلتق بالشاروني إلا مرة واحدة ولكنه بقي دومًا هناك في الكواليس يشد على يدي ويصفق لي، هناك دائمًا أناس تعيش في الذاكرة بعيدًا عن العين، وهناك لغة بينهم لا تتم عبر التواصل المباشر وأنما بالسحر، ذاك الشعاع غير المرئي الذي يربط المخلوقات ويسدل عليها الطمأنينة والوفاق، لا يعرف له سرًا ويعيش كثيرون حولنا دون أن يجربوه أو يصدقوه، هو خيوط ذهبية تربط الأرواح المحبة وتجعلها تتذكر حينًا وتنسى حينًا آخر».

وتواصل الشحية ورقتها بالقول «اسمح لي أستاذي الراحل على شهادتي المتأخرة، فأنا لا أشارك عادة في التأبين ولست ممن يطبلون خلف المبدعين في المحافل ولكنني أصدقك القول بأنني جئت هنا خجلة منك -كما هي عادتي- على إخفاء مشاعري، وجفاف تواصلي وقلة شكري، وأنا أؤمن وعلى يقين بأن روحك في أي جسد ستحل فيه الآن إنما هي تسمعني ولعلها تعذرني وتنقل لك في خلودك لاحقا بعضًا من امتناني».

وتضيف: «يوسف الشاروني عمل مستشارًا في وزارة الأعلام منذ ١٩٨٣ حتى ١٩٩٠ وفي خلال هذه الفترة ذاتها بدأت أنا بالكتابة، كتبت قصصي القصيرة الأولى في دفتري بخط اليد كنت في الثانية عشرة، أعيش في عزلة مزرعة في منطقة كانت وقتها غير مأهولة بالسكان، وكنت أقضي جل وقتي إن لم أكن في المدرسة ففي القراءة، وتجريب الكتابة ولم أك يومًا أظن أن ما أكتبه أكثر من خربشات طفولية، لم أجد أحدًا حولي يكتب وكنت أقرأ أدبًا أكبر بكثير وأكثر نضجًا مما كنت أستطيع كتابته وبرغم ترددي وقتها قرر والدي أن يأخذ خربشاتي للأستاذ يوسف الشاروني عله يجد فيها شيئًا وعله يستطيع أن يوجهني لكيفية الكتابة.. وبرغم أنها كتابات مبتدئة لم يقل الأستاذ العظيم ما يكسر جناح طفولتي، لم يفعل ما يفعله الكثير من النقاد فيمحقون الرغبة في التحسين والتطوير بل أرسل لي رسالةً جميلةً ليتني احتفظت بورقتها - وأذكر أنها تشوهت في مخزن العائلة بعد أن سكب عليها السيل مع بعض كتبي وأوراقي حينما كنت خارج البلد وقت الدراسة - قال لي إن ما أكتبه جميلاً وأنني يجب أن أنشره ولم ينس أن يصحح الإملاء، ويقوم النحو في تلك القصاصات. أذكر أنني طرت فرحًا بتلك العبارات، وأنني زرعت أولى بذور الثقة في نفسي التي ما فتئت تزهر بعدها أعوامًا طويلةً.

نشرت كتاباتي بعد أن أيقظ فيَّ السعادة والثقة، وتلقفتني الصحف والمجلات بكثير من التعطش وقتها كان الإنتاج العماني النسوي قليلاً جدًا، ولعلني من القلائل الذين لم يشتكوا من التشجيع ربما لأنني حظيت بتلك اليد الكريمة، تشد على يدي عبر موجة من المحبة والتقدير فهو لم يتوقف يومًا عن تشجيعي، قرأ كل القصص التي كتبتها وصحح أخطاءها بكل تأن وأرسلها مع أبي للمجلات والصحف ولعله فعل ذلك مع الكثيرين ولعلهم أرادوا أن يقولوا شيئًا عنه في هذه المنصة وها أنا أقول عنهم شكرًا من القلب أستاذي».

كما قدم الناقد هيثم الحاج علي قراءة في تجربة يوسف الشاروني تحدث فيها عن ريادة الشاروني في كتابة القصة التعبيرية وفلسفة نصوصه القصصية وخروجه عن الكتابة التقليدية في القصة القصيرة. وكان الشاروني من بداية من كتب عبر تقنيات الوعي وكان واعيًا جدًا بما يكتب منذ البداية حيث بدأ بهذه التجربة منذ خمسينات القرن الماضي ويعتبر أنه هو قاص تيار الوعي في تلك المرحلة. كما أضاف: إن يوسف الشاروني كان مولعًا بتقنية التناص كما حدث في «سياحة حاج» و«زيطة» وتناص من نجيب محفوظ، وأخرج شخصيات نجيب محفوظ الهامشية وأعطاها وجودها ومكانتها. وقال الحاج استطيع أنا والكثير من النقاد أن نطلق على يوسف الشاروني بأنه عميد القصة القصيرة بكثير من الاطمئنان. وتحدث الحاج إلى دور يوسف الشاروني في الجوانب السياسية رغم محاولة البعض نفي الموضوع عنه في إشارة منه إلى الناقد والمؤرخ شعبان يوسف.

وعندما جاء دور شعبان يوسف للحديث وتقديم ورقة حملت عنوان «يوسف الشاروني ونقاد عصره» قال مباشرة: أنا أحب يوسف الشاروني جدًا رغم محاولة البعض الإيقاع بيني وبينه رغم أنه في العالم الآخر في إشارة إلى الحاج.

وقال شعبان يوسف: إن الكثير من نقاد مرحلة الخمسينات والستينات حاولوا تهميش يوسف الشاروني متهمًا اليسار في ذلك باعتبار أن الشاروني لم يكن منتظمًا في أي تيار سياسي في تلك المرحلة. وقال: إن الشاروني لم يلق الاهتمام والاحتفاء الذي يليق به في تلك المرحلة، ورفضت الكثير من الدوريات الثقافية النشر له، ومن بينها الرسالة لكن التفتت له مجلة الآداب البيروتية، ومجلة الأديب لكنه مع الوقت فرض نفسه على الجميع.

وقال شعبان يوسف: إن الشاروني وضع النقاد في تلك الفترة المبكرة من نهوض فن القصة القصيرة في مأزق حقيقي، كما عبر عن ذلك مقال فوزي العنتيل في مجلة الآداب.

وفي ختام الندوة قرأ سليمان المعمري شهادة يوسف الشاروني عن علاقته بالسلطنة التي كانت قد نشرت في كتاب «عمان في عيون مصرية» وحملت الشهادة عنوان «لمحات من حصاد تجربتي العمانية».

وبعد الندوة دار حوار حول تجربة يوسف الشاروني وحول تجربته والأوراق التي قدمت في الندوة.