أفكار وآراء

مكتب «أوفاك» والعقوبات الأمريكية

22 فبراير 2017
22 فبراير 2017

د. عبدالقادر ورسمة غالب -

Email: [email protected] -

عندما يدور الحديث عن العقوبات الاقتصادية الأمريكية، المفروضة على العديد من الدول والمؤسسات وغيرها، يظهر الدور الكبير الذي يقوم به مكتب «مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية» والمعروف اختصار بـ (أوفاك). هذا المكتب، تم إنشاؤه بعد إعلان حالة الطوارئ الوطنية لقيام الحرب الصينية الكورية، وذلك كبديل لمكتب «مراقبة الأموال الخارجية» الذي أعلنت إدارة الخزانة الأمريكية إيقاف العمل به وتم تكليف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأمريكية القيام بتجميد كل الأصول الصينية والكورية.

الهدف الرئيسي لإنشاء «أوفاك»، يتمثل في دور المكتب في إدارة العقوبات التي يتم فرضها على جهات معينة سواء كانت دولا أو مؤسسات أو أفرادا أو مجتمعين معا. وهذه العقوبات تمثل جزءا من منظومة مالية من ضمن اهدافها الأساسية دعم فرض العقوبات المالية والاقتصادية والتجارية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية والأمن القومي الأمريكي وما يرتبط بهما من قريب أو بعيد. ولاحقا تطور الأمر، وأصبحت أمريكا تطلب من الدول الأخرى والمنظمات الأممية بالسير في طريقها عندما تفرض العقوبات علي أي بلد والا ستتعرض للمضايقات من أمريكا. وهذا جعل أمر العقوبات الأمريكية أكثر صعوبة و إيلاما لأن حلقة الحصار ستتسع وتتمدد ويصبح البلد معزولا و «منبوذا» من كل الأطراف ولا يجد من يتعامل معه في أي شيء.

العقوبات الأمريكية عبر «أوفاك»، أو جزء منها، يتم فرضها ضد دول أو منظمات أو جهات أجنبية وحتى أفراد أجانب يتم تصنيفهم كأطراف معادية للسياسة الأمريكية ويعملون ضد مصالحها بأي شكل كان من وجهة النظر الأمريكية. وتفرض العقوبات علي الجهات التي تقوم برعاية الإرهاب والمنظمات المصنفة بالإرهابية والجهات التي تقوم بالمتاجرة في المخدرات أو لأي أسباب أخرى تتعلق بحماية حقوق الإنسان أو لتعزيز الديمقراطية أو لمحاربة النظم الشمولية... أيضا من وجهة النظر الأمريكية ووفق معاييرها الاستراتيجية..

وكما يتضح، فإن الحالات التي ترى فيها السلطات الأمريكية أن لها الحق في فرض العقوبات، تعتبر خاصة بها إضافة الى أنها كثيرة و« مطاطة» للدرجة التي تمكنها من اضافة كل ما يرونه غير مقبول وفرض العقوبات عليه لتحقيق أغراضهم، سواء الأمنية أو السياسية أو التجارية أو الاستراتيجية أو غيره... ومن هذا الباب الواسع، فإنهم يستطيعون تطبيق العقوبات على حالات لا حصر لها ووفق وجهة نظرهم. وفي مثل هذا الموقف يتضح وجود تجاوز خطير فيه سلب لحقوق الآخرين ودون مراعاة لحقوقهم ومتطلباتهم. وهنا مكمن الخطر المتمثل في توسيع نطاق مجال عمل «أوفاك»، لأن هذا المكتب بهذه السلطات الواسعة يمكنه أن ينتهك حقوق الآخرين من دون رقيب أو حسيب، و»السلطة المطلقة تفسد». ان العقوبات الأمريكية قد تعتبر حربا أمريكية على الطرف الآخر تشنها عبر مكتب «أوفاك». وبهذا، كما يقولون، بدأ شكل الحروب يأخذ طابعا مغايرا للحروب التقليدية التي تستخدم فيها الأسلحة المعروفة ؟ وما يحدث عبر سلطات «أوفاك» حرب جديدة بأسلحة ووسائل جديدة، وهذه الحرب تتم عبر فرض عقوبات اقتصادية على أي بلد لإرغامه على انتهاج خطط جديدة لتوافق وجهة نظر أمريكا. فهل يجوز هذا أخلاقيا أو قانونيا ؟

قانونا، منظمة الأمم المتحدة وحدها التي تملك هذا الحق، ووفق أنظمتها المعروفة تتناول المادة (41) من ميثاق المنظمة استعمال العقوبات الاقتصادية ولمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استعمال القوة المسلحة. وله أن يدعو الأعضاء لتطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها قطع العلاقات الاقتصادية كليا أو جزئيا.. ويمكن لمجلس الأمن أن يدعو لفرض عقوبات اقتصادية جماعية بمقتضى المادة (39) من الميثاق، إذا كان هناك تهديد للسلام، أو خرق للسلام أو عمل من أعمال العدوان، وإذا كان الهدف من فرض العقوبات هو الحفاظ على السلام والأمن الدوليين أو إعادتهما.

بصفة عامة، نقول وحتى تكون العقوبات المفروضة فعالة، فإنها يجب أن تكون بعيدة عن الأهداف السياسية المحضة، لأن أمر الخلافات السياسية بين الدول وارد حتى بين الحلفاء والأصدقاء، وأن يتم فرض العقوبات في حالات واضحة وتعتبر غير مقبولة للجميع وأن يعود فرض العقوبات في هذه الحالة بفوائد عامة للمجتمع الدولي. وفي جميع الأحوال، اذا كان لا بد من فرض العقوبات، فمن الضروري التمييز في ما بين العقوبات التجارية و تلك العقوبات المالية، ومن المستحسن دائما اللجوء لفرض العقوبات المالية وليس العقوبات التجارية وذلك لأن العقوبات التجارية تمس كل سكان البلد الأبرياء بصورة مباشرة لأنها تعمل على قفل الباب أمام الصادرات والواردات وهذا يقتل ويضر الجميع بدون فرز خاصة في البلدان الفقيرة غير المعتمدة علي نفسها. أما العقوبات المالية فإنها تؤثر على الأشخاص الرسميين فقط، وليس كل السكان في البلد، مثل تجميد حساباتهم المصرفية وتقييد السفر والتحركات، وكذلك في بعض الحالات تعليق المساعدات المالية وعدم التعامل التجاري.

وفي جميع الأحوال، ولضمان حقوق الجميع في عالمنا وفق الأسس القانونية السليمة المتعارف عليها، من الأفضل عدم اللجوء لفرض العقوبات الاقتصادية الا عبر منظمة الأمم المتحدة ووفق ميثاقها الدولي خاصة وأنه ليس لها مصلحة شخصية ذاتية في الأمر، بل يكون دافعها الأول هو حماية الأمن والسلام في كل العالم.. وهذا قد لا يتأتى اذا قامت دول معينة بفرض العقوبات وفق مزاجها ونهجها الخاص... ولنعمل من أجل سيادة القانون في العالم حتى ينعم به الجميع وفي كل البلدان والأوطان.