ahmed-al-f
ahmed-al-f
أعمدة

نوافـذ: لا تقلق ..

07 فبراير 2017
07 فبراير 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يأتي القلق كأحد المحفزات المهمة للتطوير «القلق الإيجابي» كما يراه البعض، وكأحد المربكات للهدوء «القلق السلبي» كما يراه البعض الآخر، وكأحد العوامل لتنظيم مسارات الحياة لدى أي شخص لدى الثالث، وهذه أوجه كلها مقبولة بشكل نسبي تحت مظلة القلق، فالقلق حالة إنسانية ملازمة لحياة كل منا، ويندر جدًا ألا تمر على الواحد منا، في اليوم الواحد حالات من القلق، خاصة إذا كان هناك موضوع ما فارض نفسه بفعل أهميته في حياة أي منا، وعدم وضوح نهايته، فعندها تزداد وتيرة القلق لدينا إلى درجة اتخاذ قرارات عشوائية، وإلى درجة خلط المفاهيم، وعدم الاستيعاب الأمثل لما يدور حولنا من أحداث مهمة تفرض أجندتها وواقعها على الناس كلهم.

يظل القلق حالة نفسية لا بد من التعامل معها بكثير من الحكمة؛ لأهمية بقائنا في هذه الحياة، وإكمالنا لأدوارنا المنوطة إلينا، ونظرًا لهذه الديمومة يستلزم الأمر أن نتوافق مع هذا القلق، ولا نظهر له «رأس المجن» فالمهادنة تبقى الطريق الأسلم للبقاء والاستمرار والمساهمة العالية في أداء الرسالات المنوطة إلينا كبشر، وليس في ذلك من «غبن»، فمكاسب الهدوء كبيرة ومهمة.

ولذلك فالذين لا يستطيعون تنظيم أنفسهم في المواقف الصادمة التي تثير القلق، وتحول هذا الكيان الإنساني الراشد بالعقل والخبرة في الحياة إلى مجرد كائن حي يتصرف تصرفا لا يليق بمكانة العمر، وأحيانًا مكانة المنصب؛ والوجاهات الاجتماعية، فهم يخسرون كثيرًا، حيث تظل ردودهم وأفعالهم لا تعبر عن هذه المكتسبات المهمة في حياتهم طوال سنوات العمر التي قضوها، وهذه إشكالية كبيرة في الفهم الاجتماعي، وإن كان القلق حالة طبيعية متجذرة في حياة البشرية.

من الأمثال المتداولة: «دع القلق وابدأ الحياة»، فهو يمثل قمة الحكمة في شأن تقييم تأثر الإنسان في آرائه وأقواله، ومواقفه تجاه أي أمر يعرض عليه، وهو في تلك الحالة من عدم التوازن، ولذلك ينصح أيضًا أن الإنسان إذا انتابته حالة غضب، أو قلق شديد يفضي به إلى القلق، فعليه أن يجلس إذا كان واقفًا، وأن يضطجع إذا كان جالسًا، فتغيير الحالة بهذه الطريقة يفضي بلا شك إلى كثير من الهدوء والمراجعة وبالتالي اتخاذ القرار الصائب، وإعادة المياه إلى مجاريها، فالغضب كما هو معروف حالة متقدمة لمستوى القلق.

تأتي مثيرات القلق وهي كثيرة جدا، فتربك حسابات الكثيرين منا، ولأن القلق حالة فطرية غير مرئية إلا بقدر التمثيل الواضح على الواقع المادي فإن التحكم فيه أيضًا يعود إلى نفسية هذا الفرد القلق، ومدى قدرته على التحكم في أعصابه، واحتضان هدوئه، وهذه المثيرات للقلق لا تتخير لنا الأوقات المناسبة للاقتران بهذا القلق، حتى تكاد في بعض المواقف تعصف بكل من حولك، وهي المرحلة المعبرة عن الغضب، فالقلق والغضب حالتان نفسيتان شديدتا القرب والتأثير على مجريات حياة الناس بشكل عام، وإذا كان القلق بداية طريق ارتكاب الأخطاء فإن الغضب نتيجة حتمية لما تسفر عنه حالة القلق، فيبدو أن أحدهما لا يمكن أن يكون بدون الآخر، ومتى تعاضدا في حالة إنسان واحد بصورة مستمرة كان ذلك أقرب إلى المرض العضوي لدى هذا الفرد أو ذاك.

والذي ينصح فيه دائما هو التدريب على القدرة في التزام الهدوء والسكينة والاطمئنان؛ لأنه في ظل هذه العوامل النفسية كلها يمكننا أن نفكر صح، وأن نتصرف صح، وأن تكون مجمل قرارتنا صح، وهذا هو المبتغى المعبر عن قدرتنا على التحكم على أنفسنا دائما.