الملف السياسي

سجال محموم بين ضفتي الأطلسي

06 فبراير 2017
06 فبراير 2017

د.محمد رياض حمزة -

كتب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك في رسالة إلى قادة الاتحاد الأوروبي إن البيانات والتصريحات «المقلقة» من الإدارة الأمريكية الجديدة هي واحدة من عدة تهديدات خارجية للاتحاد الأوروبي تهدد مستقبل الاتحاد.

من المبكر استشراف مستقبل العلاقات الأمريكية ــ الأوروبية في إدارة الرئيس «دونالد ترامب»، إلا أن الأسبوع الأول من دخول «ترامب» البيت الأبيض الذي لم يسبقه أسبوع في تداول السلطة بين الرؤساء الأمريكيين من قبل أوضح بجلاء أن الولايات المتحدة الأمريكية ستشهد منعطفا في توجهاتها السياسية والاقتصادية إن نفذ ترامب وعوده الانتخابية التي اعتبرتها صحف أوروبا وعودا غير سهلة، وإن معظمها غير قابل للتحقيق ( الإندبندانت البريطانية)، والذي أثار حفيظة القادة الأوروبيين تحريض ترامب دول أوروبا بالحذو حذو بريطانيا والخروج من الاتحاد الأوروبي، واعتبروه تدخلا سافرا غير مسبوق بشؤون أوروبا.

ولعل الرد الأوضح والأعنف على «ترامب» كان إعلان المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي يوم 31/‏‏1/‏‏2017 «التي اعتبرت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو من ضمن التهديدات التي تواجه القارة الأوروبية، على حد قولها، مثله مثل الصين وروسيا والإرهاب» وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اعتبر أن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد تشكل «تحديا» للاتحاد الأوروبي خصوصا فيما يتعلق بالاقتصاد، وقال «علينا التحاور مع ترامب بما أن الشعب الأمريكي اختاره رئيسا، لكن علينا القيام بذلك أيضا بقناعة أوروبية والترويج لمصالحنا وقيمنا».

من جانبها أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بشكل ضمني عن قلقها من التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة، وقالت: «نلاحظ أن الإطار العام الذي نعيش فيه في العالم يتغير بسرعة وبشكل جذري، وعلينا النهوض بهذه التحديات الجديدة»، مضيفة أن الأمر يتعلق بـ«الدفاع عن مجتمع حر وعن التبادل الحر في آن واحد».

ومنذ توليه مهامه ترجم ترامب وعده بخروج الولايات المتحدة من التباحث لإبرام معاهدة التبادل الحر عبر الأطلسي التي كانت إحدى أولويات سلفه باراك أوباما الذي كان يريد إقامة توازن مع نفوذ الصين المتنامي. ويريد ترامب أيضا إعادة التفاوض بشأن اتفاق التبادل الحر في أمريكا الشمالية ومشروع الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا الذي بات مهددا مع رحيل باراك أوباما من البيت الأبيض.

وكتب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك في رسالة إلى قادة الاتحاد الأوروبي أن البيانات والتصريحات «المقلقة» من الإدارة الأمريكية الجديدة هي واحدة من عدة تهديدات خارجية للاتحاد الأوروبي التي تهدد مستقبل الاتحاد، وخلال حملته الانتخابية الرئاسية والفترة التي قضاها حتى الآن في منصبه أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي، واقترح أنه لا يكترث بحل الاتحاد الذي يضم 28 عضوا، وقال توسك: إن «التصريحات المثيرة للقلق من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة.. تجعل مستقبلنا لا يمكن التنبؤ به للغاية»، وكتب لزعماء الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي: إن «التغيير في واشنطن يضع الاتحاد الأوروبي في وضع صعب، حيث يبدو أن الإدارة الجديدة تثير الشكوك في الـ70 عاما الماضية من السياسة الخارجية الأمريكية».

ومع حلول الذكرى السادسة لتوقيع معاهدة روما في مارس المقبل، وهي الوثيقة التأسيسية للاتحاد الأوروبي قال توسك: إنه يتعين على زعماء الاتحاد الأوروبي أن يتذكروا أن أوروبا أقوى عندما تكون متحدة. وتابع أن «تفكك الاتحاد الأوروبي لن يؤدي إلى استعادة سيادة كاملة غير حقيقة للدول الأعضاء فيه». وأضاف «سويا فقط يمكننا أن نكون مستقلين تماما».

وبالرغم من السجال السياسي المحموم وغير المسبوق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قبل وبعد تنصيب ترامب رئيسا إلا أن العلاقات الاقتصادية بين ضفتي الأطلسي تعتبر مهمة ليس لأوروبا وأمريكا فقط، وإنما للاقتصاد العالمي ككل.

ويعد الاتحاد الأوروبي الآن أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، وتتدفق بينهما يوميا سلع وخدمات تبلغ قيمتها 2.7 مليار دولار، وحوالي 4 تريليونات دولار من الاستثمارات في اقتصادات الجانبين. كما تعتمد أكثر من 13 مليون وظيفة في الجانبين الأوروبي والأمريكي على الشراكة الاقتصادية بينهما. إذ تبلغ قيمة صادرات دول الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة سنويا من السلع المادية 260 مليار دولار، ومن الخدمات 139 مليار دولار، وتبلغ الاستثمارات الأوروبية للولايات المتحدة 112.6 مليار دولار. أما قيمة صادرات الولايات المتحدة من السلع المادية لدول الاتحاد الأوروبي فتبلغ 127.9 مليار دولار، ومن الخدمات 180 مليار دولار، وتبلغ الاستثمارات الأمريكية في دول الاتحاد الأوروبي 144 مليار دولار.

وكانت التجارة عبر الأطلسي فكرة قديمة جديدة، وكان الأمل يحدو الاقتصاديين أن تحقيقها سيغير المناخ الاقتصادي حول العالم الأمر الذي دفع الولايات المتحدة و الدول الأوروبية إلى إعادة إحياء هذه الفكرة غير أن توجه ترامب والرفض الأوروبي لسياسته في أول أيام إدارته يعني أن جهود الساعين إلى تحقيقها قد تبخرت أو تكاد.

سياسة ترامب المؤيدة للحماية التجارية وتشكك أوروبا المتزايد في الولايات المتحدة تحت قيادته تضعف احتمالات إبرام الاتفاقية المزمعة للتجارة الحرة عبر الأطلسي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ويقول ترامب: إن اتفاقيات التجارة الدولية تضر العمال الأمريكيين، وتؤثر سلبا على قدراتها التنافسية لكن لم يتضح بعد إلى أي مدى ستتطابق سياسات ترامب بعد توليه الرئاسة مع تلك التي أعلنها أثناء حملته الانتخابية.

وقال ثيلو برودتمان رئيس اتحاد الصناعات الهندسية في ألمانيا: «إذا اتبع أكبر اقتصاد في العالم سياسة حمائية فإن ذلك سيؤثر على بقية العالم. نأمل بألا تتحول أقوال ترامب إلى أفعال».

وكان المسؤولون من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يتفاوضون منذ أكثر من ثلاث سنوات على اتفاقية الشراكة في التجارة والاستثمار عبر الأطلسي مع إقرار بروكسل وواشنطن بأنها لن تستكمل في فترة ولاية باراك أوباما كما كان يعتقد في السابق.

وقال بيرند لانج رئيس لجنة التجارة الدولية بالبرلمان الأوروبي لمجلة إلكترونية حينما سئل عن تأثير فوز ترامب على المفاوضات: «اتفاقية الشراكة في التجارة والاستثمار عبر الأطلسي باتت من الماضي».

لكن ألمانيا التي استفاد المصدرون فيها بشكل كبير من العولمة والتجارة الحرة كانت أكثر حذرا. فحينما سئل شتيفن زايبرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مؤتمر صحفي عما إذا كانت اتفاقية الشركة انهارت أم لا رد قائلا «لا».

وقالت سيسيليا مالستروم مفوضة الاتحاد الأوروبي للتجارة: إن من السابق لأوانه تقييم أثر فوز ترامب لكن توقف المفاوضات كان حتميا بصرف النظر عن شخصية الفائز.

وأضافت: «كم من الوقت سيستغرق هذا التوقف؟ من المستحيل تحديد ذلك... فهناك غموض شديد»، وقال أنتوني جاردنر سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي لرويترز إن اتفاقية الشركة تظل مهمة لأسباب اقتصادية وإستراتيجية مضيفا أن التحدي يتمثل في إقناع مزيد من الناس أن تحرير التجارة يعد فرصة لا مخاطرة.

ورغم السجال المحموم بين ضفتي الأطلسي فإن أوروبا رغم رفضها لقرارات ترامب المتطرفة إلا أن معظم مسؤوليها يقولون: علينا أن نراقب وننتظر.