tahira
tahira
أعمدة

نبـض الــدار :معارف وأخطاء وتبني !

30 يناير 2017
30 يناير 2017

د. طاهرة اللواتية -

[email protected] -

في تصفح للإنترنت، ذلك العالم المعلوماتي المتجدد، لاحظت أن الأسر الغربية بدأت تتجه إلى تناول الألبان الطازجة بمجرد حلبها، وقد تبرع البعض بإنشاء مواقع وشركات لبيع الحليب الطازج بدون غلي أو بسترة، وقد أورد العديد منهم فوائد اللبن الحليب غير المبستر عبر جداول تبين مكونات اللبن قبل البسترة وبعده، وكان ملحوظا جدا في الجداول أن اللبن يفقد معظم مكوناته بعملية البسترة، وإذا تعرض إلى عمليات المجانسة والتجفيف فقد مكوناته المهمة من المعادن والفيتامينات، وتحول إلى لبن ميت كما يطلق عليه.

تذكرت رحلة ترفيهية إلى ريف أحد البلدان قبل سنوات، وقد كانت رفيقتي طبيبة، وبينما نتجول في الريف الهادئ لفتت نظري الأبقار وهي تتهادى بضروعها الممتلئة، فوقفت أحادث إحدى الفلاحات برغبتي في شراء اللبن المحلوب توا، فردت بأن لديها الحليب المبستر الجاهز للشرب، قلت لها أريد شرب اللبن المحلوب للتو بدون بسترة، فنظرت لي باستغراب، ثم انصاعت إلى طلبي وقامت بحلب البقرة، وهي تهز رأسها استغرابا.

عندما ناولتني زجاجة الحليب نظرت إلي زميلتي الطبيبة نظرة محذرة وهي تقول: إياك أن تشربيه بدون بسترة، هززت رأسي وصببت من الحليب في كوب، وقربته من فمي وهي تنظر لي بتعجب واستغراب وحيرة شديدة ممزوجة بنظرة فيها شك في سلامتي العقلية!! وفي المساء أخذت تتابع عن كثب إذا كنت قد أصبت بالسالمونيلا!

بعد سنوات وعندما قرأت في المواقع الغربية عن ضرورة شرب الحليب بمجرد حلبه وفوائده في مقالات عشرات الأطباء الغربيين ابتسمت في سري، فالذي لاحظته في ذلك اليوم أن الفلاحة كانت نظيفة وبقرتها كانت نظيفة، فلم أخف من السالمونيلا والبروسيلا، ولم أر أي داع للبسترة.

معظمنا يأخذ المعلومات من الغرب وكأنها أمور مقدسة، وفي كل المجالات الإنسانية والزراعية والاقتصادية والمعرفية، صحيح أننا لم نعد قادة الحضارة الإنسانية، فقد أصبح آخرون يقودون تلك الحضارة، لكن السؤال : لماذا ننظر إلى تلك المعارف نظرة مقدسة، ولا نتنازل عن تلك المعرفة وتبنيها إلا إذا قال الغرب معلومة أخرى معارضة، ربما في بعض القضايا التقنية قد يكون الأمر مقبولاً، فهم متقدمون في التقنيات العلمية والفضاء والصناعة الثقيلة التي تحتاج مراكز أبحاث متقدمة ليست لدينا، لكن لماذا يتم تقديس معارف الغرب في مجال العادات الغذائية والطعام والزراعة والصحة والتربية والاجتماع والعلوم الإنسانية والحياة اليومية وغيره من العلوم التي في متناول اليد ونمارسها ليل نهار؟

سؤال صعب ومعقد، فبعض الإجابة قد تكون في أننا فقدنا الثقة بأنفسنا وأدواتنا إلى درجة كبيرة. وبعض الإجابة سنجدها في أننا ندفع دفعا إلى تبني معارف الغرب بسبب ما يمارسه علينا بعض بني جلدتنا من ضغط معنوي لتبني كل ما يقوله الغرب بسبب انبهارهم الشديد فقط لما لدى الغرب فحسب .