أفكار وآراء

ملامح الاقتصاد «الترامبي»

28 يناير 2017
28 يناير 2017

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

لم تكن سياسة “الانعزالية الاقتصادية” جديدة على أقطاب الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية. ففي عهد الرئيس الأمريكي السابع والثلاثين “ريتشارد نيكسون“ رُوجت فكرة أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى العالم بالتحالف الاقتصادي مع جارتيها الشمالية كندا والجنوبية المكسيك. وكان ذلك عام 1971. وتبلور ذلك الاتجاه خلال عقدين من الزمن بتوقيع (اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية) التي عرفت بـ(نافتا). وهي معاهدة إنشاء منطقة تجارية حرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. وتم توقيع الاتفاقية عام1992 وأصبحت سارية المفعول في يناير سنة 1994.

وخلافا للتوجه الانعزالي وتماشيا مع فلسفة العولمة الاقتصادية ارتبطت الولايات المتحدة باتفاق الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية عبر المحيط الهادئ منذ عام 2006. كما كان هناك توجها لعقد اتفاقية تعاون اقتصادي عبر الأطلسي بين دول الاتحاد الأوروبي شرقا والولايات المتحدة غربا.الولايات المتحدة. لكنها بقيت متلكئة بسبب مواقف أوروبية متناقضة.

وفي العشرين من يناير 2017 أصبح “دونالد ترامب” رئيسا للولايات المتحدة وبدأ بتنفيذ وعوده الانتخابية الهادفة إلى التركيز على الاقتصاد المحلي الأمريكي. فوقع أول قرار تنفيذي بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية ‘الشراكة عبر المحيط الهادئ’. وقال إنه يعتزم إجراء محادثات قريبا مع قادة كندا والمكسيك لبدء إعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا).

في إطار هذا التوجه يعتزم ترامب تشجيع الشركات الأمريكية العاملة خارج الولايات المتحدة بإعادتها إلى ألوطن. الأمر الذي سيوفر الآلاف من فرص العمل للأمريكيين. ووعد ترامب بخفض الضرائب على الشركات العائدة من الخارج 35% إلى 15%.

وعليه فأن الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة ترامب متجهة نحو سياسة اقتصادية مختلفة عن سياستها التي دأبت عليها خلال 5 عقود مضت عندما بدأ منظرو عولمة الرأسمالية الترويج لجعل العالم سوقا واحدة مفتوحة أمام الشركات الكبرى الأمريكية والأوروبية واليابانية. وتحقق لها ذلك منذ سبعينات القرن الماضي.

تطبيقا لمبادئ العولمة الاقتصادية فإن الشركات تحركت بأنشطتها خارج حدود بلدانها الوطنية بحرية فأوجدت نظاما اقتصاديا عالميا ترابطت فيه الاقتصادات الوطنية بالاقتصادات الأجنبية. من خلال تكثيف حرية الحركة عبر الحدود للسلع والخدمات والتقنيات ورأس المال مما أدى إلى قيام بالعديد من الاتفاقيات للتجارة الحرة بين الدول. وتعززت أنشطة العولمة الاقتصادية بما قدمته ثورة تكنولوجيا الإلكترونيات و الاتصالات. فنتج عن ذلك تقارب غير مسبوق بين اقتصادات الدّول فتضاءلت العوائقٍ الجغرافية والتجارية فشمل خفض التّعرفة الجمركية على السّلع، والخدمات.

مبادئ العولمة الاقتصادية تبدأ بتحرير الاستثمار من الأطر الجغرافية ليكون قادرا على التحكّم برأس مال عبر الاستثمار المباشر أينما وجد بيئة رحبة دون وجود أيّ عوائقَ تمنع حركته عبر الحدود. ثم بالانتشار الشّركات الصناعية بين دول العالم؛ مهما كانت الدّولة التي تتبع لها. ونهوض قطاعي الاتصالات، والمعلومات بما في ذلك التطور الذي واكب إنشار وفاعلية الاتصالات، عن طريق توفير وسائل حديثةٍ للاتصال بشبكةِ الإنترنت.

وتطور نَمَط الاستهلاك بتغيير أسلوب الاستهلاك، فقد كان يعتمد في الماضي على الشّراء من السوق من المحلي، ومع ظهور العولمة صار من الممكن أنْ يحصل المُستهلك على السّلعة التي يريدها من السّوق العالمي. كل ذلك أدى إلى ازدهار التجارة العالمية. والاستثمار الأجنبي المباشر كما ساهمت العولمة في تطوير أنظمةِ الاتصالات والمعلومات بشكلٍ كبير.

“ الاقتصاد الترامبي” (Trump Economy) نسبة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذو التوجهات الحمائية الذي تلخصه وعوده الانتخابية وملخصها: إلغاء قانون أوباما الصحي أو ما يُعرف بـ”أوباما كير“. وإعادة التفاوض مع كل من كندا والمكسيك بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية أو ما يُعرف بـ: ”NAFTA”. والانسحاب من الشراكة عبر المحيط الهادئ وتشجيع عودة الشركات الأمريكية العاملة خارج الولايات المتحدة إلى الوطن بحوافز ضريبية. وتخصيص 500 مليار دولار لإصلاح البنية التحتية للولايات المتحدة. وإعادة النظر في علاقات الولايات المتحدة مع معظم دول العالم التي ارتبطت بعلاقات تجارية مع الولايات المتحدة.

يعوّل ترامب على عودة الآلاف من الشركات الأمريكية العاملة في أسيا والمكسيك إلى الولايات المتحدة كمنطلق لتوفير فرص العمل للأمريكيين وتشيط حركة الاقتصاد. غير أن لا سلطة مباشرة لترامب على الشركات الأمريكية العاملة خارج الولايات المتحدة إلا من خلال الضرائب. كما أن آلاف الشركات الأمريكية جنب أضعافا مضاعفة من الأرباح بعد نقل أنشطتها وخاصة الصناعية منها إلى آسيا والمكسيك. وكان ذلك منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي.

شركة المعلومات الأمريكية (Quora Inc) ومقرها ولاية كاليفورنيا تقول إن هناك عددا كبيرا من الشركات الأمريكية الصناعية العاملة في الصين. وهناك عدد غير قليل من كبريات الشركات الأمريكية نقلت مصانعها إلى الصين منذ 20 أو 30 سنة.. وتقول الشركة إن (436) ألفا و(800) شركة أجنبية تعمل في الصين. معظمها شركات أمريكية. وتشغل أكثر من 30 مليون صيني. كما توجد شركات أمريكية صناعية أخرى في عدد من دول جنوب شرق آسيا. هذه الشركات تحقق أرباحا مضاعفة بسبب رخص الأيدي العاملة الأجنبية وتوفر المواد الخام. فضلا عن سعة السوق المحلية الآسيوية الأوسع في العالم التي تستوعب ما ينتج.

ليس من السهولة عودة الشركات الأمريكية الكبرى نقل أنشطتها من خارج الولايات المتحدة إلى داخلها. إذ أن أي شركة إنتاجية صناعية تعمل في الصين تستخدم القوى العاملة بأجور رخيصة. وتعتمد على تأمين المواد الأولية من السوق المحلية الصينية بتكلفة منخفضة وبذلك فإن أربحها ستتضاعف بسبب انخفاض التكاليف الكلية للإنتاج. فإنْ عادت هذه الشركة إلى الولايات المتحدة وبدأت العمل فإن أجور العمل ستتضاعف مرات.كما أن مدخلات الإنتاج الأخرى ستزداد أيضا. وبذلك يتعين على المواطن الأمريكي أن يدفع لشراء بضاعة كانت تّصنّع في الصين 10 دولارات في السوق الأمريكية، فإن عليه أن يدفع 30 دولارا لشراء ذات البضاعة المصنعة في أمريكا. فإن تم نقل الآلاف من الشركات الأمريكية العاملة في الصين إلى أمريكا فإن موجة تضخمية عارمة ستتفاقم في الولايات المتحدة مصدرها أجور العمل وتكاليف التشغيل والمواد الأولية الأخرى.

ويمكن أن يتكرر هذا التصور في حال نفذ ترامب وعده وطرد بضعة ملايين من المكسيكيين المهاجرين غير الشرعيين من الولايات المتحدة الذين كانوا يعملون بأجور زهيدة في القطاع الزراعي وعدد من المهن الأخرى التي يرفض المواطن الأمريكي العمل فيها بذات أجور المهاجر غير الشرعي، مثال: يتقاضى العامل المهاجر غير الشرعي في الإنتاج الزراعي والحيواني 5 دولارات في الساعة بعمل موسمي. فإن عمل بذات المهنة مواطن أمريكي فإنه لن يقبل بأقل من الحد الأدنى الرسمي للأجر وهو 12 دولارا في الساعة. وعليه فإن سعر الكيلو جرام من الطماطم الذي عمل المهاجر غير الشرعي على جنيه من مزارعه يصل إلى يد المستهلك في السوق الأمريكية بـ6 دولارات فسيتعين عليه دفع 18 دولارا لشرائه إذا كان المواطن الأمريكي من قام بجنيه.

تقدر مديونية الحكومة الأمريكية بـ(تريليوني) دولار. فإن خفض ترامب الضرائب كما وعد، فإن عوائد الدولة الأمريكية ستتراجع بتلك النسب التي خُفِضت بها الضرائب فتتفاقم المديونة.

لذا فإن الاقتصاد الترامبي يتوقع أن يكون متناقضا ليضطر الرجوع إلى قواعد اللعبة الرأسمالية التي ترفض القرارات غير المدروسة. وقد يكون سوق البورصة أحد ضحايا الاقتصاد الترامبي.