910763
910763
المنوعات

أصوات النواعير في سوريا.. أنغام مستمرة منذ آلاف السنين

27 يناير 2017
27 يناير 2017

دمشق «العمانية»: تعتبر سوريا هي موطن النواعير الأول وتشتهر بنواعيرها التي وجدت منذ آلاف السنين حيث لا تزال العشرات منها تعمل الى الآن على ضفاف نهر العاصي بمدينة حماة شمال سوريا وهي تعد وجهات سياحية يتوافد إليها السوريون بشكل دائم ومستمر يتمتعون بمناظرها وأصواتها والسباحة حولها وتناول الأطعمة السورية المتنوعة في المطاعم المنتشرة حولها.

يقول الحرفي السوري يحيى ظاظا من أهالي مدينة حماة والذي قام بتنفيذ أصغر ناعورة بالعالم لا يتعدى ارتفاعها 9 سنتيمترات بهدف دخول كتاب موسوعة جينيس للأرقام القياسية لوكالة الأنباء العمانية «ان الناعورة هي لوحة فنية وأثرية رائعة فهي آلة مائية دائرية دائمة الحركة مخصصة لرفع الماء من النهر بمجراه المنخفض وعبر القناطر إلى الأماكن العليا لري البساتين على جانبي النهر وهي تتكون من دولاب خشبي ضخم يدور حول محور خشبي من خشب الجوز يدعى القلب يرتكز على قواعد خشبية موضوعه على قواعد حجرية ثابتة وقوية في قاع النهر». ويضيف يحيى: ان النعير هو صوت يصدر من أقصى الأنف وسميت بالناعورة لصوتها المميز، وهناك العديد من لوحات الفسيفساء التي اكتشفت بمدينة «افاميا» الأثرية بمدينة حماة شمال سوريا تحدثت عن هذه النواعير خاصة عن ناعورتها الأكبر في العالم والتي يصل قطرها الى أكثر من 25 مترا ووزنها 40 طنا والتي لا تزال تعمل الى اليوم بشكل كامل على رفع مياه نهر العاصي الى ضفافه والى البساتين المجاورة وغيرها من الاستعمالات الأخرى.

وتتميز النواعير التي تغنى بها المطربون والشعراء وكتب عنها الكتاب ورويت عنها القصص بصوتها المميز أثناء دورانها وما زالت النواعير تدور وتزين وسط مدينة حماة وفي أماكن اخرى مختلفة من المدينة وعلى طول مجرى نهر العاصي في المنطقة الممتدة بين الرستن والعشارنة.

وقد انتقلت صناعة هذه النواعير الضخمة الى نواعير صغيرة لتزيين الفيلات والمساكن والمتنزهات السورية والحدائق الخاصة والعامة.

ووظيفة الناعورة هي حمل الماء إلى مستوى أعلى من مستوى النهر قد يصل الى ارتفاع 70 مترا، واخترع السوريون الأوائل هذه الآلة لحاجتهم إليها لنقل ماء نهر العاصي الى أراضيهم العالية، وتدور الناعورة دورة كاملة حسب قوة تدفق المياه بالنهر وهي تصل تقريبا الى 20 ثانية تعطي خلالها 2400 لتر من الماء.

ويشير يحيى ظاظا إلى أن مدينة حماة السورية اشتهرت بالنواعير واطلق عليها اسم مدينة النواعير حيث كشفت الحفريات التي أجريت في القلعة القديمة بالمدينة ان مدينة حماة عرفت أساليب الري القديمة منذ 2500 سنة قبل الميلاد وكان يتم ذلك بواسطة عدد من النواعير الموجودة في ذلك الوقت. وفي سبعينات القرن الماضي تم العمل على إعادة ترميم تلك النواعير التي تمثل جزءا من آثار مدينة حماة، وقد جرى تدريب عدد من الشباب السوريين على أعمال تصليح وتشغيل تلك النواعير كما تم إنشاء ورش فنية متخصصة للإشراف على هذه النواعير حيث تمت إعادة ترميم 17 ناعورة.

ونظرا لأن النواعير تحتاج الى كمية كبيرة من الأخشاب فقد تمت زراعة أشجار خاصة يطلق عليها «شجر الحور» بجانبي نهر العاصي لكي تستخدم أخشابها في صناعة وترميم هذه النواعير. وتتألف الناعورة من جزأين أحدهما بنائي والآخر خشبي أما جزء البناء فهو يتمثل بإنشاء سد على عرض النهر وتحديد بوابات صغيرة لكي تدخل منها المياه بغزارة كبيرة وتسمى البيب وهي تصغير لكلمة باب وهناك برج يحمل الماء من أعلى الناعورة الى الحقول أما الجزء الخشبي من الناعورة فيتألف من عدة أقسام هي الكفت التي تمثل مسند الناعورة ويسمى القلب وهناك الوشحات والصدر والعتبات والصناديق الى جانب أقسام أخرى، ويستخدم في صناعة قلب الناعورة خشب شجرة التوت أو الجوز أما باقي أقسامها فيستخدم في صناعتها خشب الحور لأنه يعمر طويلا مع الماء.

وقد لاحظ عدد من الرحالة وجود النواعير في مدينة حماة حيث قال الرحالة ابن جبير: «هي مدينة شهيرة في البلدان قديمة الصحبة للزمان حتى إذا جست خلالها ونفرت ظلالها أبصرت بشرقيها نهرا كبيرا تتسع في تدفقه أساليبه وتتناظر في شطه دواليبه وقد انتظمت طرفيه بساتين تتهدل أغصانها عليه». كما قال الرحالة ابن بطوطة عن المدينة :«تحفها البساتين والجنات عليها النواعير كالأفلاك الدائرات ويشقها النهر العظيم المسمى بالعاصي ولها ربض سمي بالمنصورية أعظم من المدينة فيه الأسواق الحافلة والحمامات الحسان». أما المؤرخ أبو الفداء الذي كان ملكا على حماة فقال عنها: « حماة من الشام مدينة أزلية وهي من أنزه البلاد الشامية...وبها نواعير على العاصي تسقي أكثر بساتينها ويدخل منها الماء إلى كثير من دورها».