أفكار وآراء

واشنطن - تل أبيب .. ـ ترامب يعزز العلاقات بقوة !

25 يناير 2017
25 يناير 2017

أميل أمين  -

كاتب مصري -

[email protected] -

هل من علاقة وثيقة بين دولتين حول العالم مثل العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل؟

تبدو الإجابة بديهية، فقد أيد الرئيس الأمريكي «هاري ترومان» قيام دولة إسرائيل رسميا بعد ساعة واحدة من مولدها، ومنذ تلك اللحظة جرى العرف على تشبيه تلك العلاقة بالزواج الكاثوليكي، أي ذاك الارتباط الجسدي والروحي الذي لا ينفصم ولا ينفصل إلا بالموت، فلا طلاق في المذهب الكاثوليكي أبدا ... ما الذي جرى إذن ودعا للشك في متانة ومصير تلك العلاقة؟

بالقطع يتصل الأمر بما دار في مجلس الأمن القومي الأيام القليلة الماضية من توجيه قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وقد كان من المتوقع كالعادة أن تستخدم واشنطن حق النقض الفيتو ضد ذلك القرار، لكن يبدو أن هناك تغيرا في الأوضاع وتبدلا في الطباع قاد واشنطن فقط للامتناع عن التصويت دون استخدام الفيتو ليقر القرار بأغلبية أربعة عشر عضوا من أعضاء مجلس الأمن دائمي ومؤقتي العضوية علي حد سواء، الأمر الذي اعتبر انتكاسة دبلوماسية لإسرائيل من جهة، وطعنة أمريكية في قلب العلاقات مع تل أبيب - حسبما وصفته إسرائيل - من ناحية أخرى.

يعن لنا أن نتساءل بداية : هل كان هذا القرار متوقعا بالفعل؟ يبدو أن ذلك كذلك، بل ربما كان المتوقع في واقع الأمر أكثر من ذلك... ماذا يعني هذا الكلام؟

المتابع المحقق والمدقق لكيمياء العلاقات بين الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته «باراك أوباما» وبين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو يدرك جيدا أنها لم تكن تسير في اتجاه سليم بالمرة، وأن أوباما عمد كثيرا إلى إذلال نتانياهو سياسيا، رغم أن أوباما لم يقصر في تقديم المساعدات العسكرية غير المسبوقة لإسرائيل طوال سنوات إدارتيه الثمانية.

كان الحديث يدور عن طرح مشروع للاعتراف بالدولة الفلسطينية في نهاية ولاية أوباما الثانية، وكثيرا ما تخوفت إسرائيل من مثل هذا الطرح، غير أن التصويت جاء علي فكرة المستوطنات.

والشاهد أن ما جرى في مجلس الأمن مؤخرا تجاه إسرائيل يعد من اللحظات النادرة التي تتواري فيها واشنطن عن دعم إسرائيل ظالمة دوما، غير مظلومة أبدا ففي خطوة نادرة، هل كانت إسرائيل تتوقع هذا الموقف غير المسبوق من واشنطن؟

الجواب نجده عند السفير الإسرائيلي لدى المنظمة الدولية «داني دانون» الذي قال إن بلاده توقعت أن تلجأ واشنطن إلى الفيتو ضد هذا القرار، وأضاف : أنا واثق أن الإدارة الأمريكية الجديدة والأمين العام الجديد للأمم المتحدة سيبدآن مرحلة جديدة علي صعيد العلاقة بين الأمم المتحدة وإسرائيل. ما الذي يطلبه القرار الأممي من إسرائيل رسميا؟

إنه يطلب منها أن توقف فورا بشكل تام كل الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. بما فيها القدس الشرقية، ويعتبر القرار أن المستوطنات الإسرائيلية : «ليس لها أي أساس قانوني»، وتعوق في شكل خطير فرصة «حل الدولتين» الذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، وتعتبر المستوطنات الإسرائيلية عائقا رئيسيا أمام جهود السلام لأنها مقامة علي أراض يريدها الفلسطينيون ضمن دولتهم المقبلة.

يدفعنا القرار بصورته النهائية للتساؤل لماذا تصرفت أمريكا علي هذا النحو؟ وكيف نظرت إسرائيل إلى المشهد؟

بعد الانتهاء من تبني مجلس الأمن قراره السابق تحدثت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة «سامنثا باور» بالقول إن استمرار البناء الاستيطاني يقوض بشكل خطير أمن إسرائيل».

كان رد فعل إسرائيل مثيرا ومتوقعا في الوقت عينه، إذ اعتبر وزير الطاقة «يوفال شتاينتيز»في تصريحات له للقناة الثانية الإسرائيلية أن هذا: ليس قرارا ضد المستوطنات، بل ضد إسرائيل، ضد الشعب اليهودي، وأضاف هذا المساء تخلت الولايات المتحدة عن حليفها، عن صديقها الوحيد في الشرق الأوسط، من المؤلم أنه بعد ثمانية أعوام من الصداقة مع الحكومة الأمريكية لباراك أوباما، ثمانية أعوام شهدت أيضا خلافات خصوصا حول الملف الإيراني، ولكن ثمانية أعوام من الصداقة والتعاون، أن نصل إلى هذا العمل العدائي».

مسؤول إسرائيلي آخر أطلق هجوما لاذعا علي إدارة أوباما، بالقول إنها أعدت سرا مع الفلسطينيين مشروع قانون متطرف ومعاد لإسرائيل من وراء ظهر تل أبيب، ومن شأن هذا القانون أن يفتح بابا لرياح خلفية للإرهاب والمقاطعة وجعل الحائط الغربي عمليا أرضا فلسطينية محتلة (مشروع القرار يشير إلى القدس الشرقية) بـ(أرض فلسطينية محتلة).

وبعد ساعة واحدة من صدور القرار قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن تل أبيب ترفض قرار مجلس الأمن «المشين» على حد قولها، ولن نلتزم به.

تعي الذاكرة السياسية أنه في أواخر تسعينات القرن الماضي في زمن الرئيس الأمريكي «بيل كلينتون» حاول ممارسة ضغوط بعينها علي الإسرائيليين للقبول بصفقة مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات فيما عرف وقتها باسم «كامب ديفيد»، لكن نتانياهو رفض تلك الممارسات، وذهب في تهديده لكلينتون بعيدا جدا، عبر قوله له «سأحرق لك واشنطن» وبالطبع لم يكن الحريق ماديا تقليديا، بل حريقا أدبيا وأخلاقيا، عبر إطلاق فضيحة «مونيكا لونيسكي» تلك الفضيحة التي شلت يدي كلينتون حتي نهاية ولايته الثانية.

ما العمل مع أوباما وهو يمضي بعيدا؟ هل سنري انتقاما إسرائيليا خاصا منه ومن كيري وزير خارجيته الذي أشار في كلمة ألقاها أمام «منتدى سابان» في وقت سابق من شهر ديسمبر الماضي إلى إشكالية الاستيطان، وهدد إسرائيل بامتناع واشنطن عن دعمها لها طالما مضت في مخططاتها الاستيطانية؟

ربما تكون لدى أعين إسرائيل السرية في واشنطن أوراق ما بعينها تعمل الآن علي تحضيرها وتوجيه طعنة كبري لأوباما، والرجل سجله مليء بالمآخذ لا سيما علاقته بتيار الإسلام السياسي، وهناك مرويات عديدة عن صفقات بينه وبينهم، وأوراق سرية موجودة لدى بعض الأطراف، وبعضها قد يسبب حرجا كبيرا للرئيس الأمريكي السابق.

أما انتقام إسرائيل من بقية الأطراف فقد رأيناه مباشرة، فقد أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو بـ«سلسلة من التدابير الدبلوماسية» ضد نيوزيلندا والسنغال فالغى زيارة كانت مقررة في يناير الجاري لوزير الخارجية السنغال لإسرائيل، وأمر بإلغاء جميع برامج المساعدات لها، وألغى زيارات سفيري السنغال ونيوزيلندا غير المقيمين إلى إسرائيل.

ليلة الخميس 22/‏‏12 المنصرم أي قبل أربع وعشرين ساعة من التصويت علي مشروع القرار دعا ترامب إدارة أوباما لاستخدام حق النقض ضد مشروع القرار وقال : بما أن الولايات المتحدة تقول منذ فترة طويلة أن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لا يمكن أن يصنع إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وليس عبر شروط تفرضها الأمم المتحدة؛ لذا يجب استخدام الفيتو ضد مشروع القرار الذي ينظر فيه مجلس الأمن.

لكن يبدو أن أوباما كان مصمما وإلى حد بعيد علي وضع العصا في دولاب إدارة ترامب، وخلق العراقيل في طريقها،

بعد التصويت على القرار غرد ترامب قائلا: «بالنسبة للأمم المتحدة الأمور ستتغير بعد 20 يناير في تلميح واضح منه على الانزعاج من القرار الذي وافق عليه مجلس الأمن بإدانة الاستيطان الإسرائيلي ... ماذا يعني هذا الحديث؟».

الشاهد أنه يشير إلى أن العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية التي تعرضت لضربات قاسية في زمن إدارة أوباما، ما أدى إلى قول البعض إن الزواج الكاثوليكي الأمريكي الإسرائيلي قد اقترب من حد الانفصال، ربما ستستعيد قوتها وربما بشكل غير مسبوق أيضا في ولاية ترامب الأولى.

تحدث ترامب مسبقا إلى صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية الشهيرة بالقول إنه سيكون الرجل الذي سيحقق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإنه سوف يستعين بصهره «جاريد كوشنر» زوج ابنته «أيفانكا» يهودي الديانة، في هذا الملف للقفز فوق العقبات التي تقابل كلا الطرفين للوصول إلى السلام المرتقب.

لكن هذا الحديث يتعارض مع أمرين: الأول يتصل بوعوده المستقرة والمستمرة بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ذلك القرار الذي لم يقو عليه أي من رؤساء أمريكا السابقين منذ عهد ترامب حتى الساعة، ذلك أنه لو فعلها لأضحى الرئيس الذي يعترف أن القدس باتت عاصمة موحدة لإسرائيل بالفعل، وهو أمر قد يعطي دولا أخرى جرأة غير مسبوقة لنقل سفاراتها هناك، وعطفا علي ذلك فإن مثل تلك الخطوة سوف تفقد ترامب أي مستقبل موضوعي لعلاقته مع العالمين العربي والإسلامي.

الأمر الثاني، تفيد تصريحات ترامب أنه يخطط للانقلاب علي الشرعية الأممية لمجلس الأمن فقد تحدث نهار الاثنين 26/‏‏12 بالقول إن قرار مجلس الأمن الدولي مثير للأسف، وأكمل : «الأمم المتحدة تملك إمكانيات هائلة لكنها في الوقت الحالي مجرد ناد يجتمع فيه الناس، ويتحدثون ويقضون وقتا طيبا، إنها منظمة تبعث علي الأسف الشديد».

لا يغيب عن أعين القارئ الاتجاهات اليمينية الواضحة لإدارة ترامب وأعضائها، وهؤلاء ينظرون نظرة متدنية للأمم المتحدة. هل سينقذ ترامب الزواج الكاثوليكي الأمريكي ـ الإسرائيلي؟ أغلب الظن أن ذلك هو ما سيحدث وغدا لناظره قريب.