أفكار وآراء

قضية هضبة الأهرام من قضايا التحكيم الشهيرة

25 يناير 2017
25 يناير 2017

د.عبدالقادر ورسمة غالب -

صدر في مصر القانون رقم 43 لسنة 1974 المسمى “قانون استثمار رأس المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة”؛ وذلك بغرض تشجيع الاستثمارات الأجنبية والخليجية العربية في مصر خاصة بعد ما تعرضت له مصر من دمار كبير في الكثير من المرافق الحيوية بسبب حرب أكتوبر 1973. وبدأت وفود شركات الاستثمار الكبيرة من كل دول العالم ترد تباعًا إلى مصر؛ من أجل للبحث عن فرص الاستثمار المواتية في مختلف المجالات ولجمع المعلومات الكافية عن هذه الفرص ولكي تدرس وتخطط وتقدم العروض للحكومة المصرية بشأن الاستثمارات الجديدة المقترحة.

وصل إلى القاهرة وفد استثماري كبير مكون من جنسيات مختلفة، وكانت فكرتهم الجديدة تتعلق بإقامة شاليهات وفلل كبيرة على هضبة الأهرام في منطقة الأهرام السياحية المعروفة، وعمل بحيرة صناعية كبيرة ذات قاع من المطاط بجوار الأهرام مع استغلال الساحل الشمالي في إقامة قري وملاهي ليلية وفنادق سياحية... إلخ.. من أجل دعم وتطوير المرافق السياحية في مصر ولزيادة الدخل القومي من العملات الحرة.

قابل وفد المستثمرين وزير السياحة المصري الذي وجه كل أجهزته في وزارة السياحة وعلى رأسها هيئة “ايجوث” المختصة بالسياحة العالمية بدراسة الموضوع من كل جوانبه بغرض الاتفاق مع الشركات المستثمرة والتنفيذ الفوري، وتم الاتفاق على توقيع عقد استثمار لمنطقة المشروع بالأهرام وبموجب هذا العقد يوجد “شرط تحكيم” لتسوية المنازعات أمام غرفة التجارة الدولية بباريس.

ولاحقا وبناء على توصيات الجهات المصرية المختصة في أمور السياحة، تم إصدار قرار جمهوري بالموافقة على منح الاستثمارات المطلوبة في هضبة الأهرام للمجموعة الاستثمارية التي سمت نفسها شركة “إس بي بي”.

بعد منح الموافقات المطلوبة لهذه الشركة للسير في تنفيذ مشاريع الاستثمارات التي تقدموا بها، وظهرت بعض الأفكار في مصر ضد هذا المشروع على أساس أن الفريق المستثمر الأجنبي يفكر في اتخاذ هضبة الأهرام مركزا للتنقيب عن الآثار في الرمال وتهريبها إلى خارج البلاد. وتم تصعيد هذا الموضوع، وتمت الكتابة في الصحف اليومية وتم تقديم الدراسات الفنية وعمل الندوات المناهضة وقامت الاحتجاجات المتعددة للكشف عن مساوئ المشروع على مصر.. ومن ضمن هذه المساوئ تأثير بحيرة المطاط المقترحة على آثار الجيزة بسبب امتلاء المنطقة ببخار ماء البحيرة، فضلا عن الآثار المدمرة لتسرب مياه الصرف من المنشآت السياحية في المنطقة... وغيره من الأفكار الأخرى التي تقف ضد المشروع من ناحية مبدئية.

وكرد فعل لهذا التحرك المعاكس لقيام المشروع أصدر الرئيس السادات قرارًا جمهوريًا آخر تم بموجبه إلغاء قراره الأول الذي قضي بالموافقة على قيام المشروع الاستثماري ... وعليه وكرد فعل لهذا الإجراء تقدمت الشركة الأجنبية المستثمرة “أس بي بي” بدعوى تحكيم أمام غرفة التجارة الدولية بباريس وفقا للأحكام الواردة في العقد المبرم لاستثمار المنطقة سياحيًا. وبدأ السير في إجراءات التحكيم، وصدر الحكم (القرار النهائي – أورود) من هيئة التحكيم ضد مصر بتعويض الشركة ودفع مبالغ تصل إلى 13 مليون دولار. وكان أساس هذا الحكم قرار التحكيم النهائي أن هيئة “ايجوث” تم حلها وتصفية أموالها قبل رفع القضية حتي لا تأخذ الشركة الأجنبية وملاكها شيئا. ولكن هيئة التحكيم الدولية قالت: إن وزير السياحة وافق ووقع على العقد مع شركة الاستثمار الأجنبية وهذا العقد ملزم للحكومة المصرية وهو يتضمن شرط التحكيم أمام هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية. أي أن حل وتصفية الهيئة لا يؤثر على حق الشركة في المطالبة بالتعويض.

هذا ونشير إلى أن أحد نقاط الدفاع التي تقدمت بها الحكومة المصرية ووردت أمام هيئة التحكيم تتعلق بشرط التحكيم ومدى ملائمته وصحته. ولكن هيئة التحكيم قررت وبكل شجاعة أن شرط التحكيم الوارد في العقد سليم، ويجب تطبيقه على هذا النزاع، وهنا تظهر أهمية صياغة شرط التحكيم بصورة واضحة وكاملة وبعيدة من خلق أي لبس أو أن تكون “حمالة أوجه” ذات معاني متعددة وقد ترتد وتضر من قام بإعدادها أكثر من أن تفيده.

Email: [email protected]