randa-s
randa-s
أعمدة

عطر : أنا لا أتكلم بالسياسة

25 يناير 2017
25 يناير 2017

رندة صادق -

انا لا اتكلم بالسياسة، فغالبا أنا أمية في عالم خاض تجاربه ليبحر بالإنسان الى بر الأمان، هوعالم أكبر مني وأعمق وأكثر تشعبا من حدود رؤيتي. في مجتمعاتنا ليس المطلوب منا أن نفهم بالسياسة، فهي لم تكن في الأصل للعامة وكانت للنخبة عبر الزمن والحقبات التي مرت بها البشرية.

لكن أن تجلس في جلسة تجمع الأصدقاء والأخوة فلا بد أن تتصدر السياسة الجلسة وتتربع على أريكة بجانب الحضور، فيبدأون بطرح التحليلات والنظريات والإستنتاجات وينتقلون الى السجالات، والطامة الكبرى حين يصلون الى الخلاف الحاد ويعلو الصراخ والتحدي واستعراض المعرفة العامة، يشد كل واحد منهم بحبل المعرفة الكاملة، مدعيا أن الحق والحقيقة هي ملكه ويورد أدلته، فتراهم يستحضرون التاريخ والجغرافيا، وتنتفخ أوداجهم وتجحظ أعيونهم ويراهنون على سباقات الإنتخابات، فكم صرفوا من الوقت وهم يراهنون على هيلاري كلينتون ويقولون أنها الحصان الرابح، وكم توقعوا هزيمة ترامب وأنه رجل المال لا رجل الحكمة والفطنة والحنكة السياسية. السياسة لا نصنعها بجلساتنا، ولا على قارعة الطريق ونحن نشرب القهوة ونملء فراغ نهاراتنا بأخبار جمعناها من هنا وهناك، على سبيل المثال لا الحصر كل لبناني سياسي ولا تجادله أو تُهدأ من اندفاعه فهو الخبير المدرك خفايا الأمور ويملك سر كل القطب المخفية وهذا ما تجده في معظم الأحيان في تجمعات الرجال.

أما نحن معشرالنساء فلا تعنينا السياسة، نحن ننظر الى النساء اللواتي يخضن غمار السياسة من خلال أناقتهن نحلل ذوقهن واختيارهن للألوان، فقد شغلت فيما مضى صورة تطابق حذاء ارتدته امرأتان في المجلس النيابي أكثر مما شغلتهن أخبار الجلسة وما قُرر فيها، نحن لا ندعي أننا نفهم بالسياسة لأننا مشغولات في الذوق العام وما يحتاجه الإنسان من أناقة تظهر حضارته على المنابر الدولية وتدل على رقي فكره السياسي وتبين النظام وآلياته.

ما نعرفه أن السياسة لا بد أن تكون ألوانا وأطيافا ودرجات من الأسود والأبيض، فحين ينطق السياسي ننظر الى طريقة لفظه ونبحث بين اشراقة الوجه وأي تصريح نسمعه، نحن ندرك أن السياسة تُطهى وأن مطابخها ليست دائما تراعي السلامة الصحية وأنه قد تحدث أخطاء، ولكننا ننظر الى الطبق بأنه محاولة لا علاقة للطاهي فيه بل لفساد المكونات .

نحن لا نتكلم بالسياسة، لأننا نفكر بأحمر الشفاه فنختار الأحمر القاني لنبدو بشكل محير فلا يعرف من ينظرإلينا، أهذه جرأة ام أنه تظليل سيلحق به لون زهري ينعش جفاف الإبتسامة . نحن نستعرض خزائننا ولكن لا نخبر من اين نحضر ملابسنا؟ لا وقت لدينا لنحلل، فما نراه لا يجذبنا وغالبا لا نعرف اسماء أبطال السياسة، فقد سمعت مرة احدى السيدات تظن أن “تشارلي شابلن” هو أحد رؤوساء أميركا وراحت النسوة تضحك وتغمز عليها وهن يتهمنها بالجهل والغباء ( طبعا هي ليست جاهلة ) ولكن هو بطل الحقبات الصامتة في تاريخ السينما، أليست السياسة افلام صامتة نشاهدها ونتابع فصولها .

انا حواء أتكلم في الحب وأغزل الحكايات عنه، حبي لا يرتبط بعنصرية ولا بعمر ولا علاقة له بهوية، أتكلم عن الطفولة التي تنتظر شروق شمس جديدة على صباحات الحياة. السياسة يا سادة لا تشغلني بل تشغلني الحياة، يشغلني أن أرى المارة من حولي يبتسمون يحلمون ويتحركون بخفة فلا أثقال ولا خوف ولا ضبابية.

الطقس صاف والشارع آمن، والعصافير تحلق والفراشات تحتفل بالضوء، والحياة فيها حياة، وجلسات الناس موسيقى وفرح وسلام، الحمد الله: أنا لا أتكلم بالسياسة.

[email protected]