896581
896581
الاقتصادية

كيف حمى النفط الأمريكي نفسه من صدمات السوق الدولية؟

12 يناير 2017
12 يناير 2017

أعلنت وكالة معلومات الطاقة الأمريكية أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة سيرتفع خلال عام 2017 إلى 9 ملايين برميل يوميا كما توقعت أن يتابع الإنتاج الأمريكي ارتفاعه في عام 2018 إلى 9 ملايين و300 ألف برميل يوميا.

هذه التوقعات لها أبعاد وآثار كبيرة على الأسواق العالمية وربما تكون لها أبعاد استراتيجية سياسية وأمنية بما يمس السياسة الخارجية الأمريكية خلال السنوات القريبة المقبلة.

عزا تقدير وكالة الطاقة الأمريكية هذا الارتفاع في الإنتاج الأمريكي إلى زيادة في استخراج النفط من منصات خليج المكسيك وتصاعد الإنتاج من النفط الصخري بعدما زادت نشاطات الحفر وارتفاع كفاءة المنصات وتصاعد إنتاج الآبار.

الحماية من الصدمة

هذا الارتفاع في الإنتاج يأتي نتيجة مباشرة لسعي الأمريكيين لحماية سوقهم من صدمات السوق الدولية، ففي العام 2012 كان معدل الإنتاج اليومي 6 ملايين و500 ألف برميل، وبدأ إنتاج النفط الأمريكي بالارتفاع سريعًا ووصل إلى ذروته الأولى عام 2014 مع إنتاج على مستويات 8 ملايين و700 ألف يوميًا.

وتابع الإنتاج الأمريكي صعوده إلى 9 ملايين و400 ألف برميل يوميا خلال عام 2015 وكانت هذه أعلى نسبة إنتاج منذ عام 1985 عندما لامس الإنتاج 9 ملايين برميل يوميا.

حماية السوق الأمريكية من الصدمات هي بالفعل سياسة الحكومة الأمريكية. ففي عام 2010 أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطة “للابتعاد عن اقتصاد مبني على النفط والاستيراد من الخارج” وأشار إلى تطوير “قدرات” الولايات المتحدة لتكون مستقلة.

ويعرف الأمريكيون أنهم لن يتمكنوا من الوصول في الظروف الاقتصادية والعلمية الحالية إلى اكتفاء ذاتي من الطاقة، لكنهم نوعوا إنتاجهم بضغط كبير من الإدارة الأمريكية، وحسنت شركات صناعة السيارات من أداء المحركات، ونرى الآن أن هناك عددا أكبر من السيارات، ولكن الأمريكيين ما زالوا يستهلكون النسبة ذاتها تقريبا أي 19 مليون برميل يوميًا.

أزمة التعويم

الأهم أن إنتاج النفط الأمريكي تعرض خلال العامين الماضيين لصدمة كبيرة بدأت من تعويم السوق الدولية مع تراجع الاقتصاد الصيني وزيادة إنتاج النفط في إطار مجموعة الدول المنتجة للنفط أوبك.

خلال هذا التعويم تراجع إنتاج النفط الأمريكي إلى 8 ملايين و500 ألف برميل يوميا وتراجع عدد منصات الإنتاج خصوصًا إنتاج النفط الصخري إلى ما دون 500 منصة لكن عدد المنصات عاد للارتفاع خلال الأشهر الماضية.

من السهل القول: إن عودة التوازن إلى الأسواق الدولية ساعد شركات النفط الأمريكية للعودة إلى الإنتاج، كما أن تنامي الاقتصاد في الولايات المتحدة أبقى استهلاك النفط على مستويات عالية، ولم نشهد ما شهدناه العام 2008 و2009 عندما ضربت الأزمة المالية والاقتصادية الأسواق والمستهلكين.

لكن اللافت أن شركات النفط الأمريكية تمكنت من خلال استراتيجية مالية بعيدة المدى من حماية ذاتها من الإفلاس. ففي خضم أزمة انهيار الأسعار عام 2015 وبداية عام 2016 وصل سعر برميل النفط الخام في السوق الدولية إلى ما دون 30 دولارًا، وهذا يعني بالنسبة إلى منتجي النفط الصخري إنتاجا بدون ربح، فتكلفة البرميل الأمريكي تتخطى 20 دولارًا في الغالب.

النفس الطويل

كان من الضروري أن يدفع ضيق هامش الربح الشركات الأمريكية إلى وقف الإنتاج، وترك السوق الأمريكية لتعتمد على النفط المستورد من بلدان تنتج بتكلفة منخفضة مثل السعودية، حيث لا تتعدى تكلفة البرميل 20 دولارًا، لكن الأمريكيين لم يفعلوا ذلك. وتشير بعض المعلومات إلى أن شركات الطاقة الأمريكية الكبيرة تمكنت من تخطي أزمة التعويم بالاستناد على احتياطي مالي عال لديها، كما تمكنت من الاستعانة بتمويل المصارف الكبيرة في الولايات المتحدة وانتظرت انتهاء أزمة التعويم والآن تستفيد من عودة الأسعار إلى ما فوق 50 دولارًا للبرميل. أفضل الأخبار للشركات الأمريكية هو أن وكالة معلومات الطاقة تقدر أن سعر برميل النفط سيتراوح عند سعر 53 دولارًا يوميًا خلال هذا العام ويصعد إلى 56 دولارًا في عام 2018.

السياسة الخارجية

سيكون من الخطأ الجزم بتوجهات الولايات المتحدة بناء على مؤشر واحد، لكن بعض التقديرات تشير إلى أنه سيكون مفيدًا لدى النظر إلى السنوات الأربع المقبلة. فالولايات المتحدة في عهد أوباما اعتبرت أنه من الضروري إعادة توجيه الاهتمام الأمريكي إلى المحيط الهادئ، ويجب ربط مصالح الولايات المتحدة أكثر بالاستقرار والتجارة مع الدول في الجهة الأخرى من العالم، أي بعيدًا عن الشرق الأوسط.

ترافق هذا التوجه الأمريكي باتجاه المحيط الهادئ مع تصاعد سريع في إنتاج النفط الأمريكي، وبدأ باراك أوباما كأنه يتعمد ترك التزامات واشنطن في المنطقة.

تسببت توجهات أوباما بأزمة ثقة كبيرة بين واشنطن والدول العربية المنتجة للنفط خصوصا دول مجلس التعاون الخليجي، لأن الولايات المتحدة اعتبرت دائما هذه الدول شركاء استراتيجيين وأن تدفق النفط عبر الخليج وحماية مضيق هرمز مصلحة استراتيجية أمريكية، وبدت في لحظة كأنها تخلت عن ذلك. بالإضافة إلى هذا وذاك أثبت الرئيس الأمريكي أنه مستعد للقبول بأنظمة تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين مثلما في مصر وبدت بنية الصداقات بين الدول العربية وأمريكا وكأنها انهارت.

واشنطن عادت الآن إلى الشرق الأوسط، ويمكن القول إن ذلك حصل رغما عنها، فقد اضطرت للاعتراف بالحكومة المصرية الجديدة برئاسة عبدالفتاح السيسي، واضطرت للعودة إلى العراق لمنع تمدد داعش، وأبقت أسطولها في الخليج العربي، وفهمت أنها لن تتمكن من الاكتفاء من الطاقة، بل تستطيع فقط حماية سوقها من الصدمات، والمنطقة تبقى استراتيجية بقدر ما هي ضرورية لحماية استقرار الأسواق العالمية.

ومع دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض سيشعر الرئيس الجديد بالحاجات الأمريكية ذاتها، لكنه شخصية مختلفة، وسيرى على الأرجح أن بلاده أكثر أمانًا مع إنتاج نفطي عالٍ ومتين يتحمل الصدمات، وهذا سيعطيه سببا آخر ليفاوض من موقع القوة مع أصدقائه في المنطقة.