أفكار وآراء

تعديل اتفاق « الصخيرات» الليبي .. لماذا ؟

01 يناير 2017
01 يناير 2017

عماد عريان  -

مياه كثيرة جرت في نهر الأزمة الليبية خلال الأسابيع القليلة الماضية عبر اتصالات ومباحثات ونقاشات متشعبة ومتعددة في عواصم مصر وتونس والجزائر والسلطنة دون غياب للأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها إلى ليبيا مارتن كوبلر، في محاولات مضنية للتوصل إلى تصور مشترك يحول دون تدهور الأمور أولا ويحاول إحياء مباحثات السلام بين مختلف الأطراف ثانيا بعدما دخلت البلاد مجددا في أزمة شرعية واضحة ناجمة عن تعدد القراءات لاتفاق الصخيرات الذي مر عام على توقيعه دون أن يرى النور للتنفيذ الفعلي على أرض الواقع وكذلك نتيجة تعدد المرجعيات واستمرار الانقسام ما بين الشرق والغرب داخل ليبيا ذاتها.

ولعل ما يبعث على الارتياح برغم كل الصعوبات التي تحيط بجهود ومحاولات تسوية الأزمة الليبية هو تمسك مختلف الأطراف بالحوار كوسيلة أساسية لإنهاء الخلافات، وقد تجلى ذلك بوضوح في إعلاني القاهرة الصادرين خلال الشهر الماضي بعد جولات مباحثات استمرت عدة أيام بين شخصيات ليبية من أطياف سياسية وإعلامية وفكرية متعددة وبحضور مصري رفيع المستوى ممثلا في رئيس أركان الجيش الفريق محمود حجازي ووزير الخارجية سامح شكري، وقد حرص الحضور على تأكيد وحدة التراب الليبي وحرمة الدم باعتبار ليبيا دولة واحدة لا تقبل التقسيم، ووحدة الجيش الليبي الى جانب شرطة وطنية لحماية الوطن والاضطلاع الحصري بمسؤولية الحفاظ على الأمن وسيادة الدولة، وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة ووحدتها واحترام سيادة القانون وضمان الفصل بين السلطات وضمان تحقيق العدالة،وترسيخ مبدأ التوافق وقبول الآخر ورفض كافة أشكال التهميش والإقصاء،ورفض وإدانة التدخل الأجنبي وأن يكون الحل بتوافق ليبي وتعزيز وإعلاء المصالحة الوطنية الشاملة،والمحافظة على مدنية الدولة والمسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة.

والشيء ذاته أكد عليه محمد أبو بكر سفير مصر في ليبيا وأحد أطراف الاجتماعات مشيرا إلى أن اجتماع قيادات الفكر والإعلام الليبية بمصر يأتي في سياق الجهد المصري للتعاطي مع الأوضاع في ليبيا في إطار البحث عن حلول ناجزة وسريعة.وأنه تم الاستماع لكل ملاحظات الأشقاء الليبيين وتم الاتفاق على ثوابت واضحة وتعظيم حالة التوافق مؤكدا التواصل مع كل الأطراف الليبية والقيام بلقاءات مكثفة،بهدف استقرار ودعم الدولة الشقيقة،لافتًا إلى أن مصر محطة مهمة في دعم الملف الليبي، ولا شك في أن جميعها مبادئ وثوابت جيدة يمكن البناء عليها في المرحلة المقبلة، بل ويجب التشبث بها.

ووفقا لبيان القاهرة فقد دار حوار مفتوح ومعمق تم خلاله التطرق إلى الأوضاع الراهنة والتوافق على عدة مطالب من بينها إدخال بعض التعديلات علي ما تضمنه اتفاق الصخيرات من أحكام وملاحق ليكون من شأنه إنهاء حالة الانقسام التي تعيشها ليبيا منذ عام 2014 ويضع حداً للأوضاع المتدهورة على كافة الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية التي تتخبط فيها البلاد وتطحن مواطنيها وتزيد في معاناتهم،وتوصل المجتمعون للمقترحات التي يرونها لتجاوز أزمة الاتفاق السياسي والوصول به إلى الوفاق الوطني؛تعديل لجنة الحوار بشكل يراعي التوازن الوطني. وتعديل الفقرة الأولي من البند الثاني من المادة الثامنة من الاتفاق السياسي من حيث إعادة النظر في تولي مهام القائد الأعلى للجيش، ومعالجة المادة الثامنة من الأحكام الإضافية من الاتفاق السياسي بما يحفظ استمرار المؤسسة العسكرية واستقلاليتها وإبعادها عن التجاذبات السياسية، وإعادة النظر في تركيب مجلس الدولة ليضم أعضاء المؤتمر الوطني العام المنتخبون في 7-7-2012 وإعادة هيكلة المجلس الرئاسي وآلية اتخاذ القرار لتدارك ما ترتب على التوسعة من إشكاليات وتعطيل .

ومن الأهمية بمكان عدم تجاهل هذه المطالب، بل والعمل على تنفيذها لتحقيق التوافق السياسي المنشود بموافقة مختلف الأطراف ما دامت هذه المطالب تتم وفقا لآلية سياسية سلمية تؤول في نهايتها الكلمة للمواطن الليبي، خاصة بعدما ظهرت في الأفق أزمة جديدة قد تهدد جهود السلام في ظل ظهور معضلة الشرعية المتمثلة في إصرار بعض الأطراف على انتهاء مدة المجلس الرئاسي الليبي في 17 ديسمبر الماضي،في حين تؤكد أطراف أخرى أن شرعية المجلس لن تنتهي في ذلك التاريخ لأن مدة العام التي حددها الاتفاق السياسي تبدأ من تاريخ تضمين ذلك الاتفاق في الإعلان الدستوري،وهو الأمر الذي لم يتم بعد.

وأغلب الظن أن هناك إدراكا متزايدا لحتمية تسوية وضعية قائد الجيش المشير حفتر خاصة بعد جولاته الخارجية وبروز تأييد دولي متزايد لهذا التوجه، ولعل ذلك وضمن عوامل وضغوط إقليمية أخرى ما دفع المبعوث الأممي كوبلر إلى التصريح بأن هناك إمكانية لفتح المسودة الأخيرة للاتفاق التي كان يرفض إجراء تعديل عليها،مؤكدا أن شكل المجلس الرئاسي ومسألة العودة إلى المسودة الرابعة من اتفاق الصخيرات كلها قرارات تعود إلى الليبيين أنفسهم،وأن هناك آلية للتعديل داخل الاتفاق،لكن كل هذا بعد تضمين الاتفاق في الإعلان الدستوري أولاً، وذلك بعدما فشل مجلس النواب على مدى العام الماضي في عقد جلسة رسمية للتصويت على تضمين الاتفاق السياسي للإعلان الدستوري كما تنص وثيقة الاتفاق الموقعة في الصخيرات،وذلك لمطالبة نواب إجراء تعديلات عليها، ومنها حذف المادة الثامنة محل الجدل،والتي تحيل جميع الصلاحيات السيادية مثل تعيين القائد الأعلى للجيش،إلى المجلس الرئاسي وليس مجلس النواب مثلما سبقت الإشارة.

وفي مواجهة ذلك يرى سياسيون ليبيون أن ولاية حكومة الوفاق المحددة وفقاً للاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات لم تبدأ بعد وأن ‏الفقرة الرابعة من المادة الأولى في الاتفاق السياسي نصت على أن مدة ولاية حكومة الوفاق الوطني هي عام واحد، يبدأ من تاريخ نيلها ثقة مجلس النواب، وبالتالي فإن المدة الرسمية لم تبدأ بعد.

وبرغم هذا التباين في وجهات النظر إلا أنه من الإنصاف التأكيد مجددا على أن ما يجمع الليبيين أكثر بكثير مما يفرقهم وأن هناك طروحات سياسية تستحق بالفعل التعاطي معها لإصلاح الثغرات التي رافقت اتفاق الصخيرات منذ بدايته، وأشارت تحليلات عديدة في حينه إلى احتوائه على نصوص عديدة قد تؤدي لتعطيله وربما انهياره مع استمرارها دون معالجة كاستمرار الخلاف بين ﺭﺋﻴسي ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﻨﻮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﻮﻁﻨﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻋﻘﻴﻠﺔ ﺻﺎﻟﺢ وﻧﻮﺭﻱ ﺃﺑﻮ ﺳﻬﻤﻴﻦ،فضلا عن المخاوف مما يمكن تسميته بتعدد المرجعيات،كما شكك البعض في نجاح تطبيق ما تم التوصل إليه على أرض الواقع في ظل الفوضى التي تعم ليبيا وبالنظر إلى معطيات خارجية، وكذلك تم إعلان فايز السراج رئيساً لحكومة الوحدة،إلى جانب رئاسته للمجلس الرئاسي على أن يكون مقر الحكومة وعملها في طرابلس بينما السلطة التشريعية ستكون ممثلة في مجلس النواب المنعقد في طبرق (شرق ليبيا) أما المؤتمر الوطني العام المنعقد في طرابلس فسوف يشكل المجلس الأعلى للدولة وهو مجلس استشاري للحكومة التي ستكون مدتها عاما واحدا قابلا للتمديد ،هذه الصيغة كانت تعبيرا صريحا عن المحاصة التي تعكس بالتأكيد حالة من الانقسام الذي ينبغي العمل على تجاوزه.

وبرغم الجهود الكبيرة التي بذلت في سبيل تحويل الاتفاق من مجرد كلمات مكتوبة إلى واقع ميداني على الأرض وعلى رأسها وضع ما يشبه خريطة طريق سياسية بالإعلان عن حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي بقيادة فايز السراج إلا أنه كان واضحا أن هناك نوعا من التعجل الشديد في إقرار الخطوات تباعا دون ترسيخها أو وقوفها على أرض صلبة،ويعني ذلك اهمية العمل على تعديل اتفاق الصخيرات بالشكل المناسب وبآلية سياسية مضمونة تنفذ خريطة طريق واضحة المعالم ومكتملة الأركان، وغني عن البيان أن ذلك أمر ممكن، بل وميسور مع تكثيف الحوار السياسي بين مختلف مكونات الطيف السياسي إضافة إلى اتصالات إقليمية بناءة لدول الجوار على وجه الخصوص لقطع الطريق على أي تدخلات عالمية أو إقليمية من شأنها أن تنسف عملية السلام والتفاوض برمتها لما يشوبها من أغراض وأهداف تخريبية.