أفكار وآراء

ترجمات : خيارات آسيا في حقبة ترامب

25 ديسمبر 2016
25 ديسمبر 2016

هيو هوايت -

ترجمة قاسم مكي -

ستريتس تايمز (سنغافورة) -

اتبعت القوى الآسيوية الصغيرة والمتوسطة، لسنوات عديدة، سياسة «تحوط» ترتكز على شكوك إستراتيجية. تنطوي هذه الحالة المقلقة من عدم اليقين على احتمال إحلال بيجينج، مع تنامي نفوذها، النظام القديم بقيادة الولايات المتحدة في آسيا بنظام جديد أكثر تمحورا حول الصين. تمثلت استجابة هذه القوى في التعامل مع الصين اقتصاديا وسياسيا ولكن في الوقت نفسه الاقتراب أكثر من الولايات المتحدة استراتيجيا. وكانت تأمل في أن ذلك سيعزز من قدرة واشنطن واستعدادها لمقاومة الطموحات الإستراتيجية لبيجينج إذا تزايدت حقا. لقد شكلت تقوية الروابط مع الولايات المتحدة تحوطا من جانب بلدان جنوب شرق آسيا وأستراليا ضد احتمال تعاظم التهديد الصيني. ولكن الأحداث تجاوزت تلك السياسة الآن بطريقتين. أولا، لقد انجلت حالة عدم اليقين القديمة بشأن طموحات الصين. فلم يعد هنالك أي تساؤل حول سعي الصين في وقت ما في المستقبل لتأكيد دورها كزعيمة إستراتيجية جديدة لآسيا. لقد بدأت تفعل ذلك بالضبط سلفا وبوضوح شديد. ويمكن استشعاره ليس فقط في كلمات الرئيس شي جي بينج حول «النموذج الجديد لعلاقات القوي العظمى» وحديثه عن «المصير المشترك» لآسيا ولكن أيضا في تصرفاته في بحر الصين الجنوبي. ثانيا، مع اختفاء حالة عدم اليقين القديمة فإن حالة أخرى مماثلة تبرز حول ما ستفعله الولايات المتحدة. فحتى وقت قريب كان يمكن الافتراض بأن الولايات المتحدة ستكون موجودة لحماية القوي الصغرى في آسيا إذا تزايد عزم الصين على تولي الزعامة هناك. ولكن هذا الافتراض ضعف الآن، خصوصا في عهد دونالد ترامب.

واتضح بجلاء مدي عمق الشكوك هذه من خلال مصير مبادرة تجارة عبر المحيط الهادي. قد لا تكون هذه الاتفاقية أبدا هامة اقتصاديا بالقدر الذي يتصوره دعاتها. ولكن لا شك أنها كانت اختبارا حاسما لرسوخ الالتزام الإستراتيجي للولايات المتحدة في آسيا لأن مسئولي إدارة باراك أوباما وكذلك أوباما نفسه وصفوها بهذه الصفة. لقد حذروا الأمريكيين من أن الإخفاق في مساندة الاتفاقية سيرسل رسالة لا يعتورها الشك في أن الولايات المتحدة ليست جادة في مواجهة التحدي الإستراتيجي للصين في آسيا. ومع ذلك فقد رفض كلا المرشحين الرئاسيين للحزبين الكبيرين الوفاء بالاتفاقية. ما الذي يمكن أن يشكل رسالة أوضح من ذلك على تدهور التزام أمريكا في آسيا حتى إذا كانت هيلاري كلنتون قد فازت في الانتخابات الأمريكية؟ إن انتخاب ترامب لم يفعل شيئا سوى تضخيم هذه الرسالة. لذلك فإن علامة الاستفهام الكبيرة الآن حول الوضع الإستراتيجي لآسيا لا تتعلق بطموح الصين في المنطقة ولكن باستعداد الولايات المتحدة على مقاومته. وذلك يعني أن سياسة التحوط بحاجة إلى تغيير وجهتها. نحن لم نعد نحتاج إلى التحوط من احتمال تعظيم الصين لنفوذها ولكن من حالة عدم التأكد من التزام الولايات المتحدة. كيف يمكن للقوى الآسيوية القيام بذلك؟ ماهي بدائل الاعتماد على الولايات المتحدة؟ ليس مدهشا عدم وجود أجوبة جاهزة أو سهلة. لقد ظلت قوة أمريكا وصلابة التزامها تشكلان اللبنة الأساسية للأمن الآسيوي لفترة طويلة بحيث أنه توجد الآن قلة من الأفكار حول البدائل الممكنة. أحد الخيارات الواضحة سيكون ببساطة القبول بحلول الصين محل الولايات المتحدة واعتبارها القوة الأساسية في المنطقة. ولكن هذا الخيار سينطوي على مخاطر. فأمريكا ظلت بلد «الهيمنة الحميدة». كما أنها بعيدة جغرافيا من المنطقة مما يبعث على الاطمئنان. أما الصين فأكثر إثارة للقلق- من وجهة نظر الدول الآسيوية- لأنها أقل ليبرالية وأقرب كثيرا. وأنا أشك في أن ترضى عدة بلدان في المنطقة بالعيش تحت ظل الصين في حالة وجود بديل عملي. أما البديل الثاني فسيكون تحالف قوى المنطقة الصغيرة والمتوسطة مع قوة إقليمية كبيرة أخرى مثل اليابان أو الهند لمواجهة قوة ونفوذ الصين. وذلك ما قد يحب أن يراه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إذا تعثرت مساندة أمريكا لبلده.

ويبدو أنه يتصور قيادة اليابان لتحالف من البلدان الآسيوية بهدف احتواء الطموحات الزعامية للصين. ولكن هذا البديل أيضا ينطوي على مشاكل حقيقية لأنه يخاطر بجرجرة بلدان إقليمية أخرى إلى نزاعات يابانية ثنائية مريرة مع الصين. نعم قد تخشى القوى الصغيرة والمتوسطة في آسيا من الهيمنة الصينية. ولكنها لا تزال تقدّر علاقاتها مع الصين ولا تريد أن تجد نفسها مجبرة على الاختيار بين طوكيو وبيجينج. وقد تتساءل البلدان الأخرى عن التزام طوكيو بتقديم المساندة في حال نشوب أي نزاع لا يرتبط مباشره بمصالح اليابان بين هذه البلدان والصين. هل يمكن لأي أحد أن يضمن مخاطرة اليابان بمواجهة مع الصين نيابة عن بلد آخر؟ والشكوك نفسه تنطبق على الهند. أما الخيار الثالث فسيكون الاعتماد على منظمة الآسيان- منظمة جنوب شرق آسيا. من أول وهلة يبدو أن هذا هو الرهان الأفضل. فالآسيان، باعتبارها المنظمة الأساسية المتعددة الأطراف في المنطقة، تجمع بين كل القوى الصغيرة والمتوسطة في آسيا تقريبا. ولها القدرة على اجتذاب بلدان أخرى مثل أستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية. إلى ذلك لديها التزام طويل الأمد وراسخ تجاه المبادئ الأساسية للنظام الدولي الذي يوفر الحماية المطلوبة لهذه القوى من القوة المفرطة للصين. ولكن المشكلة هي أن لعب هذا الدور أكبر من قدرة آسيان وأن عضويتها متبعثرة جغرافيا وشديدة التباين في تصوراتها للصين. فلدى بعض أعضائها، مثل كمبوديا وتايلاند والآن الفلبين، وجهات نظر عن الصين تختلف عن آراء الأعضاء الآخرين. والبلدان التي لها حدود مباشرة مع الصين مثل فيتنام ستكون لها دائما نظرة مختلفة للصين عن بلدان مثل أندونيسيا تفصلها عنها مسافات أكبر بالإضافة إلى المحيط المفتوح. تعني هذه الاختلافات في الحقيقة أن منظمة آسيان ستجد من الصعب جدا عليها بناء موقف موحد والمحافظة عليه تجاه الصين. وهذا ما يحد من قيمتها كبديل للقوة الأمريكية في صد الهيمنة الصينية. وهكذا بقي لنا خيار وحيد له صدقية. إنه خيار بعيد جدا عن أن يكون مثاليا ولكنه قد يكون أفضل خيار متاح. إنه التركيز على تكوين مجموعة أصغر وأكثر تماسكا جغرافيا ولها مصالح تتسم باصطفاف طبيعي أوثق من الآسيان. ويمكن أن تحتوى هذه المجموعة في نواتها سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا وأستراليا ونيوزيلندا وكذلك دول الأرخبيل الصغيرة. تتقاسم كل هذه البلدان بيئة جغرافية بحرية واحدة. كما تتشاطر كلها مصلحة واضحة في منع أية قوة عظمى خارجية من الحصول على نفوذ مفرط في منطقتها. وهي بلدان لديها عادات راسخة في التعاون في منابر ومؤسسات عديدة ومختلفة. وتملك مكامن قوة تكاملية واسعة لتشكيل شراكة (ناجحة) فيما بينها. إن الوقت مبكر جدا على التفكير في دفع هذه البلدان نحو أي نوع من أنواع التحالف الرسمي. ولكنه ليس كذلك للبدء في محادثات مشتركة أكثر جدية حول الطريقة التي تبرز بها التحديات في آسيا وأفضل السبل للتعامل معها جماعيا. هذه هي الطريقة الحصيفة للتحوط ضد «اللايقينيات» الجديدة التي تواجهها المنطقة في عصر دونالد ترامب.

• الكاتب أستاذ الدراسات الإستراتيجية بجامعة أستراليا الوطنية في كانبيرا