أفكار وآراء

برلين ... وأولويات السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة

23 ديسمبر 2016
23 ديسمبر 2016

سمير عواد -

عندما منح فرانك فالتر شتاينماير، وزير خارجية ألمانيا، المرشح لمنصب رئيس الجمهورية الألماني، وسام الاستحقاق الرفيع إلى نظيره الأمريكي جون كيري مؤخرا في برلين، حاول الأخير طمأنة المسؤولين الألمان، بأن العلاقات والروابط التاريخية التي تجمع بين الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا خاصة وأوروبا عامة، سوف تستمر في عهد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.  

وعندما ألقى شتاينماير كلمة بهذه المناسبة، أوضح حاجة الألمان للحصول على إيضاحات ومعرفة رؤية ترامب والأشخاص الذين رشحهم للحصول على مناصب رفيعة في إدارته القادمة وقال بوضوح موجها كلامه إلى كيري «إننا بحاجة ماسة لنتحدث مع بعضنا البعض». والمقصود هنا ليس إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي سيغادر البيت الأبيض بعد أسابيع قليلة، وإنما فريق ترامب، الذي لا تعرف برلين شيئا عن أعضائه.

لذلك اتخذت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قرارا مهما قبل أيام عندما قررت إيفاد د. كريستوف هويسجن، معاونها للسياستين الخارجية والأمنية، والملقب باسم «رجل المهمات الصعبة»، إلى واشنطن، للاستعلام عن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية التي يعتزم ترامب العمل بها، خاصة وأنه رشح ريكس تيلرسون، رئيس شركة النفط الأمريكية «إكسون موبيل»، التي تعتبر الأكبر من نوعها في العالم، لمنصب وزير الخارجية الأمريكية ، لأن برلين تشعر بحيرة، لكونها لا تعرف شيئا عن تيلرسون البالغ من العمر 64 عاما، ما عدا أنه عديم الخبرة  تقريبا في مجال السياسة الدولية، ولكنه رجل أعمال ناجحا في مجال إنتاج وبيع النفط.

وحسب تقرير نشرته مجلة «دير شبيجل» الألمانية مؤخرا، فإن تيلرسون يملك شبكة واسعة من العلاقات الدولية، تضم منهم عدداً كبيراً من زعماء ورؤساء الحكومات في العالم، سبق وأن تفاوض معهم حول صفقات النفط، خاصة روسيا. كما أن شركته تُعتبر أكثر ثراء من العديد من دول العالم، وتملك قوات خاصة تتولى حماية المواقع التي تنتج شركته فيها النفط.

كما وتتساءل برلين عن تصورات إدارة ترامب تجاه مستقبل علاقة واشنطن مع  حلف الناتو، وأنظمة الحماية النووية التي أقامتها الولايات المتحدة في أراضي حلفائها في أوروبا، وكذلك حيال السياسة الأمريكية تجاه الصين، وقضايا انتهاكات حقوق الإنسان، والحرب في سوريا والعراق، ثم الدور الأمريكي في العالم. وترى أوساط بوزارة الخارجية الألمانية أن هناك أسئلة ملحة كثيرة تحتاج إلى إجابات والأفضل بأسرع وقت ممكن.

وقال «نيلز أنن» ، ناطق الشؤون الخارجية للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في البرلمان الألماني «بوندستاج» «بأن ترامب ساهم بقرار ترشيحه تيلرسون لثاني أهم منصب في واشنطن في إضفاء الغموض على نهج السياسة الخارجية الأمريكية في المستقبل».

وقال التقرير إن العلاقة بين تيلرسون وروسيا تعود إلى فترة طويلة، والملفت للنظر أن بوتين منحه «وسام الصداقة» في عام 2013. وفي أغسطس 2014، بعد أيام قليلة بعد تصدع العلاقات بين الغرب وروسيا بسبب ضم الثانية إقليم القرم، بدأت شركة النفط الروسية «روزنفت» وشركة «إكسون موبيل» الأمريكية مشاريع تنقيب تجريبية في القطب الشمالي.

وتعتقد برلين أن العمل مع تيلرسون لن يكون سهلا، وخلافا لرئيسه ترامب ، فإن تيلرسون يدرك مدى مخاطر تغير المناخ، لذلك يسعى حسب ما جاء في التقرير لتحسين سمعته لدى حماة البيئة في الولايات المتحدة، رغم أنه قد دعم في السابق إنتاج كميات هائلة من النفط والغاز، لاعتقاده أن الاحتياطي المتوفر في العالم يكفي لبضعة مئات من السنين فقط.

وتعتبر برلين نفسها زعيمة الاتحاد الأوروبي دون منافس، بعد انسحاب بريطانيا من المنظومة الأوروبية. ووصف أوباما ميركل عندما زار برلين مودعا في الشهر الماضي بأنها المدافع الأول عن العالم الحر، وأن فوز ترامب أدى إلى خلق أجواء جديدة وتعقيد العلاقات الأمريكية الأوروبية، لأن الأخير، أدلى خلال الحملة الانتخابية بتصريحات، أثارت قلق المسؤولين في ألمانيا والاتحاد الأوروبي، لم تصدر بمثل هذا الغموض عن مرشح لمنصب سيد البيت الأبيض. فقد أشاد ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الرغم من الخلاف القائم بين الغرب الذي تتزعمه الولايات المتحدة، مع روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية وضمها إقليم «القرم»، وهو الذي جعل واشنطن تنضم مع الأوروبيين في فرض عقوبات على روسيا، مما جعل بوتين، يستغل الأزمة السورية، ليقلب الأمور رأسا على عقب، ويعمل من أجل استعادة بلاده مكانتها كقوة عظمى.

كما تلاسن ترامب مع الصين، وأعرب عن شكوكه باستمرار واشنطن التمسك بدورها في حلف شمال الأطلسي، ورحب بقرار البريطانيين بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي وكان أول أجنبي استقبله بعد فوزه، نايجل فراج، زعيم حزب الاستقلال البريطاني اليميني المتطرف الذي يُعتبر أحد مهندسي انسحاب بريطانيا.

وترغب برلين معرفة أوجه العلاقة القادمة بين ترامب وبوتين، لما ستعكسه على مستقبل التحالف الأطلسي والعلاقات الأمريكية الأوروبية، ونتائج ذلك على الأزمات والقضايا العالمية، في مرحلة انتشار الفوضى في الشرق الأوسط والتوترات بين الصين وجاراتها خاصة تايوان. كما ترغب برلين في  معرفة رؤية ترامب للنزاع الفلسطيني/‏‏الإسرائيلي، حيث تعتبر برلين عدم وجود خيار لحل الدولتين، وقد استغربت تعيينه سفيرا لدى إسرائيل يحظى بشعبية واسعة لدى المستوطنين اليهود لأنه يدعم فكرة انتقال السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، إشارة إلى أن بلاده تعتبر المدينة المقسمة عاصمة لإسرائيل، وذلك خلافا للقرارات الدولية وبذلك يضيع على الفلسطينيين حقهم في أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقلة التي يتطلعون إليها.

وتجدر الإشارة إلى أن هويسجن، يشغل منصب مدير القسم 2 بديوان المستشارية الألمانية المكلف بمعاونة ميركل في السياستين الخارجية والأمنية منذ أن فازت بمنصبها في عام 2005، ومن المقرر أن يحقق حلمه في نيويورك بعد الانتخابات العامة في ألمانيا في سبتمبر 2017، حين يتولى منصب سفير ألمانيا لدى الأمم المتحدة، واستغلال منصبه الجديد للدعاية كي تحصل ألمانيا على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.