أفكار وآراء

دور السياحة العربية في التنويع الاقتصادي

17 ديسمبر 2016
17 ديسمبر 2016

حيدر بن عبد الرضا اللواتي -

اختتم المجلس الوزاري العربي للسياحة اعمال دورته الـ 19 مؤخرا في مسقط بالتأكيد على عدد من القضايا التي تهم هذا القطاع الحيوي الذي تراجعت مدخلاته في السنوات الماضية بسبب ما يسمى بالربيع العربي والعمليات الارهابية التي طالت عددا من الدول العربية التي كان قطاع السياحة يمثل بها مقوما سياحيا رئيسا في الدخل القومي السنوي كمصر وتونس وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من الدول العربية الأخرى.

ولعل أهم ما خرج به هذا التجمع العربي السياحي هو التأكيد على دور الشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص العربي، حيث اقترح الأعضاء أن يكون هناك تمثيل للقطاع الخاص في السياحة العربية على أن يُبلور هذا وفقا للنظام المعمول في جامعة الدول العربية وفق ما صرح به معالي أحمد بن ناصر المحرزي وزير السياحة. كما تم التأكيد أيضا وبصورة جماعية على السياحة البينية بين الدول العربية، حيث ان الجميع أبدو رأيهم بضرورة فتح الدول العربية أبوابها للمواطني العرب تشجيعا للسياحة البينية وفق أنظمة واضحة لتبسيط الحصول على التأشيرات. كما أوصى الأعضاء بأن يكون الاجتماع القادم للمجلس بالسعودية على أن يضم التجمع ممثلين للقطاع والقطاع الحكومي، بجانب التأكيد على أهمية تشجيع قطاع السياحة الفلسطيني الذي تأثر كثيرا بسبب الاجراءات التي تتخذها الدولة الصهيونية ضد عدد من القطاعات الاقتصادية في فلسطين. الكل يعرف بأن القطاع السياحي العربي شهد عدة تطورات إيجابية قبل بداية أحداث الربيع العربي، حيث تم ضخ بلايين من الدولارات في هذا القطاع سواء في قطاع الفندقة أوالطيران أوالمطارات، ناهيك عن الاستثمارات في البنية التحتية للدول بهدف جذب مزيد من السياح إلى الدول العربية، إلا أن الكثير منها لم تتمكن من تحقيق ما كانت ترمي إليه بسبب الاضطرابات والعمليات الإرهابية والحروب التي شهدتها المنطقة العربية، والتي ما زالت تكلف الكثير للشعوب والقطاع السياحي العربي.

وهذا ما تم التأكيد عليه في المؤتمر بأن الوضع في الوطن العربي يحتاج إلى تأنٍ ومعالجة، وضرورة تعزيز العلاقة مع القطاع الخاص الذي يعتبر الشريك الأساسي للمؤسسات الحكومية في جميع الظروف، وأنه هو الوحيد الذي يمكن له اليوم أن يستوعب الكوادر الشابة ويوفر لها فرص العمل التي تنتظرها بكل التفاؤل للمشاركة في التنمية.

وكما هو معروف فإن جميع دول العالم تعمل على أخذ الاعتبارات والإجراءات تجاه الوضع الأمني في دولها لمكافحة الإرهاب والتطرف، إلا أن الأمر ربما له اعتبارات كثيرة في المنطقة العربية نظرا للانفلات الأمني في بعض الدول العربية، الأمر الذي يقلل من فرص الانفتاح السياحي والحركة السياحية البينية بين الدول العربية. ولكن في جميع الحالات يمكن وضع الخطوط العريضة لسياحة العوائل والمجموعات السياحية العربية التي تود زيارة الدول العربية، الأمر الذي يتطلب تسهيل العمل بالتأشيرات الخاصة بالسياحة.

لقد ناقش المجلس في دورته الاخيرة عدة قضايا تهم السياحة من ضمنها مسار تنظيم العلاقة بين منظمة السياحة العالمية والمستثمرين والمجلس الوزاري العربي للسياحة، مع التأكيد على دول الاعلام العربي في هذه المرحلة، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم صورة ناصعة عن هذا القطاع الحيوي، حيث أكد معالي وزير السياحة بأن السياحة والإعلام متزامنان، فليس هناك سياحة بدون إعلام وتسويق، وما يحدث اليوم من ثورة هائلة في التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أهمية الإعلام الرقمي في الترويج للسياحة في دول العالم، وذلك من خلال الصور والمواد المرئية ومشاركتها في تلك المواقع، ومن خلال إبداء الآراء والنقاشات حول بعض المواقع السياحية، وبالتالي أصبحت تلك المواقع جزءا لا يتجزأ من عملية الجذب وعملية تحسين الخدمات.

اجتماعات مسقط كانت مهمة في الغاية خاصة وأن مستوى الحضور كان بعضوية وزراء السياحة ورؤساء الهيئات السياحية أعضاء المكتب  التنفيذي وممثلي جامعة الدول العربية ومنظمة السياحة العالمية والمنظمة العربية للسياحة بجانب المركز العربي للإعلام السياحي وعدد من المؤسسات الإعلامية المحلية والعربية والعالمية. وكانت فرصة مهمة لهم باستعراض ومناقشة جميع مواضيع الساعة التي تهم مسيرة التعاون العربي المشترك في قطاع السياحة، ووضع التصورات لتعزيز العمل السياحي المشترك. فهذا القطاع يمكن له أن يلعب دورا كبيرا في عجلة التنمية، ويوفر آلاف فرص العمل التي لا يمكن لأي قطاع اقتصادي آخر أن يوفره في هذا الوقت، ويمكن أن يعزز من مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية من خلال المبادرات والبرامج والأسس التي تجذب المزيد من السياح إلى المنطقة العربية. فهناك ملايين من السياح يفدون إلى مناطق ليست بتلك المستوى من الخدمات والترفيه والمقومات الثقافية، إلا أنها تتوجه إليها نظرا لبرامج التسويق التي تقوم بها مؤسساتها على المستوى الداخلي والخارجي، الأمر الذي يجعل منها مناطق متميزة في السياحة، بجانب التسهيلات التي توفرها الحكومات من أجل تعزيز الحركة السياحية لديها. ومن هذا المنطلق تم التأكيد على ضرورة تحقيق مزيد من التنمية في الدول العربية من خلال تنمية قطاع السياحة للمساهمة في التنمية المستدامة، والعمل على تعزيز السياحة البينية وجذب السياحة العالمية. وهذا ما صرح به معالي محمد يحيى راشد وزير السياحة بجمهورية مصر العربية ورئيس المكتب التنفيذي للمجلس الوزاري العربي للسياحة في كلمته الذي تطرق خلالها أيضا إلى أهمية الاجتماع لتبادل المقترحات التي تثري السياحة في البلاد العربية. وكما هو معروف فان الدول العربية بتضاريسها العديدة ومقوماتها الفريدة يمكن لها أن تتميز في تنظيم الكثير من البرامج السياحية التي يتطلع إليها السائح سواء في مجال الرياضات البحرية أو صعود الجبال أو المشي والتزحلق على الرمال في أيام الشتاء أو الغوص أو الاستجمام بأشعة الشمس بجانب تقديم الخدمات الطبية كبقية الدول الأخرى التي نجحت في جذب السياحة الطبية.

وأخيرا نقول بأن السياحة العربية تواجه اليوم العديد من التحديات تتمثل في الحروب والمناوشات والاضطرابات القائمة في بعض الدول العربية، الأمر الذي يتطلب إيجاد الأمن والسلام والهدوء في كل بقعة منها. فجميع مواقع التواصل الاجتماعي تضج بالاخبار التي تتناول ما يحدث اليوم من الأحداث السلبية في اليمن وسوريا ومصر وغيرها من الدول العربية التي فقدت كثيرا من التراث بسبب تلك الحروب، في الوقت الذي يقوم الكتاب في تلك الوسائل بالترويج للسياحة في دولهم. كما أن التحديات الاقتصادية الراهنة وتقلبات أسعار النفط تؤثر على عمل هذا القطاع، الأمر الذي يتطلب مواصلة الجهود للتغلب على كافة تلك التحديات من خلال العمل المشترك وتفعيل بنود الاسترتيجية العربية للسياحة وتعزيز المبادرات المشتركة لتطوير المشاريع وجذب المزيد من الاستثمارات والسياح إلى المنطقة لتتمكن من تحقيق التنويع الاقتصادي الذي تشدو إليه السياسات العامة للدول العربية.