أفكار وآراء

برلين تخشى تدخل موسكو في الحملة الانتخابية العام القادم

16 ديسمبر 2016
16 ديسمبر 2016

سمير عواد -

طلبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مطلع العام من الاستخبارات الألمانية، التأكد ما إذا كانت روسيا تتدخل في السياسة الألمانية، وما إذا كانت تعمل لنشر معلومات خاطئة ومحاولة التأثير على الأحداث السياسية في ألمانيا، وخاصة التأثير على الانتخابات القادمة .

 والسبب الذي جعل ميركل تقوم بهذه الخطوة، هي قضية الفتاة الألمانية من أصل روسي وتُدعى «ليزا»، التي زعمت أنها تعرضت إلى الاعتداء من قبل شاب يُشتبه بأنه عربي، ثم تبين للشرطة الألمانية أن المسألة كانت ملفقة.  

لكن في هذه الأثناء طلب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مؤتمر صحفي من ألمانيا التحقيق في القضية والقبض على الشاب المزعوم، مما جعل نظيره الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، يؤكد له أن الشرطة الألمانية حققت بالأمر وتبين لها أن الفتاة ابتدعت القضية. غير أن وسائل الإعلام الروسية التي يشاهدها الألمان من أصل روسي، كانت قد بدأت حملة احتجاج ضد ألمانيا ونظم الألمان من أصل روسي مسيرات أمام ديوان المستشارية مطالبين بما وصفوه بالعدالة. منذ ذلك الوقت، أصبحت برلين تنظر بشك إلى ولاء الألمان من أصل روسي، وأدركت أنهم يُعتبرون الذراع الطويلة لموسكو في ألمانيا.

وبعد نشر تقرير السي آي إيه الذي اتهم روسيا بمحاولة التأثير على انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، والعمل على ترجيح كفة دونالد ترامب ضد منافسته هيلاري كلينتون، أصبحت برلين تتساءل عما إذا كانت موسكو تفكر بالتدخل أيضا في الانتخابات العامة التي ستجري في ألمانيا في العام القادم، وحيث ستسعى ميركل للفوز بولاية رابعة.

ونقلت وسائل الإعلام الألمانية عن ميركل قولها «إننا نواجه منذ وقت وحتى الآن هجمات قادمة من روسيا عبر الإنترنت، التي تحاول الترويج لمعلومات كاذبة». وأضافت أن مواجهة هجمات القرصنة المعلوماتية هذه ليس أمرا سهلا، ونعتقد أن الهدف منها هو التأثير على الحملة الانتخابية المقبلة.

ونقلت صحيفة «بيلد» الألمانية الواسعة الانتشار عن خبراء ألمان، قولهم إن لدى بوتين رغبة قوية في إثارة البلبلة بين الناخبين الألمان، لهدف هز ثقتهم بميركل، التي تتزعم الحزب المسيحي الديمقراطي، وترجيح كفة حزب اليسار الألماني، الذي يُعتبر خليفة الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية السابقة، والحزب الشعبوي «البديل من أجل ألمانيا». وقالت الصحيفة إنه «لدى أجهزة الأمن الألمانية معلومات مؤكدة بأن روسيا تخطط لحملة نشر الأضاليل لهدف إضعاف المستشارة الألمانية.

وبحسب الصحيفة، فإن هدف بوتين من إطاحة ميركل عن منصبها الذي تتربع عليه منذ نوفمبر 2005، هو التخلص منها، لأنها من وجهة نظره، الزعيمة الأوروبية الوحيدة التي بوسعها قيادة حملة مناهضة له، خاصة وأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وصفها بالزعيمة الوحيدة في أوروبا التي تدافع عن عالم ديمقراطي حر. وقالت عنها صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية «بعد مرور أحد عشر عاما على وجودها في منصب المستشارة، فإنها تُعتبر آخر ضمان للاستقرار في أوروبا. وحتى لو أن بوتين قال مرارا إنه يقدر ميركل كشريكة في الحوار، إلا أنه يعتبرها حجر عثرة أمام تحقيق هدفه في إضعاف الاتحاد الأوروبي وانقسامه.

وقد أكد برونو كاهل، الرئيس الجديد للمخابرات الألمانية، مخاوف ألمانيا من هذه الممارسات، عندما صرح قبل أيام، بأن هناك احتمالا كبيرا، بأن يحاول قراصنة الإنترنت الروس، التأثير على الحملة الانتخابية في ألمانيا وقال «لدينا أدلة بأن هناك هجمات عبر الإنترنت، لغرض الترويج للشائعات وإثارة البلبلة. وأشار إلى أن الهدف البعيد للهجمات هو التقليل من أهمية الديمقراطية، مؤكدا أن التحقيقات التي قام بها الجهاز الألماني، قد أوضحت أن قراصنة روس هم الذين يقومون بهذه الحملة. وبينما كشف عن صعوبات تقنية لمعرفة ما إذا كانت هذه الهجمات تلقى تأييدا من الجهات السياسية العليا في موسكو، أكد برونو كاهل أن هناك علامات توضح أن تلك الجهات تغض الطرف عن هذه الممارسات، وأن المسؤولين عنها يريدون إبلاغنا رسالة بأنهم قادرون على القيام بحملاتهم متى رغبوا في ذلك.

وصرح هانس جيرجماسن، رئيس البوليس السياسي الألماني، أن روسيا أصبحت تلعب دورا رئيسيا في شن هجمات إلكترونية، وأن الهجمات العديدة التي يُعتقد أن روسيا قامت بها، ضد أجهزة كمبيوتر تابعة لأعضاء في البرلمان الألماني، ومؤسسات حكومية ألمانية، وضد شركة الاتصالات الألمانية «تيليكوم، تسببت في تعطيل أجهزة التواصل لحوالي مليون مواطن ألماني.  ويقول المراقبون إن اتهام مسؤولين ألمان، روسيا بشن هجمات إلكترونية ونشـر شائعات ضد الحكومة الألمانية، يهدف إلى إقناع المواطنين الألمان، عند تلقيهم رسائل تتضمن معلومات كاذبة وملفقة، بعدم أخذ هذه المعلومات على محمل الجد وحذفها من بنك المعلومات، لكي تفقد أهميتها. وعلى الرغم من أن خبراء أمن ألمان يتهمون قراصنة الإنترنت الروس، لكنه ليس لديهم أدلة دامغة. وفيما صرحت ميركل أنها لا تعرف من هو المسؤول عن هذه الهجمات المتتالية، أكدت أن قراصنة الإنترنت الروس، معروفون بهذه الممارسات، ودعت المواطنين الألمان إلى تجاهل الرسائل والمعلومات التي يتلقونها من القراصنة، وأضافت أن الألمان سيظلون يتمسكون بمواقفهم السياسية ولن يسمحوا لأحد بالتأثير عليهم.

وبحسب آرنيشونبوم، رئيس المكتب الاتحادي لأمن المعلومات، الذي يتولى جهازه مراقبة الإنترنت، فإن هجوم القراصنة الروس على شركة «تيليكوم» الألمانية، يثير القلق، لأنه يوضح إلى أي مدى يمكن تهديد أمن المواطنين الألمان، وتعطيل أجهزتهم. وأوضح أنه ينبغي في المستقبل التعود على مواجهة هجمات من هذا النوع وربما أسوأ.

وتجدر الإشارة إلى أن المسؤولين الروس نفوا اتهاما بالمسؤولية عن حملات القرصنة في الولايات المتحدة وألمانيا. غير أن ألمانيا التي تستعد لحملة انتخابية ساخنة، تحدد مصير ميركل، بسبب سياستها تجاه اللاجئين وازدياد شعبية حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، تحتل أهمية عند الروس، الذين سيحاولون التأثير على الانتخابات لمنع فوزها، مثلما أيدوا ترامب ضد كلينتون. ومن أبرز الأسباب التي تجعل الروس يسعون لمنع انتخاب ميركل، هو موقفها من ضم إقليم القرم إلى روسيا، وتأييدها للرئيس الأوكراني بيتروبوروشينكو في الأزمة الأوكرانية، كما تُعتبر ميركل الخصم الرئيسـي بالنسبة للشعبويين الأوروبيين الذين يقللون من أهميتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويرون أن خسارة ميركل سيؤدي إلى انهيار الاتحاد الأوروبي. ولفتت ميركل الانتباه لهذه الحملة التي تستهدفها عندما قالت أمام البرلمان الألماني مؤخرا «يجب أن نتعلم كيف نواجه المواقع الكاذبة التي تنشـر الأضاليل والتأثير على الناس». ولا يكتفي المتطرفون اليمينيون الألمان مثل حركة «بيجيدا» العنصـرية بالتقليل من أهمية ميركل والدعوة إلى تنحيتها من منصبها. فقد جاء في تقرير نشـره المجلس الأطلسـي حول نفوذ روسيا في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، أن موسكو تستغل حملتها الدعائية في ألمانيا، للتأثير على القرارات السياسية الألمانية.