الاقتصادية

صناعة النفط تستعيد حيويتها بعد اجتماع أوبك

15 ديسمبر 2016
15 ديسمبر 2016

ترجمة قاسم مكي - الإيكونومست -

يسمون أنفسهم في اعتزاز صائدي الأفيال. إنهم الجيولوجيون الذين يمسحون وينقبون في الأعماق الخطرة للمحيط القطبي الشمالي أو في مكامن النفط البرازيلية تحت الترسبات الملحية في المحيط الأطلسي أو قبالة ساحل غرب إفريقيا أو في المياه العميقة لخليج المكسيك بأمل تحقيق اكتشافات نفطية «عملاقة» يمكنها توليد البلايين من الدولارات النقدية لشركاتهم على مدى عقود قادمة. وهم في بعض الحالات يحصلون على حقوق التسمية. فخليج المكسيك تنتشر فيه حقول استكشاف مسماة بأسماء زوجات الجيولوجيين (ما قد يسبب لهم مشاكل معهن في حال اكتشاف خلوها من النفط) أو بأسماء ألبوماتهم وفرقهم الغنائية المفضلة أو نجومهم أو هتافات مباريات كرة القدم التي يستحسنونها. إنهم جزء من فلكلور صناعة النفط. السؤال هو: هل هؤلاء الجيولوجيون نوع في سبيله إلى الانقراض؟ (بمعنى هل ستتلاشى الحاجة إلى عمليات البحث عن حقول نفطية عملاقة؟) توحي عدة صفقات استكشاف نفطي أعلن عنها هذا الشهر وتنتشر مناطقها من المياه العميقة لخليج المكسيك إلى البر الإيراني بأن صناعة النفط ربما تتجنب المشاريع الباهظة الكلفة في مناطق غير مستكشفة وتتبني بدلا من ذلك سياسة تضع في بالها تكلفة الاستكشاف والإنتاج. في الأول من ديسمبر الحالي، صادقت «بريتش بيتروليوم»، وهي إحدى كبريات شركات النفط، على مشروع استثمار بقيمة 9 بلايين دولار لتركيب منصة حفر ثانية في الحقل التابع لها (ماد دوج) في المياه الأمريكية بخليج المكسيك (ركبت الشركة المنصة الأولى به في عام 2005). اكتشف هذا الحقل النفطي في عام 1998. وهو يحوي ما يصل إلى 4 بلايين برميل من النفط والغاز. وحين اقترحت بريتش بتروليوم تنفيذ المشروع الجديد في أوائل هذا العقد كانت تكلفته 20 بليون دولار أمريكي. (بحسب موقع الشركة تشمل المرحلة الأولى من مشروع ماد دوج أو «الكلب المسعور» إنشاء منصة جديدة عائمة تصل سعتها الإنتاجية إلى 140 ألف برميل من النفط الخام في اليوم من 14 بئرا إنتاجية ويتوقع بداية الإنتاج في عام 2021. أما التصميم الجديد والمبسط للمنصة فقد خفض التكلفة الإجمالية للمشروع بحوالي 60%. ومن المتوقع أن يكون تنفيذ هذا المشروع الذي صار أكثر رشاقة اليوم، بتكلفة مقدارها 9 بلايين دولار، مربحا عند مستوى أسعار النفط الحالية أو أقل منها- المترجم.)

هدف الشركات تحقيق أرباح عند

سعر 50 دولارا للبرميل

ثم بعد أيام لاحقا، تقدمت كبرى الشركات النفطية في العالم ومن بينها بريتش بتروليوم بعطاءات سخية للاستكشاف والإنتاج في مناطق تقع في المياه المكسيكية في الخليج. وتأمل المكسيك في تأمين استثمارات من الشركات في المياه العميقة تصل قيمتها إلى 40 بليون دولار. لقد ظل الاستثمار «الخاص» في النفط المكسيكي محظورا منذ أعوام الثلاثينات وحتى عام 2014. لذلك اتسم استكشاف النفط هناك بالإثارة التي ترتبط بالأعمال الريادية عادة (من منظور القطاع الخاص). ولكن المياه المكسيكية أيضا منطقة مألوفة حيث تقع بعض مناطق الامتياز قبالة الحدود البحرية من أمريكا. وما عزز من الإحساس بالحركة في هذا الاتجاه توقيع شركة «رويال دتش شل» البريطانية- الهولندية مذكرة تفاهم أولية في 7 ديسمبر لتطوير النفط في إيران على الرغم من عداء رونالد ترامب للاتفاق النووي الذي أبرمه باراك أوباما واحتمال تجديد العقوبات. وكان هذا التوقيع قد أعقب صفقة مماثلة عقدت بين إيران وشركة توتال الفرنسية في الشهر الماضي. تظهر مثل هذه الخطوات غير العادية أن كبرى شركات النفط، ولأول مرة منذ تدهور أسعاره قبل عامين ونصف العام، بدأت ترفع رؤوسها فوق مزاغل قلاعها (تتخلى عن تحفظها) بحثا عن مصادر جديدة ووفيرة للنفط تمكنها من عبور العقد القادم (العشرية الثالثة لهذا القرن) بنجاح. ويأتي ذلك بعد أيام من توصل منظمة المنتجين «أوبك» إلى اتفاق لإنقاذ أسعار النفط. وهو اتفاق يقول قادة الشركات النفطية أنه عزز الثقة في اتجاه السوق نحو الاستقرار. وعلى الرغم من ذلك لم تجلب هذه الإشارات المتفائلة السرور إلى قلوب صائدي الأفيال (جيولوجيي النفط الباحثين عن حقول ضخمة). لقد كافحت صناعة النفط لسنوات من أجل تغطية احتياجاتها الاستثمارية ومدفوعات عوائدها. وهي بالكاد تمكنت من مساواة إيراداتها بنفقاتها في الفترة الممتدة من 2012 إلى 2014 على الرغم من أن أسعار النفط في بعض الأوقات كانت قد تجاوزت 100 دولار للبرميل. والآن عند نصف ذلك السعر، يلزمها بذل قصارى جهدها (بمزيد من التقشف في الإنفاق) لإرضاء حملة الأسهم الذين يعتمدون على عائداتها. وكانت نتيجة ذلك المسعى من جانبها تدهورا تاريخيا في قيمة استثمارات النفط والغاز. فقد سجل رقما قياسيا بلغ 780 بليون دولار في عام 2014. ومنذ ذلك التاريخ هبطت قيمة الاستثمارات النفطية بحوالي 340 بليون دولار. ويقول مسؤولو شركات النفط إنهم يحاولون ابتدار دورة استثمارية جديدة بدون إهدار الأموال. يقول توم كالاهان، المسؤول بشركة بي إتش بي بيليتون، الاسترالية العاملة في مجال النفط والغاز أن الهدف هو المحافظة على اللياقة الصحية في سن الخمسين (يعني ذلك أن يكون بمقدور الشركات جني أموال وفيرة عند سعر 50 دولارا أو أقل للبرميل». وكانت الشركة المذكورة قد فازت في الخامس من هذا الشهر بعطاء تنفيذ مشروع بقيمة 11 بليون دولار لتطوير حقل ترايون في المكسيك مع شركة بيميكس النفطية المملوكة للدولة. ويوحي الخفض الذي تحقق بنسبة 60% للتكلفة المقترحة للمشروع رقم 2 التابع لشركة بريتش بتروليوم في منطقة «ماد دوج» أن هنالك شحوما كثيرة تلزم إزالتها (خفض الكثير من النفقات). لقد كانت الشركة تنوي مبدئيا تركيب أحدث منصة عائمة (سبار) مفصلة خصيصا، حسبما يقول أحد المسؤولين، مثل «بدلة» من أحد محلات الأناقة بشارع «سافيل رو» في لندن. لقد تم وضع ذلك المشروع جانبا (تم التخلي عنه) في عام 2013. والبديل له هو نسخة قياسية (بدلة جاهزة) على الرغم من أن شركة بريتش بتروليوم تَعِد بعدم التساهل في الجانب المتعلق بمقتضيات السلامة. وستكون هذه هي المنصة الأولى للشركة منذ التسرب النفطي الذي شهدته منصة «ديبووتر هورايزون» أيضا في خليج المكسيك عام 2010. ورغم إدراك بريتش بتروليوم أن سيطرة أوبك على سعر النفط قد تتلاشى وأن ضغوطا في الأجل الطويل سيتعرض لها النفط بسبب التغير المناخي وبلوغ «ذروة الطلب» إلا أنها تهدف إلى ضمان أن تكون ثلاثة أرباع مثل هذه الوفورات في التكلفة وفورات هيكلية وأن ينجم ربعها فقط عن الانتعاشات الدورية. هنالك شك في قدرة صناعة النفط على شد الحزام (الاقتصاد في إنفاقها.) فأسعار أسهم شركات الخدمات النفطية، بما في ذلك الشركات التي يتركز عملها في الحقول البحرية مثل شركة شلمبيرجر، قفزت منذ إعلان اتفاق أوبك. وهذا ما يُوحِي بأن المستثمرين يتوقعون أن يكون بمقدور هذه الشركات رفع أثمان خدماتها. يناقش مسئولو بريتش بتروليوم عدة طرق للسيطرة على التكاليف على الرغم من أنه يقرُّون بأنهم فقط «يخدشون السطح» في هذا الجانب (أي لا يتوغلون كثيرا في خفض النفقات). لقد انسحبت الشركة من مشروعات جديدة يمكن أن تكون مكلفة مثل مشروع الخليج الأسترالي العظيم وفضَّلَت بدلا عن ذلك مناطق معروفة أكثر. (وفي الأثناء تخلت شركة شل عن المحيط القطبي الشمالي). وقد لا تضيف بريتش بتروليوم جديدا إلى حجم مخزونها الاحتياطي من الموارد النفطية البالغ 45 بليون برميل. وهو مخزون سيدوم لفترة تمتد إلى 52 عاما بمعدلات إنتاجها الحالية. ربما أنها ستستبدل البراميل غير الاقتصادية بأخرى أرخص (إنتاجا). ولكنها أيضا ستستخرج من هذه الموارد ما يصل إلى 15 بليون برميل بحلول عام 2030.

الاستفادة من تجارب الصناعات

الأخرى لاكتساب المزيد من الرشاقة

كما شرع مسؤولو الشركات النفطية في دراسة الصناعات الأخرى (بدءا من صناعات وادي السليكون إلى صناعة السيارات) بحثا عن نماذج تقتدي بها كي تكون أكثر رشاقة (التخلص من الزوائد الإنفاقية). وذلك سيتطلب منها ترشيد المخزونات السلعية والقوة البشرية.

فمثلا في أجزاء من أمريكا خفَّضت بريتش بتروليوم عدد العاملين الذين يراقبون الآبار بحوالي ثلاثة أرباع واستخدمت لذلك الغرض تطبيقات الأجهزة النقالة بدلا عنهم. وهي تخطط لإنزال ألياف بصرية إلى آبارها بقصد الإنصات إلى المشاكل التي تحدث هناك مثل تسربات الرمل في أعماق بعيدة عن السطح مما يجنبها الحاجة إلى القيام بإصلاحات باهظة التكلفة لاحقا.

يقول آندرو ليذم، وهو مسؤول بشركة وود مكنزي للاستشارات، أن الغاز سيكون أفضل رهان لشركات النفط الكبرى من أجل ضمان مستقبل أكثر استدامة اقتصاديا إلى جانب خفض التكاليف. فالغاز يمكن أن يكون أرخص إنتاجا وأسهل استكشافا من النفط. وربما أن هنالك كميات وفيرة من الغاز، وليس النفط، في انتظار صائدي الأفيال.