أفكار وآراء

موسكو تراهن بحذر على دونالد ترامب

14 ديسمبر 2016
14 ديسمبر 2016

د.فالح حسن الحمراني -

إعلامي عراقي مقيم في موسكو -

تلقت موسكو بتفاؤل حذر فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية بأمريكا. وأعرب ممثلو السلطة والمراقبون عن ارتياحهم للنتائج التي كانت غير متوقعة لهم. وكان فوز ترامب مفاجأة بالنسبة لموسكو واعتقد البعض أن النخبة السياسية الأمريكية ستسرق فوزه في حال تحقيقه، ولكن هذا لم يحصل. وتترقب موسكو الخطوات الأولى التي سيقوم بها ترامب وإذا ما كانت ستجسد خطابه الانتخابي الذي أفاد بتحسين العلاقات مع روسيا وإعادة النظر بمجمل السياسة الخارجية. وكان الرئيس بوتين من بين أوائل زعماء العالم الذين بعثوا ببرقية تهنئة لترامب يهنئه فيها بالفوز. وأعرب الرئيس الروسي عن الأمل بأنه سيتمكن من التعاون مع رئيس الولايات المتحدة الجديد، من اجل إخراج العلاقات الثنائية من حالة التأزم، وحل القضايا الدولية ومواجهة التحديات العالمية في مجال الأمن.

يشار إلى أن أزمة العلاقات الروسية الأمريكية، التي اشتدت على خلفية الأزمة الأوكرانية وانضمام شبه جزيرة القرم ذات الأهمية الاستراتيجية لروسيا في عام 2014، شملت كافة  أجندة العلاقات بين البلدين، وجمدت برامج التعاون وخفضت الثقة المتبادلة، وتراجعت مستويات التبادل التجاري وتوقف التعاون العسكري والأمني وفي المجالات الإنسانية. وفرضت واشنطن عقوبات اقتصادية شديدة، على عشرات المسؤولين رفيعي المستوى، ومن رجال الأعمال والإعلام ، وعلقت روسيا العمل باتفاق مع الولايات المتحدة ينص على التخلص من فائض البلوتونيوم الجاهز لديها لصناعة الأسلحة النووية، واستعرت بين البلدين حرب إعلامية قاسية، كما تصاعدت المواجهة العسكرية مما حدا بالمراقبين الحديث عن « نشوب» حرب باردة جديدة اخطر من الحرب «التي وضعت أوزارها» عقب انهيار الاتحاد السوفييتي السابق.

واحتلت روسيا مكانة مركزية في الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة. وفي بداية الأمر انتقد الديمقراطيون ترامب لتعاطفه مع فلاديمير بوتين. واتهمت واشنطن الكرملين بالوقوف وراء هجمات «الهاكر» على ملقمات كومبيوترات اللجنة الوطنية لمقر الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي، وراحت تفتش عن «أصابع روسيا» في الانتخابات. وأكدت المخابرات المركزية الأمريكية على ان الكرملين سلم لموقع ويكيليكس للتشهير بمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون وتذكروا أن مستشار ترامب بول مانافورت، قدم استشارات للرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، وأن ترامب نفسه زار روسيا وتحدث بود عن الرئيس بوتين. حتى أن الرئيس أوباما أعلن أن روسيا ستحاول التأثير على سير الانتخابات الأمريكية. من ناحيته نفى الرئيس بوتين أي تدخل من جانب موسكو، وقال: إن أمريكا دولة عظمى ولا يمكن التأثير عليها من قبل أية دولة أخرى.

وتوجست روسيا من ان وصول هيلاري كلينتون واعتمادا على خطابها الانتخابي سوف يعمق الخلافات الروسية /‏‏ الأمريكية، وان إدارتها ستمضي بشوط أبعد في المواجهة مع روسيا بما في ذلك العسكرية، وتدفع الدول الداخلة في محورها لا سيما في البلطيق وشرق أوروبا للقيام بأعمال استفزازية، فضلا عن مواصلة إحاطة روسيا بالقواعد العسكرية، لذلك فإنها استقبلت بارتياح خطاب ترامب الذي يطالب بتحمل الدول الأوروبية نفقات التواجد العسكري الأمريكي والتفاهم مع موسكو حول الأمن العالمي.

وأعلن وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف عن استعداد السلطات الروسية العمل مع أي رئيس أمريكي. وقال: ليس بوسعي القول إن زعماء شركائنا السابقين كانوا في كافة الأوضاع مفهومين» وأضاف: سوف نحكم بالأفعال، وسوف نرد بعمل على عمل. وأشار لافروف أيضا إلى أن القيادة الروسية لم تفضل مرشحا على آخر خلال الماراثون الرئاسي.

وتمحور الاهتمام بالدرجة الأولى في مختلف الدوائر الروسية حول افق العلاقات التي ستٌقام بين موسكو وواشنطن بعد فوز ترامب الذي تعوزه الخبرة السياسية. ويعرب غالبية المراقبين عن الشكوك بان دخول ترامب للبيت الأبيض سيحدث انعطافا في العلاقات الروسية /‏‏ الأمريكية. وأعرب رئيس «مركز المصالح العالمية» في واشنطن نيكولاي زلوبين عن شكوكه بمقدرة ترامب في القريب على تحسين العلاقات مع روسيا والسير بعكس الرأي الراسخ في وسط النخبة الأمريكية. منوها « ان أية تغيرات في العلاقات بين موسكو وواشنطن لن تحدث» وأضاف: إن ترامب سيقوم بخطوات سطحية، ولكن من الصعب إجراء تغيرات جذرية في العلاقات مع روسيا، وان هذا يحتاج إلى وقت طويل والعمل مع نخبته. موضحا إن ترامب كسياسي مبتدئ سيعتمد على الفريق المحيط به بما في ذلك نائب الرئيس صاحب الميول المعادية لروسيا وعلى من سيختاره وزيرا للخارجية، وأشار إلى أن ترامب سيعتمد في المرحلة الأولى على الفريق المحيط به اكثر من اعتماد هيلاري كلينتون على فريقها،  معربا في الوقت نفسه عن القناعة «بأن تغيرات ستجري حتما على النهج السياسي الأمريكي». ويرى غالبية المراقبين انه من السابق لأوانه الكلام عن أفاق العلاقات بين موسكو وواشنطن في ظل رئاسة ترامب. مشيرون إلى أن ترامب سيستلم منصبه في 20 من يناير القادم. وعليه أن ينظم علاقاته بالكونجرس، حيث هناك القلة الذين يميلون لروسيا. وان الكثير سيعتمد على روسيا أيضا، وهل ستحاول استغلال نتائج هذه الانتخابات غير المتوقعة؟.