العرب والعالم

عام 2017 يشكل قفزة إلى المجهول

14 ديسمبر 2016
14 ديسمبر 2016

بعد صدمة الشعبوية -

نيويورك-(أ ف ب): شهد العام 2016 فوز بريكست ودونالد ترامب ما يجعله عام الزلزال الشعبوي على ضفتي الأطلسي ويطرح أسئلة كثيرة حول الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في أوروبا وحول سياسة البيت الأبيض.

من 23 يونيو إلى 8 نوفمبر 2016، وبفارق أربعة أشهر ونصف، ترجم ملايين البريطانيين والأمريكيين خلالها في صناديق الاقتراع «رفضا للمؤسسة» و«شعورا مماثلا من الاستياء» من العولمة والهجرة والإرهاب، كما يقول ريتشارد وايك من مركز بيو للبحوث.

وتوجه إلى العولمة والهجرة تهمة أضعاف فرص العمل والإخلال بالمعايير الديموغرافية والثقافية. وحتى في الولايات المتحدة بلد التنوع يربط كثيرون بين الهجرة والأمن، كما يقول.

وفي أوروبا من هولندا إلى بولندا، ومن السويد إلى إيطاليا، تتكرر مثل لازمة، المقارنة مع الثلاثينات من القرن العشرين. وبات الأفق السياسي مقرونا بالتقلبات التي تشهدها التحركات الواعدة بالانعتاق من النخب المدينية وتلك التي يوجد مقرها في بروكسل، و«إعادة» البلاد إلى طبقاتها الوسطى.

هل ينبئ وصول دونالد ترامب في 20 يناير إلى رئاسة أقوى ديمقراطية في العالم، بسيطرة الشعبويين على السلطة في أوروبا؟

وكما حصل خلال حملات بريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) أو الرئاسة الأمريكية، سيطرت على النقاشات التي سبقت الانتخابات مواضيع يوليها الشعبويون اهتمامهم، مثل عواقب العولمة والهجرة وإدماج المسلمين. وأجج هذه النقاشات وصول أكثر من 1،3 مليون شخص إلى القارة العجوز منذ 2015م يشكل المسلمون القسم الأكبر منهم، ومجموعة من الاعتداءات الدامية التي شنها متشددون.

وبعد هزيمة المرشح الشعبوي نوربرت هوفر في الانتخابات الرئاسية النمساوية في الرابع من ديسمبر أعربت الأحزاب التقليدية وتلك المؤيدة لأوروبا عن ارتياحها لنجاة البلاد من «تأثير ترامب».

لكن هؤلاء أنفسهم باتوا يعربون عن قلقهم حيال إيطاليا الاقتصاد الثالث في منطقة اليورو بعد استقالة رئيس الحكومة ماتيو رينزي. ويمكن أن تؤدي هذه الاستقالة إلى انتخابات مبكرة ألهبت حتى الآن حماس الشعبويين في حركة 5 نجوم ورابطة الشمال.

وستجري هولندا أيضا انتخابات نيابية في مارس. ويمكن أن يحل حزب المتطرف المعادي للمسلمين غيرت فيلدرز في الطليعة للمرة الأولى، حتى لو أن المشهد السياسي الهولندي الشديد التشرذم، يمكن أن يمنعه من تشكيل تحالف حكومي.

وستليها في مايو الانتخابات الرئاسية الفرنسية. ومن المنتظر وصول الجبهة الوطنية ومرشحتها مارين لوبن إلى الدورة الثانية، لمواجهة المحافظ فرنسوا فيون، حتى لو أن قرار الرئيس المنتهية ولايته فرنسوا هولاند بألا يترشح يفتح أبواب اللعبة السياسية على مصراعيها.

وفي الخريف ستعلن انجيلا ميركل ترشحها أمام الناخبين. وبعدما قاومت فترة طويلة افضل من جيرانها الموجة الشعبوية، تواجه اليوم المستشارة الألمانية التي استقبلت في 2015 أعدادا كبيرة من اللاجئين، بروز حزب اي.دي.اف المعادي للهجرة والمعادي للإسلام، الذي حصل على حوالى 13% من الأصوات المؤيدة، وانتقادات حادة في إطار حزبها السياسي.

وتؤكد استطلاعات الرأي حاليا فوز ميركل وخسارة لوبن. لكن ما زال من الممكن أن يتغير كل شيء، وفقد معدو الاستطلاعات مصداقيتهم بعدما توقع معظمهم هزيمة بريكست وانتخاب هيلاري كلينتون.

ويعتبر ياشا مونك الباحث في مدرسة هارفرد الحكومية أن «الغموض كبير» للعام 2017. وأضاف «ثمة أمر واحد أكيد: فانتخاب ترامب يثبت أن لا حدود طبيعية لنمو الحركات الشعبوية. وإذا ظن الناس أنه من المستحيل أن تفوز مارين لوبن فإنهم يرتكبون الخطأ نفسه الذي ارتكبه كثير من أصدقائي الذين ظنوا أن ترامب لا يمكن أن يفوز».

هل سيكون ترامب برلوسكوني الأمريكي؟ شخص براغماتي قادر على تقديم حلول مبتكرة لإنعاش الولايات المتحدة؟ أو نرجسي لا يمكن توقع تصرفاته على رأس القوة النووية الأولى في العالم؟

ويقول مونك إن القلق يمتد أيضا إلى القواعد نفسها التي تضبط النظام الديمقراطي الأمريكي. وقال: إن ترامب يمكن أن «يهدد مبدأ فصل السلطات»، ويجعل من الولايات المتحدة «ديمقراطية فاشلة، مثل أوكرانيا أو بعض بلدان أمريكا اللاتينية».

وقال جيوفاني غريفي المحلل لدى «مركز السياسة الأوروبية» في بروكسل: إن «فوز ترامب يعطي الشعبويين بعض الثقة» على الفور و«يسهل خطابهم»، ولكن تقدمهم كما قال رهن كثيرا بالطريقة التي سيعتمدها ترامب «لترجمة وعوده خلال الحملة الانتخابية إلى أفعال ملموسة»: كإعادة ملايين فرص العمل في التصنيع التي ذهبت إلى الصين أو إلى المكسيك، وإعادة المهاجرين إلى بلدانهم، وهذه أولويات يؤيدها الشعبويون الأوروبيون.

وأعلن بعض المسؤولين الشعبويين الأوروبيين أنهم حلفاؤه، مثل مارين لوبن التي كانت أول من هنأ ترامب، أو الزعيم الرافض لأوروبا نايجل فاراج الذي كان أول أجنبي يزوره.

وبغض النظر عن الإطار السياسي الخاص بكل بلد، ما زالت أوروبا التي واجهت حتى الآن أزمتي اليورو واللاجئين، «معرضة للأخطار»، كما ذكر غريفي.

وخلص إلى القول إن أزمة جديدة والطريقة التي ستعتمدها البلدان الأوروبية للعمل سوية من أجل مواجهتها، ويمكن أن تشكل الفارق حيال مستقبل القوى الشعبوية» الأوروبية.