أفكار وآراء

معركة ميركل المصيرية

02 ديسمبر 2016
02 ديسمبر 2016

سمير عواد -

بدأت الحملة الانتخابية في ألمانيا بإعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مساء الأحد الموافق 20 نوفمبر 2016م ترشيح نفسها لولاية رابعة. وتشغل ميركل منصب رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم منذ ستة عشر عاما، ومنصب المستشارة منذ أحد عشر عاما.

لم يكن إعلان المستشارة مفاجأة للمراقبين داخل ألمانيا وخارجها، ولكنهم لاحظوا أنها تأخرت مما أثار شكوكا لديهم باحتمال تخليها عن منصبيها؛ بسبب الانتقادات القوية التي تتعرض لها سياستها خاصة تجاه اللاجئين منذ أشهر. وإذا فازت ميركل التي تبلغ 62 عاما من العمر بولاية رابعة فإنها ستتجاوز الفترة التي قضاها مستشار الوحدة الألمانية هيلموت كول رئيسا للحزب المسيحي الديمقراطي ومنصب المستشار الألماني، علما أنها أول امرأة فازت بمنصب المستشارة في نوفمبر 2005 خلفا للمستشار السابق جرهارد شرودر.

واستطاعت ميركل الاستفادة من ضعف المعارضة الألمانية، وخاصة منافسها الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي خسر السلطة عام 2005م، ولم ينجح في استعادتها منذ ذلك الوقت. لكنه يأمل في العام القادم أن يستعيدها تحت قيادة إما رئيسه الحالي زيجمار جابرييل نائب المستشارة وزير الاقتصاد والطاقة، أو مارتن شولتس، رئيس البرلمان الأوروبي، بانتظار أن يحسم أحدهما المنافسة لصالحه في يناير القادم، لينافس ميركل على منصبها باسم الاشتراكيين الألمان.

وما يجعل الاشتراكيين يأملون بالتغيير والإطاحة بميركل هو تشكيل حكومة ائتلاف في ولاية برلين تجمع الاشتراكيين مع حزبي الخضر واليسار، وهو الأول من نوعه، ويعتقدون أن ما أنجزوه على مستوى ولاية برلين يستطيعون تحقيقه بعد الانتخابات العامة القادمة.

وسوف تضطر ميركل لخوض حملة انتخابية لم تكن بحاجة في السابق للقيام بهذا الجهد فيها؛ لأنها كانت تعتقد دائما أن غالبية الناخبين حتى الذين كانوا يصوتون للأحزاب الأخرى سوف يمنحونها ثقتهم: أولا لأنهم كانوا يشعرون أن أوضاعهم الاقتصادية جيدة، ثم لأن ميركل تتمتع بسمعة جيدة خارج البلاد، وثالثا لأنهم لا يعتقدون أن هناك من يقوم بقيادة ألمانيا أفضل منها.

لكن شروط اللعبة بدأت تتغير منذ مارس الماضي حين فاز حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي بالانتخابات في ثلاث ولايات ألمانية، واستطاع الحصول في ولاية «مكلنبورج فوربومرن» الألمانية الشرقية على أصوات أكثر من التي حصل عليها حزب ميركل، كما حصل على أصوات في ولاية «بادن فورتمبيرج» جنوب ألمانيا أكثر من الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وأصبح هذا الحزب الشعبوي الذي يعتمد نهجه على نشر الخوف في نفوس المواطنين الألمان تارة من «هيمنة المسلمين على أوروبا»، وتارة تحرض ضد اللاجئين الذين يدين الحزب الشعبوي لهم بصعوده وأن يكون اليوم ثالث أكبر حزب في ألمانيا بعد الاتحاد المسيحي والاشتراكي.

وسوف يلعب الحزب الشعبوي دورا مهما في الحملة الانتخابية وسيكون له شأن في تحديد المصير السياسي لميركل، خاصة أنه استطاع أن يخطف أصوات مئات الآلاف من الناخبين الذين كانوا يصوتون لحزب ميركل خاصة وسائر الأحزاب التقليدية الأخرى بعامة.

وتعتقد ميركل أنها ستنجح في استعادة الناخبين الذين رفضوا تأييد حزبها في انتخابات الولايات وأيدوا الحزب البديل الشعبوي، كما تعتمد على سمعتها في الخارج للظهور أمام الناخبين الألمان بأنها الأفضل لتمثيل مصالح ألمانيا في العالم.

وقالت صحيفة «دي تسايت» الألمانية: إن الألمان يتوقعون منها حل أزمة اللاجئين، والعمل من أجل منع موجات جديدة من دخول ألمانيا وأوروبا، علما أن الجميع يحملونها نتائج أزمة اللاجئين خاصة الحزب الشعبوي الذي ينشر الشائعات لكسب الناخبين والزعم أن ميركل مهدت لدخول الإرهابيين إلى أوروبا وألمانيا مع اللاجئين، وأنها كبدت دافعي الضرائب الألمان مليارات طائلة لتحمل تكاليف استضافة مليون لاجئ ثبت لاحقا أن عددهم حوالي 800 ألف لاجئ.

وبحسب الصحفي الألماني فيليب فيتروك تعرف ميركل أن معركتها القادمة ليست سهلة مثل سابقاتها، فخصومها من اليمين المتطرف ومن اليسار سيحاولون منعها من تحقيق هدفها، كما أن لها خصوما في الاتحاد المسيحي مثل هورست زيهوفر رئيس حكومة ولاية بافاريا، بالإضافة إلى خصومها في حزبها الذين لم يكونوا يرغبون في أن ترشح نفسها. ولا يمكن التقليل من الخطر الذي يمكن أن يشكله التوتر الذي لم يشهد الاتحاد المسيحي في تاريخه مثله، وكاد يتهدده الانقسام؛ بسبب رفض ميركل الاستجابة للزعيم البافاري، وتشديد سياستها تجاه اللاجئين. والخطر الثاني من اليسار، حيث لأول مرة أصبحت الأحزاب اليسارية الكبيرة متفقة على الإطاحة بميركل، والائتلاف بين الاشتراكيين والخضر واليسار، هو الوصفة الوحيدة لتشكيل حكومة بديلة. ويقول بعض المعلقين: إن نجاح اليسار بتشكيل حكومة في ولاية برلين يجعلهم يصبون لتشكيل حكومة مماثلة على مستوى عموم ألمانيا في العام المقبل إذا حصلوا على تفويض من الناخبين الألمان.

لكن السياسة الخارجية جعلت ميركل تعجل في اتخاذ قرارها بعد يوم واحد على الزيارة الوداعية التي قام بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى برلين، وقال: «لو لي حق بالانتخاب في ألمانيا لانتخبتها .. وأشار بأصبعه إلى ميركل». ويقول الصحفي يتروك: إن البعض أصبح يرى ميركل عبارة عن «منقذة العالم الحر»، وضرورة أن تواجه بوتين وترامب والسعي لإنقاذ أوروبا من كبوتها بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتشار اليمين المتطرف في أوروبا. وأزمة اللاجئين التي من المحتمل أن تتفاقم إذا ألغت تركيا اتفاقية اللاجئين التي أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي.

وتخشى ميركل تنفيذ تنظيم - داعش - تهديداته وارتكاب اعتداءات إرهابية في ألمانيا، مما يساعد الشعبويين الألمان على الحصول على أصوات الناخبين الغاضبين من المؤسسة السياسية، وهو نفس الشعار الذي رفعه دونالد ترامب في حملته الانتخابية، وضمن له دخول البيت الأبيض ضد كافة التوقعات.