854921
854921
المنوعات

مستقبل تمثالي بوذا في باميان على طاولة البحث بعد 15 عاما على نسفهما

02 ديسمبر 2016
02 ديسمبر 2016

باميان (أفغانستان) «أ.ف.ب»: - بعد خمسة عشر عاما على نسف حركة طالبان تمثالي بوذا الصخريين العملاقين في مدينة باميان يأمل الأفغان بإعادة ترميم هذا المعلم التاريخي البارز غير أن الخبراء ينقسمون حيال طريقة مقاربة هذه المسألة مع إجماعهم على ضرورة الحفاظ على الموقع.

ويجتمع علماء آثار وخبراء في الترميم خصوصا من أفغانستان وهولندا واليابان وفرنسا ممن عملوا على ترميم وادي باميان في وسط أفغانستان المصنف على أنه «في خطر» من جانب منظمة اليونسكو منذ الخميس حتى السبت في مدينة ميونخ الألمانية.

وسيحاول الخبراء إحراز تقدم في هذا الملف المثير للجدل المرتبط بالحفاظ على التراث وبذاكرة وثقافة مجتمع ينزف بسبب العنف المستشري منذ عقود. ولا يزال الجميع في باميان، ومنهم المزارعون في حقول البطاطا المواجهة للمنحدرات في حالة حزن على المنحوتات العملاقة التي لم يبق منها إلا إطلال.

وكان أكبر هذين التمثالين المعروف بسالسال بطول 56 مترا في حين بلغ طول نسخته الأنثوية واسمها شاماما 38 مترا.

وقد قام مقاتلو طالبان بنسف هذين التمثالين في أبريل 2001 بحجة الالتزام بالشريعة الإسلامية الرافضة للأوثان، وفي مسعى لمحو هذا التاريخ البوذي بعد السيطرة على الولاية. كذلك قتلوا آلاف المدنيين من أقلية الهزارة المسلمة التي تتبع مذهب الإثني عشرية وتعتبر الحركة المتمردة أفرادها «كفارا».

- «أفراد من العائلة» - ويقول ممثل وزارة الثقافة الأفغانية حكيم صفا البالغ 27 سنة «جميعنا نشعر أننا فقدنا أحد أفراد العائلة»، مستذكرا الذهول الذي انتابه إزاء الدمار الذي طال موقع التمثالين بعد عودته من منفاه في باكستان.

ويؤكد أستاذ علم الآثار في جامعة باميان رسول شجاعي الذي يعمل أيضا في مجال الفنادق لتوفير لقمة العيش أن «الناس في القرى ينتظرون حقا ترميم التمثالين، هم يسألوننا «متى ستبدأون بذلك؟».

غير أن الدمار الذي طال التمثالين كبير لدرجة تسود معها شكوك إزاء إمكان ترميمهما: فقبالة الكوات الضخمة المحفورة في المنحدر جمعت منظمة اليونسكو وعلماء الآثار كتلا من الصخر بمقاسات مختلفة غير أن القسم الأكبر من التمثالين أصبح كومة ركام.

ويكشف خوليو بينديزو - سارميينتو مدير البعثة الأثرية الفرنسية في أفغانستان وعضو لجنة الحفاظ على باميان المجتمعة في ألمانيا أن «الدمار الكلي في التمثال الكبير. أما التمثال الآخر فلم يتبق منه الكثير أيضا. كذلك فإن المنحدر مهدد بالانهيار في أي يوم: إنه بمثابة سراديب من آلاف الكهوف المزينة والمتصلة في ما بينها بسلالم وأروقة كان يستخدمها الرهبان البوذيون إلى أن وصل المسلمون بين القرنين الثامن والحادي عشر.

ويشير عالم الآثار أيضا إلى أن المنحدر عبارة عن كتل أرضية متراصة يسهل الحفر فيها لكنها باتت هشة للغاية بفعل انفجار سنة 2001 الذي تسبب بشقوق عميقة تتسلل إليها الأمطار والثلوج.

وتحولت هذه الكهوف ملجأ لنازحين هاربين من الحرب بعدما واظب قرويون حتى فترة قريبة خلت على استخدامها كحظائر لحيواناتهم.

- «مقاربة تاريخية مشرفة» - ويشير غلام رضا محمدي ممثل اليونسكو في باميان إلى أن أولوية المنظمة الأممية «تكمن في حفظ الموقع وبقايا» التمثالين. وعززت اليونسكو بفضل تمويل ياباني الكوة المتروكة في موقع تمثال شاماما وتعتزم العمل على ذلك العائد لتمثال سالسال حيث ثمة سقالة عملاقة في المكان.

ومنذ سنة 2001م أخذ باحثون ألمان على عاتقهم مهمة «حماية الرسوم الجدارية» في حوالى أربعة آلاف كهف ورمموا قدمي التمثال الأصغر مستخدمين كتلا من الركام.

ويلفت المتخصص في تاريخ الفنون برت براخنثالر الذي يعمل في باميان منذ 2003 إلى أن «مصطلح ترميم خادع دوما إذ إنه يعني أننا سنعيد بناء التمثالين». ويقول هذا الألماني المتحدر من منطقة بافاريا «لدينا أجزاء يمكننا إعادة وضعها في مكانها الأصلي لنحصل على تمثال مع ثقوب وفراغات بالطبع، غير أنها مقاربة مشرفة للتاريخ».

ويضيف: «يكفي أن نجد موقعها الأصلي. الأمر ليس بسهل لكن هناك احتمالات لحصول ذلك. في حال توافر تمويل جيد يمكن إنجاز ذلك في غضون خمس سنوات».

- الأخلاقيات وحقوق الإنسان - ويتساءل خوليو بينديزو - سارميينتو «لماذا إعادة البناء؟ من أجل السياح؟ في التاريخ زالت أمور كثيرة لا نزال نحتفظ بذكراها. تماثيل بوذا ستبقى في الذاكرة الجماعية مع ذلك». ويقول: «فلنترك الحنين جانبا. الأمر الطارئ هو منع تكرار ذلك»، متطرقا إلى مدينة تدمر الأثرية السورية التي تعرضت آثارها الإغريقية - الرومانية إلى دمار كبير على يد تنظيم داعش. غير أن النقاش بشأن تمثالي بوذا باميان ليس تقنيا فحسب بحسب ماسانوري ناغاوكا مدير برنامج التراث الثقافي في اليونسكو في كابول.

ويقول «يجب النظر إلى الحفظ من منظور الأخلاق والإنسانية وحقوق الإنسان. التمثالان ليسا سوى تجسيد مادي وهما شهادة للسكان عن تاريخهم وتنوعه وعن حوار الأديان». ويضيف ناغاوكا «إذا ما كان ترميم التمثالين يساهم في تنشيط هذه الذاكرة، يجب أخذ الأمر في الاعتبار على أنه مساهمة في عالم أكثر سلمية».

ولن يتم حسم الجدل في ميونيخ حيث سيكتفي الخبراء بالاتفاق على أعمال الحفاظ على الموقع. غير أن المسألة مطروحة أيضا على طاولة البحث في مؤتمر دولي بشأن باميان في خريف العام المقبل في طوكيو.

في الموازاة ينطلق الجمعة القادم في أبوظبي مؤتمر دولي لإطلاق صندوق عالمي لدعم «التراث المهدد للإنسانية» بمشاركة الرئيس الأفغاني أشرف غني.

ويقام أيضا منتصف الشهر الحالي في باريس معرض بعنوان «من باميان إلى تدمر، رحلة إلى قلب مواقع التراث العالمي» ويستمر حتى 9 يناير في قصر «غران باليه» التاريخي.