ثقافة

تساؤلات حول مفهوم "رواية الشباب"

02 أغسطس 2021
02 أغسطس 2021

في يناير من عام 2015م أُثير حديث عن "رواية الشباب" ضمن أعمال ندوة مهرجان القرين الثقافي الرئيسة بالكويت في دورته الحادية والعشرين التي حملت عنوان (المستقبل وصورة العربي في رواية الآخر)، ودار نقاش حول هذه المسألة في الجلسة الأخيرة تحديدا التي كان محورها (إبداع الشباب السردي في الكويت)، والتي شارك فيها الناقد الكويتي فهد الهندال، والناقد المصري شريف صالح.

وانقسم رأي الحضور يومها بين مؤيد ومعارض لهذا التصيف، فذهب من يؤيده إلى حاجة كتّاب الرواية من الشباب إلى من يلتفت إليهم بالقراءة والنقد، ومن ثم بالدعم والتشجيع، وذهب من يعارضه إلى أنه مصطلح يقترح ضمنيا آليات تلقٍ تختلف عن الآليات المعروفة في تلقي الرواية، في حين أنه ليس على متلقي الرواية أن يقيم وزنا لعمر كاتبها.

ونظّمت أسرة الأدباء والكتّاب البحرينية جلسة افتراضية في يوليو الماضي (25 يوليو 2021) حملت عنوان (الرواية الشبابية بين الإنصاف والإجحاف) شارك فيها الناقد فهد حسين، والشاعر والروائي فواز الشروقي، وأدارتها الروائية شيماء الوطني.

وقد أثير في هذه الجلسة سؤال عن المقصود بـ "رواية الشباب"، وعلى من يُطلق على وجه الدقة؟ ولم يُخفِ فهد حسين توجسه من المفهوم وإشكالياته والتباساته، واقترح بديلا عنه مؤقتا توصيف "الكتّاب الجدد"، وعلّل هذا الاقتراح بأن كاتب الرواية الجديد قد يكون متجاوزا سن الشباب عندما يطلق روايته الأولى، فهل يسوّغ عمره المتقدم إخراجه من دائرة الكتّاب الشباب؟ ثم إن القول بالكتّاب الجدد – حسب فهد حسين - يتجاوز جِدّة عمر الكاتب إلى جِدّة المكتوب زمنيا، ما يرفع كثيرا من اللبس الذي يشوب مصطلح "رواية الشباب".

وقد سبق لملتقى السرد الخليجي في دورته الثانية التي أقيمت في الكويت أيضا في مايو من عام 2014 أن اقترح هذا التوصيف نفسه: "الكتّاب الجدد" في الرواية، عندما خصص جلسته الأخيرة للحديث عن "الأصوات الروائية الجديدة في الخليج"، مبتعدا عن الخوض في إشكاليات تصنيفٍ من قبيل "رواية الشباب" بيد أنّ هذا لا يعني أن توصيف "الكتّاب الجدد" لا يثير مشكلات أخرى، ليس هذا مكان الحديث عنها.

ومهما يكن من أمر، فلسنا في وارد التأريخ لبداية ظهور تصنيف "رواية الشباب"، أو ما يوازيه من تعبيرات تقترب أو تبتعد لتتجاوز إشكالياته الجوهرية، وليس من المفترض كذلك بحكم واقع الكتابة في العالم العربي، وما يطبعه من ميل إلى الأسماء المكرّسة تجاوز معاناة الرواية التي يكتبها الشباب من اهتمام النقاد بها، وتخصيص حيّز لها في اشتغالهم إسوة بالروائيين الكبار، أو الحائزين على الجوائز، ولهذا يبدو أن اتفاقا سرى في السنوات الأخيرة بين كثير من النقاد – في الخليج على الأقل - يقضي بالدعوة إلى تخصيص مساحات نقاش تسعى إلى مقاربة الرواية الحديثة التي يكتبها الشبّان والشابات؛ وذلك بسبب الطفرة الكمية التي تمثلها أعداد الروايات التي صدرت منذ مطلع الألفية الجديدة، ولا سيما من الكتّاب المنتمين إلى جيل الشباب، بيد أن تصنيف "رواية الشباب" لا يفي بالغرض لمقاربةٍ موضوعية واثقة، بل يبدو تصنيفا مرتجلا بنحو مزعج، ويورّط سياقات النظر على المدى البعيد، ويحكم عليها بانتهاء الصلاحية بموجب حتمية التقادم والتجاوز الزمني.

ويمكن مناقشة إشكاليات هذا التصنيف من عدة وجوه، نجملها في الآتي:

- يحتمل مصطلح "رواية الشباب" بُعدين يتنازعان المفهوم للوهلة الأولى، أحدهما ينصرف إلى مضمون هذه الروايات الذي يفترض أنها تتناول موضوعات تهمّ الشبّان والشابات وبأساليب تتجاوب مع متطلبات عصرهم بصرف النظر عن عمر كاتبها، شأنها شأن أدب الأطفال واليافعين الذي يكتبه الكبار.

أما ثانيهما – وهو المقصود مباشرة - فينصرف إلى عمر كاتب الرواية، مما يعني بالضرورة أن يكون في عمر الشباب المحدّد دوليا بين سن 18 إلى 30 عاما، وهي مرحلة مؤقتة سيتجاوزها الكاتب بعد حين إلى فئة عمرية أخرى، وفي هذا الحال، سيتغير معيار نظرتنا إلى أعمال الروائي الواحد بمجرد تجاوزه مرحلة عمرية إلى أخرى، وفي كلا الحالين لا علاقة لهذا المعيار بالعمل الروائي المكتوب.

- يثير تصنيف "رواية الشباب" مشكلة تتصل بالسؤال عن العمر المناسب لكتابة رواية، فهل هناك سن مناسب حقا لكتابة رواية؟ يذهب كثير من القراء والباحثين إلى أن كتابة الرواية تتطلب تجربة في الحياة أطول مما تتيحه أعوام كاتب شاب، ولكن ألم يكتب كتّاب من جيل الشباب روايات تصنّف الآن بكونها عالمية تجاوزت روايات أخرى كتبها روائيون أكبر منهم سنا؟ في الواقع، لا يوجد سنّ محدد يمكن أن يُنصح الكاتب بالانتظار لحين بلوغه حتى يكتب رواية، بيد أن التجربة الحياتية شرط أساس للكتابة، ولكن هذه التجربة نفسها يمكن أن تُكتسب بأكثر من سبيل، لا بعدد الأعوام وحدها، فمن يدري كم تَختزل التجارب أعمارا، وكم تؤخر نضج أعمار أخرى.

- يحمل تصنيف "رواية الشباب" تصريحا ضمنيا بتجاوز الشروط الفنية والمعايير الصارمة في الكتابة الروائية بدعوى أن كاتبها ما يزال شابّا، وعلينا أن نتسامح مع عمله، وننظر إليه بمعايير أخف حدّة عن تلك التي ننظر بها عادة إلى أعمال الكتّاب الأكبر منه سنًّا، كما يحمل التصنيف ذاته مسوّغات استسهال كتابة الرواية؛ لأن الكاتب الشاب مدفوع بعذر مسبق يضمن بموجبه نظرة مُراعية ومُتسامحة تجاه منتجه مهما أخلّ بالشروط الفنية.

- نحسب أن عاملا مهمًّا كان له أثر واضح في ولادة تصنيف "رواية الشباب"، وهو الجوائز التي باتت تفرد فروعا من قبيل: جائزة المؤلف الشاب، وجائزة الروائي الشاب، وجائزة الناقد الشاب، إلى آخره من صنوف الكتابة والإبداع، ولكن هل على النقد أن ينساق وراء هذه التصنيفات التي لها ما يبررها في منصّات التكريم، ولا تكفيها المبررات نفسها في المقاربة النقدية؟ بيد أن إشكالية أخرى غير نقدية تدفع نحو شرعنة المصطلح، وهي كتّاب هذه الفئة أنفسهم، الذين يطالبون بالإنصاف، والالتفات إليهم بنظرة خاصة - ولكنها مستحقة بطبيعة الحال - وهي دعوة لا غبار عليها، ولكن من دون أن تكون مقترنة ضمنيا بنظرة دونية تعدّ نتاجهم أدبا من درجة أدنى يعوزه النضح مقارنةً بنتاج آخرين سبقوهم سنًّا، ولا أقول تجربةً، ما دام المعيار الواضح منذ البداية معيارا عمريًّا.

قد يجري التأسيس لمشروعية تصنيف "رواية الشباب"، على الرغم مما أثرناه من مشكلات تتعلق به، متى ما تُوُصِّل فقط إلى تحديد سمات فنية جامعة تَسِم روايات الجيل الجديد، متجاوزة أعمار كتّابها أو صفة الرواية الأولى لصاحبها، وبخلاف هذا يبقى التصنيف واهيا لا يقدم رؤية موضوعية إلى هذا المنجز الجديد، ولكن علينا أن نتنبه كذلك إلى أن التصنيف نفسه يفضح عجز النقد عن الإحاطة بأطراف هذه الموجة الهادرة من الإنتاج الروائي مؤخرا، فأوجد مؤقتا تصنيف "رواية الشباب" ليفتح خانة كبيرة يودع بداخلها كل المنتج بغثِّه وسمينه حتى حين، في انتظار كلمة الزمن الذي سيفرز جودة هذا العمل أو ذاك بعد أن يكون كاتبه قد تجاوز المرحلة العمرية محل الإشكال، وأثبت نفسه روائيا عابرا لزمنه الخاص أولا، والزمن العام لسيرورة الأدب ثانيا.

ويخيل إليّ، حتى نخرج من هذا المأزق النقدي، أنَّه من غير المجدي - على المدى البعيد - الحديث عن "رواية الشباب" أو حتى "الكتّاب الجدد" أو "الأصوات الجديدة" من دون تأصيل لسمات تراعي الشروط الفنية للكتابة الروائية المرتبطة براهنية السياق الزمني العام وتحولاته الذي أُنتجت فيه، بما يثير أسئلة إنسان الزمن الجديد، وليس السياق الزمني الخاص الذي يؤشر عليه عمر الكاتب، وإلا فمنذ متى كان عمر الكاتب علامة على شيء قبل أن يكون نتاجه ذاته علامة فارقة على تمكنه من أدواته الفنية، أما التمسح بعمر الكاتب في مقاربة كتابته فلا يفعل أكثر من منحه أعذارا تكرّس الغث، وتكسبه صفة عديمة القيمة؛ فالمعوّل عليه – إذن - هو تغيير موقف النقّاد من المبدعين الشباب في كل أصناف الإبداع المختلفة، وليس في الرواية وحدها، حتى يتم تجاوز النظرة التقليدية التي تقوم على شعار "ليس في الإمكان أبدع مما كان"، والتي تجعلهم ينصرفون إلى الأعمال التي يكتبها المبدعون المكرّسون باخسين قيمة ما يكتبه الشباب.