No Image
العرب والعالم

هل الحرب حتمية مع روسيا ؟

20 يناير 2022
20 يناير 2022

عمان - وكالات

بعد مباحثات في جنيف وبروكسل، اختتمت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الخميس الماضي في فيينا جهودا دبلوماسية مكثفة بين الدول الغربية وموسكو، بغية خفض احتمال حصول نزاع في أوكرانيا مشددة على ضرورة إحياء الحوار حول الأمن في أوروبا.

وتحدثت روسيا في المقابل عن طريق مسدود موضحة أنها لا ترى فائدة في عقد مباحثات إضافية مع الدول الغربية في «الأيام المقبلة» طالما أن الاختلافات لا تزال عميقة.

من جهتها، قالت الأمينة العامة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا هيلجا شميد: «إن الوضع في المنطقة خطير. ومن الضروري إيجاد وسيلة، من خلال القنوات الدبلوماسية، لوقف التصعيد والبدء في إعادة بناء الثقة والشفافية والتعاون»، مشدّدة على «الحاجة الملحّة» للحوار.

وبدأ المجلس الدائم لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا محادثات أمس في فيينا في إطار جولة الحوار الدبلوماسي الثالثة والأخيرة، بعد جنيف وبروكسل، لنزع فتيل الأزمة في أوكرانيا، مؤكدا الضرورة الملحة لاستئناف الحوار حول أمن أوروبا.

ولفتت إلى أن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا «هي هيئة فريدة من نوعها للقيام بذلك»، مضيفة «لكلّ دولة من الدول السبع والخمسين الأعضاء مقعدٌ حول الطاولة».

والمنظّمة هي من منتديات التباحث القليلة التي تضم في عضويتها الولايات المتحدة وروسيا في آن.

وتتّهم الدول الغربية موسكو بحشد نحو مائة ألف جندي في الأسابيع الأخيرة، إضافة إلى دبابات ومدفعية عند الحدود الأوكرانية للتحضير لهجوم ضدّ أوكرانيا، الأمر الذي تنفيه روسيا.

واعتبر المسؤول عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أمس أن تحركات القوات الروسية عند الحدود مع أوكرانيا تُعتبر «جزءا من الضغط» الذي تمارسه موسكو للحصول على مطالبها، لكن «من غير الوارد التفاوض تحت الضغط».

من جهتها، تؤكّد موسكو أن الانتشار العسكري ردّ فعل على الوجود المُتنامي والمهدّد لحلف شمال الأطلسي في ما تعتبره منطقة نفوذها.

وتطالب موسكو حلف شمال الأطلسي بتعهد عدم ضم أوكرانيا وجورجيا بشكل قانوني وملزم، وهما دولتان قبل الحلف ترشيحهما، وسحب جنوده من الدول التي أصبحت أعضاء فيه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.

«رد حازم»

مستشار الأمن القومي الأمريكي جايك ساليفان قال الخميس الماضي: إن الولايات المتحدة «مستعدة» لكل السيناريوهات مع روسيا، إما بمواصلة الحوار أو تقديم «رد حازم» في حال تعرض أوكرانيا لهجوم. وقال ساليفان: «سنبحث حاليا مع حلفائنا وشركائنا في الخطوات التي سنتّخذها».

وأشار ساليفان إلى أن «أجهزة الاستخبارات لم تخلص إلى أن الروس اتّخذوا قرارا حاسما بالتحرك عسكريا في أوكرانيا.. نحن مستعدون لكل السيناريوهات. ومستعدون لإحراز تقدم على طاولة المفاوضات، وجاهزون لاتخاذ الخطوات الضرورية والمناسبة للدفاع عن حلفائنا ومساندة شركائنا والاستجابة لأي عدوان صلف قد يحصل».

وقال ساليفان: «نحن مستمرون في التنسيق بشكل مكثف مع شركائنا حول (اتّخاذ) تدابير اقتصادية صارمة ردا على أي غزو لأوكرانيا».

من جهتها، حذرت وزيرة الدفاع الألمانية كريستينه لامبرشت روسيا من العواقب في حال شنت هجوما على أوكرانيا.

وقالت الوزيرة في البرلمان الألماني (بوندستاج) يوم الجمعة الماضي: «ليس لروسيا حق النقض عندما يتعلق الأمر بقضايا التحالف، ولا يمكنها ابتزازنا هنا أيضا»، موضحة في المقابل أنه بين الخطوط الحمراء والمناوشات العسكرية، هناك هامش كبير يجب استغلاله، وقالت: «يجب أن نستنفد كل الوسائل لتهدئة هذا الصراع».

وذكرت لامبرشت أنه يجب أن يتكاتف الناتو والاتحاد الأوروبي سويا على نحو وثيق، وقالت: «أمن حلفائنا هو أمننا، وكذلك في وسط وشرق أوروبا بشكل خاص»، مضيفة إن الأمن في أوروبا يواجه تحديات كبيرة، وقالت: «الانتشار الروسي على الحدود الأوكرانية ينتهك جميع قواعد التعايش السلمي»، داعية موسكو إلى احترام القانون الدولي.

من ناحية أخرى، أعلن وزير الخارجية البولندي زبيجنيو راو في أعقاب المباحثات أن «خطر الحرب في منطقة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أكبر الآن من أي وقت مضى خلال الثلاثين عاما الماضية».

عقوبات محتملة

ذكرت وكالة بلومبرج للأنباء الجمعة الماضية أن الولايات المتحدة الأمريكية تضع ضغوطا على حلفائها الأوروبيين من أجل الموافقة على فرض عقوبات محتملة ضد روسيا، ونقلت بلومبرج عن مصادر مطلعة على المحادثات التي جرت الأسبوع الماضي، القول إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ناقشت أيضا مع الحلفاء الأوروبيين مجموعة الإجراءات الانتقامية المحتملة التي قد تتخذها موسكو.

وأضافت المصادر إن إدارة بايدن ناقشت مع الأوروبيين إمكانية غزو روسيا لأوكرانيا، فضلا عن قيام موسكو بأي محاولة للتخطيط لانقلاب ضد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أو أي أفعال أخرى لزعزعة استقرار الحكومة الأوكرانية.

وتضيف بلومبرج أن تشكيل قوة ردع اقتصادية موحدة تعد وسيلة مهمة في المحاولات الرامية لثني الرئيس الروسي عن القيام بعمل عسكري ضد أوكرانيا، وخاصة أنه لم يتم تحديد مواعيد لإجراء مزيد من المناقشات مع موسكو.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي ترأس بلاده حاليا الاتحاد الأوروبي، للصحفيين خلال اجتماع غير رسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الخميس والجمعة في بريست في غرب فرنسا: «لدينا رغبة في ردع روسيا وفي التوصل إلى تقارب في التحليل وتصميم جماعي على العمل والإرادة لجعل صوت الاتحاد الأوروبي مسموعا». وصرح وزير آخر لوكالة فرانس برس: «العقوبات مطروحة على الطاولة. نعتقد أن خطر التدخل الروسي في أوكرانيا حقيقي ويجب أن نكون مستعدين للرد».

وأشار إلى أنه «يجب ألا تستغرقنا أسابيع للتوصل إلى اتفاق، كما كانت الحال عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014».

ولكن الأوروبيين يخشون من مؤتمر «يالطا» جديد يتم التوصل خلاله إلى اتفاق ثنائي بين واشنطن وموسكو بشأن الأمن في أوروبا.

ومصداقيتهم على المحك. فالأوروبيون الذين يعتمدون على الغاز الروسي وعلى علاقاتهم الاقتصادية مع روسيا، كانوا دائما مترددين في السير على خطى الولايات المتحدة في المواجهة مع هذا البلد.

وفي بريست، لم يتوقفوا عن الثناء على التنسيق «المثالي» مع الأمريكيين. لكنهم يجدون صعوبة في الاتفاق مع واشنطن بشأن خيار العقوبات خوفا من الانتقام.

من الطاقة إلى التمويل والتكنولوجيا والعقوبات المحددة الهدف ضد الرئيس الروسي... تبدو مجموعة العقوبات التي اقترحتها الولايات المتحدة واسعة ومثيرة للانقسام، خصوصا في ألمانيا حيث رفض الحزب الاشتراكي الديمقراطي برئاسة المستشار أولاف شولتس استخدام خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 طريقة للضغط.

وأقر الوزير الذي تواصلت معه وكالة فرانس برس أن «مصداقية الأوروبيين على المحك بشأن قدرتهم على تبني عقوبات شديدة».

وأوضح دبلوماسي مشارك في المناقشات أن «ما يهم هو ثني روسيا (عن غزو أوكرانيا)، وأن تكون ذات مصداقية حول ما سيقرر إذا شنّت روسيا هجوما جديدا على أوكرانيا»، وقال الوزير: «لكن ذلك سيعتبر فشلا للردع، وسيعني ذلك أننا فشلنا في تجنب الصراع».

عمليات «تخريب»

واتهمت الولايات المتحدة روسيا بإرسال عناصر إلى أوكرانيا لتنفيذ عمليات «تخريب» تهدف إلى إيجاد «ذريعة» لعملية غزو.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي خلال شرحها معلومات استخبارية تؤكد واشنطن أنها حصلت عليها: «لدينا معلومات تشير إلى أن روسيا جهزت بالفعل مجموعة عناصر لتنفيذ عملية مموهة في شرق أوكرانيا»، وأضافت: «العناصر مدرّبون على حرب المدن واستخدام المتفجرات لشن عمليات تخريب» ضد قوات تعمل بالوكالة لصالح روسيا. وتابعت ساكي: إن المخابرات الأمريكية تعتقد أن روسيا يمكن أن تبدأ تلك العمليات قبل أسابيع من الغزو العسكري الذي قد يبدأ بين منتصف يناير وفبراير.

ورفضت روسيا، مزاعم «لا أساس لها» من قبل مسؤولين أمريكيين، بأنها تستعد لما يطلق عليها اسم «مهمة الراية المزيفة»، في شرق أوكرانيا، باستخدام مجموعة من العملاء السريين الخاصين.

ووصفت السفارة الروسية في واشنطن اتهامات الحكومة الأمريكية بأنها «مروعة» وأضافت: «كالعادة، لم يتم تقديم أي دليل».

ودعت السفارة الجانب الأمريكي إلى التوقف عن «ضغوط المعلومات المستمرة» والتحرك. وأضافت السفارة: «روسيا ضد الحرب. نحن نؤيد حلا دبلوماسيا لجميع المشكلات الدولية».

هجوم إلكتروني

والأحد أكدت أوكرانيا أن لديها «أدلة» على تورّط موسكو في الهجوم الإلكتروني الواسع النطاق الذي استهدف هذا الأسبوع مواقع إلكترونية حكومية أوكرانية عدة، في سياق من التوترات الشديدة بين كييف وموسكو.

وقالت وزارة التحوّل الرقمي في بيان لها: «حتى اليوم، كل الأدلة تشير إلى أن روسيا تقف خلف الهجوم الإلكتروني».

وكان الهجوم الإلكتروني قد وقع ليلتي الخميس والجمعة واستهدف مواقع وزارات أوكرانية عدة بقيت لساعات خارج الخدمة.

وأكدت الوزارة أن عملية التخريب هذه تشكّل دليلا على «الحرب الهجينة التي تشنها روسيا على أوكرانيا منذ العام 2014»، أي منذ أن بدأ شرق البلاد يشهد حربًا بين قوات كييف وانفصاليين موالين لروسيا يُتّهم الكرملين برعايتهم ودعمهم عسكريا وماليا.

وأشارت إلى أن الهدف «لا يقتصر على ترهيب» المجتمع بل يتعدّاه إلى «زعزعة الاستقرار في أوكرانيا» عبر «تقويض ثقة الأوكرانيين بسلطاتهم».

من جهته، نفى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في مقابلة مع شبكة «سي أن أن» أُجريت قبل اتهامات كييف لموسكو بتورطها في الهجوم الإلكتروني، أي تورّط لبلاده في الهجوم.

وأكّد في مقطع قصير من المقابلة «لا علاقة لنا بذلك»، مضيفًا: «يلقي الأوكرانيون اللوم على روسيا في كلّ ما يحدث لهم، حتى الأحوال الجوية السيئة في بلادهم».

وحذّرت شركة مايكروسوفت الأحد الماضي من أن هذا الهجوم المعلوماتي الضخم قد يجعل البنى التحتية المعلوماتية للحكومة الأوكرانية غير صالحة للاستخدام.

ورغم كون البرنامج المرصود يُشبه برامج الفدية التي تمنع عادةً الدخول إلى جهاز الحاسوب عن طريق المطالبة بدفع فدية، إلّا أنه يهدف في الواقع إلى «تدمير المواقع المستهدفة وجعلها غير قابلة للتشغيل، وليس جمع فدية»، بحسب ما قالته مجموعة مايكروسوفت الأمريكية على موقعها.

وبالنسبة لمايكروسوفت، يبدو أن الهجوم استهدف كيانات أكثر ممّا كان متوقعا في بادئ الأمر.

وأضافت الشركة: «وجدنا هذا البرنامج الضارّ على عشرات الأنظمة التابعة للحكومة، ولمنظمات غير حكومية ومنظمات تكنولوجيا المعلومات أيضًا، تقع كل مقارها في أوكرانيا. في هذه المرحلة، لا يمكننا تحديد الدورة التشغيلية لهذا الهجوم أو عدد المنظمات الأخرى التي قد تكون ضحية له». وأشارت إلى أنها لم تتمكن حتى اللحظة من تحديد مصدر هذه الهجمات.

طريق مسدود

ويعتقد كثير من المحللين أن التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، هو أمر في غاية الصعوبة، إذا لم يكن مستحيلا، حيث تقول ميلندا هارينج مساعدة مدير المركز الأمريكي يوراسيا في مذكرة تحليلية: «نحن في طريق مسدود. في الوقت الراهن، مواقف الروس والأمريكيين غير قابلة للتوفيق».

من جهتها، قالت ماري دومولين الخبيرة في شؤون روسيا وأوروبا الشرقية في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية: «في النهاية سيتخذ فلاديمير بوتين قرار مواصلة المحادثات أم لا، ولا يعلم أحد في هذه المرحلة في أي اتجاه سيقرر».

وتقول ميليندا هارينج في واشنطن: إن الحرب «للأسف أكثر احتمالاً»، ويضيف ديمتري ترينين على موقع مركز كارنيغي في موسكو «يجب أن نتوقع تفاقما جديدا للأزمة من خلال القوة».

وجهة نظر يشاطره إياها فرنسوا هايسبورج المستشار الخاص لمؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في باريس والذي يرى أن «الوضع هش بالكامل وخطر الحرب مرتفع».

ويضيف فرنسوا هايسبورج: «قد يكون الأمر استيلاء على أراض» بشكل محدود لربط دونباس التي يسيطر عليها الانفصاليون الموالون لروسيا، بشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014.

بحسب الاستخبارات الأميركية فإن الروس لم «يتخذوا قرارا نهائيا بعد» حول غزو محتمل. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي: إن فرنسا لا تعتقد أيضا أن هناك «تحضيرات لغزو فوري».

وتقول ماري دومولين: إن الروس يمارسون «أقصى ضغط للحصول على المزيد» لكن «سيناريو التدخل العسكري ليس هو المرجح» لأن «كلفته العسكرية والسياسية والمالية والبشرية» ستكون كبيرة. وتقول دومولين: «إنهم يعلمون أنه في حال حدوث تدخل عسكري في أوكرانيا، فلن يكون لديهم أي من هذا باستثناء العقوبات الهائلة والقطع الفعلي لكل علاقاتهم مع الدول الغربية».

وبحسب ماكسيم شوتشكوف فإن الولايات المتحدة التي تركز حاليا بشكل كامل على التنافس مع الصين، يمكن أن يكون لها «مصلحة في علاقة مستقرة ويمكن توقع مسارها» مع روسيا وفي «هندسة أمنية في أوروبا تتيح لها التركيز على منطقة المحيطين الهندي-الهادئ»، وأضاف: إن هذا هو رهان الكرملين.