45646
45646
الاقتصادية

وزير الاقتصاد: سياسات سلطنة عمان تؤتي ثمارها فــــــــي تحسين الأداء المالي والاقتصادي

13 نوفمبر 2021
نظرة متفائلة لنمو الاقتصـاد وزيــادة الاستثمارات
13 نوفمبر 2021

قال معالي الدكتور سعيد بن محمد الصقري وزير الاقتصاد ان السياسات والتدابير المالية والاقتصادية التي تنفذها سلطنة عمان بدأت تؤتي ثمارها في تحسين الأداء المالي وتعزيز تعافي الاقتصاد، ومن المتوقع نمو الاقتصاد بنحو 5.8% في عام 2022 وسيستمر بتسجيل معدلات نمو خلال سنوات الخطة الخمسية العاشرة مع عودة تدريجية أيضا للمستويات الطبيعية للاستثمار والطلب الإجمالي.

وأوضح في اجاباته على أسئلة لـ «عمان» عبر الإيميل ان ارتفاع أسعار النفط أدى إلى تحسن كبير في الميزانية العامة للدولة، وكان له تأثير إيجابي ومباشر على النمو في الاقتصاد الوطني سواء على القيمة المضافة لقطاع الأنشطة النفطية، أو الأنشطة غير النفطية من خلال زيادة الطلب الكلي على الأنشطة الاقتصادية الأخرى.

وأكد الوزير ان إيجاد فرص عمل للمواطنين هو احدى أولويات الحكومة بتوجيهات من حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ، حفظه الله ورعاه ، كما تأخذ رؤية عمان وبرامج الخطة العاشرة بالاعتبار المستجدات في أسواق العمل، ومن المستهدف الوصول للتحول الرقمي لكل الخدمات الحكومية ولإعداد الكوادر المؤهلة وتطوير التشريعات بما يتماشى مع الوضع الجديد، لافتا الى ان النمو الاقتصادي هو الوسيلة الطبيعية والمثلى لإيجاد فرص عمل جديدة، وخاصة القيمة المضافة للقطاعات غير النفطية.

وقال إن الشراكة مع القطاع الخاص خيار استراتيجي وستواصل الدولة جهودها لدعم القطاع من خلال سياسة الخصخصة وبيع الأصول الإنتاجية للقطاع الخاص بشكل تدريجي، وكذلك تطوير التشريعات المنظمة لبيئة الاعمال والاستثمار ومراجعة وتحديث الاطار القانوني والتنظيمي لأنشطة القطاع الخاص، مشيرا إلى أن وزارة الاقتصاد قامت بإعداد دراسة شاملة مؤخرا لتقييم الحزم الاقتصادية التحفيزية التي يقدر حجمها بنحو 4.1 مليار ريال عماني. وأوضحت النتائج نجاح السياسات والتدابير التي تم اتخاذها بشكل عام في تفادي إغلاقات محتملة وإفلاس لكثير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وكان لها الأثر الإيجابي الملحوظ في تخفيف العبء المالي على المؤسسات والأفراد، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والمساعدة على تخطي الظروف الصعبة التي فرضتها الجائحة.

وتحدث الوزير عن جوانب مهمة تتعلق بتطوير المناخ الاستثماري والفرص الاستثمارية والتحديات التي تواجه السلطنة خاصة في مجال تحقيق مستهدفات النمو والاستدامة الاقتصادية فإلى التفاصيل:

ـ معالي الوزير، خلال الأشهر الماضية اتجهت أسعار النفط لتحقيق مكاسب جيدة.. ما هي توقعاتكم لانعكاس ذلك على النمو الاقتصادي؟

أدى انحسار جائحة كوفيد-19 إلى العودة التدريجية للنشاط الاقتصادي العالمي، وإلى ارتفاع الطلب الكلي على النفط بنحو 6 ملايين برميل يوميا خلال العام الحالي مقارنة مع عام 2020. وتشير التقديرات إلى ارتفاع إضافي في الطلب على النفط العام المقبل بنحو 4.2 مليون برميل يومياً ليصل إجمالي الطلب العالمي إلى 100.8 مليون برميل يومياً. وبطبيعة الحال أدت زيادة الطلب إلى ارتفاع في أسعار النفط بشكل كبير عن مستوياته المتدنية في بداية عام 2020 نتيجة الجائحة وتداعياتها على الحركة الاقتصادية والتجارية العالمية.

هذا الارتفاع في أسعار النفط يشكل تطوراً جيداً للدول المصدرة للنفط حيث أنه ينعكس إيجاباً سواء على الإيرادات الحكومية او على النمو الاقتصادي خاصة في قطاعات الأنشطة النفطية، لكن الارتفاع الكبير في أسعار النفط قد يؤدي أيضا إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج خاصة في الدول المستوردة للنفط مما يشكل ضغوطا سلبية على قدرة الدول على استعادة معدلات النمو الاقتصادي عموماً.

بالنسبة لسلطنة عمان، أدى ارتفاع أسعار النفط إلى تحسن كبير في الميزانية العامة حيث انخفض العجز خلال الفترة من يناير وحتى أغسطس 2021 بنسبة 46.3% عن مستواه خلال الفترة المماثلة من عام 2020 ليبلغ نحو 1051.8 مليون ريال عماني. وقد جاء ذلك بشكل رئيسي نتيجة لارتفاع إجمالي الإيرادات الحكومية بنحو 13.9% بنهاية شهر أغسطس من العام الحالي مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2020، حيث ارتفع صافي إيرادات النفط خلال تلك الفترة بنحو 17.8%، مشكلاً بذلك نحو 64.3% من الارتفاع في إجمالي الإيرادات الحكومية.

وتأثير ارتفاع أسعار النفط على النمو في الاقتصاد العماني إيجابي ومباشر على القيمة المضافة لقطاع الأنشطة النفطية، وغير مباشر على الأنشطة غير النفطية من خلال زيادة الطلب الكلي في الأنشطة الاقتصادية الأخرى.

وتشير التقديرات المبدئية إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بنحو 10.1% خلال النصف الأول من العام الحالي، مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2020م، مدعوماً بنمو القطاع النفطي بنحو 8.7%، ونمو الأنشطة غير النفطية بنحو 11.1% خلال الفترة نفسها. ومن المتوقع أن ترتفع نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي للعام 2021م ككل عن هذا المعدل نتيجة استمرار ارتفاع أسعار النفط بشكل ملحوظ في الأشهر القليلة الماضية عن مستوياتها خلال بداية العام، فبينما انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 2.8% في عام 2020م، من المتوقع أن تحقق معدلات نمو إيجابية بنحو 1.6% و5.8% في عامي 2021م و2022م، على التوالي.

ـ حتى الآن لا يعرف العالم موعدا منظورا لانتهاء الجائحة.. ما هي التحديات التي يفرضها ذلك على الاقتصاد العماني؟ وكيف تبدو آفاق النمو في الخطة العاشرة في ظل تبعات الجائحة؟

من التحديات التي تواجهنا في السلطنة خاصة في مجال تحقيق مستهدفات النمو والاستدامة الاقتصادية هو استمرار بطء وتعثر سلاسل الامداد العالمية التي نجمت عن الجائحة وما لهذا من انعكاسات على الحركة التجارية العالمية وعلى معدلات التضخم ونسب النمو العالمية، والذي بدوره يؤثر على قدرة السلطنة على تحقيق الأهداف التي وضعتها للفترة 2021-2025.

وكما هو معلوم أن آفاق النمو في ظل تبعات الجائحة قد تبدلت عما هو مخطط له في الخطة الخمسية العاشرة جراء تداعيات الجائحة والسياسات الاحترازية التي اتخذتها السلطنة للتقليل من ضرر الجائحة الاقتصادي والاجتماعي والصحي ،حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة انكماشاً بنحو 2.8% في عام 2020 إلا أن تقديرات النمو لهذا العام إيجابية وبنحو 1.6%، ومن المتوقع تسجيل نسبة نمو بنحو 5.8% في عام 2022، وأن يستمر الاقتصاد العماني بتسجيل معدلات نمو خلال سنوات الخطة حتى عام 2025، وأن تعود مستويات الاستثمار والطلب الإجمالي إلى وضعها الطبيعي تدريجياً.

ـ تؤكد الحكومة بشكل متواصل على أن الشراكة مع القطاع الخاص خيار استراتيجي.. ما هي رؤيتكم لتطوير وتعميق هذه الشراكة؟

الشراكة مع القطاع الخاص هي خيار استراتيجي وركن أساسي في رؤية عمان 2040، وتشكل الشراكة كذلك أحد الأهداف الرئيسية لخطة التنمية الخمسية العاشرة (2021-2025) والذي ينص على تحفيز النشاط الاقتصادي بالشراكة مع القطاع الخاص. كما ان تعزيز دور القطاع الخاص عموماً يخدم عدداً من الأهداف الأخرى التي تضمنتها الرؤية والخطة الخمسية ومن أبرزها رفع حجم الاستثمارات في السلطنة، ورفع مستوى الإنتاجية، وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال، وتوفير فرص عمل، وتوزيع المخاطر بين القطاع العام والقطاع الخاص لدى إنشاء المشاريع، والمساهمة في تحقيق التوازن المالي.

وستواصل الدولة جهودها لدعم القطاع الخاص من خلال سياسة الخصخصة وبيع الأصول الإنتاجية للقطاع الخاص بشكل تدريجي، وكذلك تطوير التشريعات المنظمة لبيئة الاعمال والاستثمار ومراجعة وتحديث الاطار القانوني والتنظيمي لأنشطة القطاع الخاص كقانون الشركات والافلاس والشراكة بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب جعل بيئة الاعمال جاذبة ومشجعة للقطاع الخاص المحلي والاجنبي ليكون اكثر استعداداً ومشاركة من خلال تعبئة الموارد اللازمة للقيام باستثمارات جديدة، إضافة الى توفير البرامج التمويلية التي تمكن القطاع الخاص من ممارسة اعماله والتوسع في نشاطاته التجارية وبما يساعد على إيجاد قطاع خاص ممكن وتنافسي للقيام بالدور القيادي في تحقيق اهداف التنمية الشاملة والمستدامة ومراعاة الابعاد الاجتماعية والبيئية وبما يفضي الى إيجاد شراكة فاعلة بين القطاعين الحكومي والخاص تعمل على تحفيز النشاط الاقتصادي وتحسين الكفاية الإنتاجية.

ـ أصبحت قضية التوظيف وتوفير فرص العمل أحد أهم القضايا المطروحة في السلطنة.. كيف ترى معاليك الدور الذي يقوم به نمو الاقتصاد في توفير فرص العمل؟

إيجاد فرص عمل للمواطنين من الأولويات التي تعمل عليها الحكومة بتوجيهات من جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه-، وما برنامج تشغيل الشباب العماني والجهود المبذولة بهذا الشأن إلا دلالة على هذا التوجه الحكومي، حيث تم مؤخراً توظيف عدد من الباحثين عن عمل في مختلف المؤسسات الحكومية. وبلغ معدل الباحثين عن عمل في السلطنة في نهاية شهر سبتمبر عام 2021م نحو 2.4% مقارنة مع 2.9% خلال الفترة نفسها من العام السابق.

وفي هذا المجال لا بد من التركيز على أهمية دور القطاع الخاص في استقطاب الأعداد المتزايدة من الخريجين والباحثين عن فرص عمل، الأمر الذي يستوجب تعزيز دور القطاع الخاص في العملية التنموية وفي توفير فرص العمل في القطاعات الإنتاجية والخدمية المتنوعة.

وبناء على ذلك، نؤكد على أن النمو الاقتصادي هو الوسيلة الطبيعية والمثلى لخلق فرص عمل جديدة ، وإن نمو الاقتصاد، وخاصة القيمة المضافة للقطاعات غير النفطية، هو السبيل الوحيد على المدى البعيد لتلبية الطلب على الوظائف من خلال عرض فرص عمل مجدية من قبل القطاعات الاقتصادية، خاصة تلك التي حددتها رؤية عمان 2040 والتي تشمل الصناعة التحويلية، والتعدين، وقطاع الخدمات اللوجستية والقطاع السياحي، وقطاع الثروة الزراعية والسمكية، وقطاع تقنية المعلومات والاتصالات، وقطاع الخدمات الصحية والتعليم وغيرها، كما ذكرنا سابقاً.

وهنا نؤكد على أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في إيجاد فرص عمل جديدة وفي رفد النمو الاقتصادي. وهذا التوجه يتجلى في الهدف الخامس من الأهداف الاستراتيجية لخطة التنمية الخمسية العاشرة (2021-2025) والذي يعنى بتحفيز النشاط الاقتصادي بالشراكة مع القطاع الخاص ودعم دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ولذلك قدمت وزارة الاقتصاد هذا العام مبادرة لتحفيز قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مكونة من ثمانية برامج وخطوات مثل دعم هذه المؤسسات في مجالات التجارة الالكترونية، وإقامة البرامج التعريفية التسويقية، وإنشاء الحاضنات الصناعية، وتوطين الصناعات، وإطلاق المنصة التدريبية لريادة الأعمال، وتوفير الاستشارات القانونية. وسنعمل مع هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على ترجمة هذه المبادرات عملياً وتنفيذها من خلال برامج محددة وسيكون لذلك الأثر الإيجابي في زيادة عرض فرص العمل للمواطنين.

ـ يشهد سوق العمل تغيرات هيكلية يمكنها ان توسع الفجوة بين العرض والطلب ما هي الخطة او الآلية المناسبة للتجاوب مع احتياجات سوق العمل؟

نعم ... في ظل تسارع وتيرة التطور التكنولوجي وتزايد تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة وزيادة استخدامها في كافة القطاعات، تشهد أسواق العمل في كل العالم، ومنها سوق العمل في سلطنة عمان، تغيرات هيكلية جذرية ستستمر مستقبلاً مما يؤدي إلى تغير في طبيعة العمل وكيفية أداء الأعمال وتوفير الخدمات في كافة القطاعات الإنتاجية، والصحية، والتعليمية، والإدارية. وبناء عليه، تتغير المهارات والخبرات المطلوبة في المجتمع مع تغير التكنولوجيا وتطبيقاتها، مما يؤثر على طبيعة ونوعية المهارات والتخصصات المطلوبة لتلبية حاجة سوق العمل في المستقبل.

ولقد أخذت رؤية عمان 2040 وبرامج الخطة الخمسية العاشرة بعين الاعتبار هذا التغير في أسواق العمل وتضمنت توجهات وبرامج للتحول الرقمي لكل الخدمات الحكومية ولإعداد الكوادر المؤهلة وتطوير التشريعات اللازمة التي تتماشى مع هذا الوضع الجديد.

ـ طرحت الحكومة خطة للتحفيز الاقتصادي والمبنية على دعم العرض .. هل ترى ان ذلك كاف لمواجهة الركود الاقتصادي الناتج عن الجائحة؟ ولماذا لم يتم التوجه لدعم الطلب ؟

تداعيات الجائحة وأثرها السلبي شمل كافة جوانب الاقتصاد سواء كانت نتيجة انكماش الطلب الكلي على السلع والخدمات نتيجة انخفاض الطلب الاستهلاكي والحكومي والاستهلاك الاستثماري بسبب تدابير الاغلاق والتباعد الاجتماعي، أو من ناحية انخفاض العرض والنشاط الإنتاجي للمؤسسات نتيجة هذه التدابير أيضا والصعوبة التي واجهت سلاسل الإمداد العالمية إلى حد كبير.

وأسوة بسائر دول العالم، عمدت السلطنة إلى اتخاذ كافة التدابير اللازمة للحد من الأثر الانكماشي الاقتصادي ولم تقتصر هذه التدابير على دعم المؤسسات والوحدات الإنتاجية في الاقتصاد العماني لضمان استمراريتها وانتاجها للسلع والخدمات. بمعنى آخر، لم تقتصر سياسة الحكومة على دعم جانب العرض في السوق العماني من خلال خطة التحفيز الاقتصادي، إذ أن هذه الخطة تضمنت سياسات وإجراءات لمواجهة تداعيات الجائحة من خلال تحفيز جانب الطلب.

ففي حين هدفت المحاور الخمسة الرئيسية لخطة التحفيز الاقتصادي التي تم إقرارها في مارس 2021 إلى دعم جهود التعافي الاقتصادي وتعزيز أداء الأنشطة الاقتصادية وجلب الاستثمارات الأجنبية، اتخذت الحكومة الكثير من التدابير الهادفة إلى تقوية جانب الطلب من خلال تنفيذ عدد كبير من الإجراءات المالية والنقدية والتي كان لها الأثر الملحوظ في الحفاظ على مستوى معين من الطلب الإجمالي في الاقتصاد العماني. ومن هذه الإجراءات على سبيل المثال، لا الحصر، تخفيض بعض الضرائب والرسوم أو الاعفاء منها بشكل مؤقت أو تأجيلها، وتأجيل سداد القروض لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك تخفيض أسعار الفائدة وتوفير السيولة بما يضمن تأمين الائتمان المناسب للقطاعات الاقتصادية المتضررة.

وقد أسهمت هذه السياسات والتدابير كلها بشكل مباشر ومؤثر على زيادة السيولة المتاحة لدى الأفراد والأسر ودعم جانب الطلب على السلع والخدمات. أما في جانب العرض، فتم تسهيل بيئة الاعمال بشكل كبير، وأصبح بالإمكان الحصول على موافقة تلقائية من خلال المحطة الواحدة لحوالي 88% من الأنشطة التجارية والاستثمارية في وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار من خلال استثمر بسهولة.

ـ هل ترى أن الخطة التحفيزية نجحت في تحقيق الأهداف المرجوة لإنعاش الاقتصاد ؟

قامت وزارة الاقتصاد مؤخراً بإعداد دراسة شاملة تم فيها تقييم الحزم الاقتصادية التحفيزية التي تقوم بتنفيذها جهات حكومية متعددة والتي تم تقدير حجمها بنحو 4.1 مليار ريال عماني. وخلص التقرير الذي تم تقديمه عقب إجراء الدراسة الى نجاح السياسات والتدابير التي تم اتخاذها بشكل عام في تفادي إغلاقات محتملة وإفلاس لكثير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وبالتالي تسريح العمالة الوطنية.

وأظهر التقرير كذلك أن السياسات التي سارعت السلطنة إلى تبنيها والتدابير الملائمة التي تم تنفيذها كان لها الأثر الإيجابي الملحوظ في تخفيف العبء المالي على المؤسسات والأفراد، على حد سواء، وفي تعزيز الاستقرار الاجتماعي والمساعدة على تخطي الظروف الصعبة التي فرضتها الجائحة.

وأظهر تقييم الوزارة أيضاً بناء على البيانات والمعلومات التي تم جمعها من الجهات الحكومية المعنية بتنفيذ هذه الحزم التحفيزية نجاح معظم التدابير المتخذة والتي كان لها أثر اقتصادي واجتماعي إيجابي ساعدت في الحد من تداعيات جائحة كورونا من خلال تأثيراتها الإيجابية على العرض والطلب الكلي ، وبالتالي على معدلات النمو الاقتصادي والتشغيل.

وعلى الرغم من أن لهذه التدابير تكلفة على المالية العامة من حيث تقليل حجم الإيرادات الحكومية، الا انه كانت لها آثار إيجابية ملحوظة تمثلت في ضخ السيولة المالية في القطاع المصرفي وتمكينه من دعم التمويل للقطاعات المتعثرة، ومساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على مواصلة العمل رغم استمرار الجائحة، وتشجيع رواد الأعمال لتأسيس مشاريع جديدة، والحد من تسريح العمالة الوطنية في القطاع الخاص، وإنعاش الحركة الاقتصادية على المدى البعيد كتنشيط القطاع العقاري وجذب الاستثمار الأجنبي. وبناء عليه، تم التوصية باستمرار العمل بمعظم هذه التدابير ومراجعتها دورياً حتى بلوغ مرحلة التعافي النهائي من الجائحة.

ـ ما مدى تأثيرات تطبيق خطة التوازن المالي على الاقتصاد الوطني وما أبرز نتائجها حتى الآن؟

خطة التوازن المالي متوسطة المدى (2020-2024) والتي تم إقرارها في أكتوبر 2020 أتت كخطوة ضرورية رداً على ظروف صعبة جداً وغير متوقعة تمثلت في انخفاض أسعار النفط بشكل كبير في النصف الثاني من عام 2014، إضافة إلى تداعيات الجائحة كوفيد-19 في بداية عام 2020. وأدت هذه التطورات إلى انخفاض الإيرادات الحكومية وارتفاع مستويات العجز في الموازنة، مما أدى إلى ارتفاع الدين العام وخدمة الدين العام بشكل غير مسبوق. فارتفع العجز من 1.1 مليار في 2014 إلى حوالي 4.4 مليار في 2020، وارتفع الدين العام من 1.5 مليار في 2014 إلى حوالي 20 مليارا في 2020. وبطبيعة الحال، حتّمت هذه التطورات على السلطنة التعامل بواقعية مع هذه المستجدات وإعادة النظر في برامج الإنفاق وفي مصادر الإيرادات الحكومية، على حد سواء، بهدف استعادة الاستدامة المالية وتفادي تفاقم وضع المالية العامة إلى حد تصبح فيه الحلول أشد صعوبة وأكثر تكلفة على الاقتصاد العماني.

وحيث أن بعض الجوانب المتعلقة بخطة التوازن المالي قد تؤثر سلباً على الفئات الأقل دخلاً في المجتمع، حرصت الحكومة على أن تترافق خطة التوازن مع مجموعة من التدابير التي تهدف إلى تخفيف تأثيرها على المواطنين، وإلى تحسين بيئة الأعمال، وتحفيز الاستثمارات، وإطلاق منظومة الحماية الاجتماعية لمساعدة الفئات التي قد تتأثر سلباً من هذه الخطة.

ولا بد من التأكيد في هذا السياق أن حساب المكاسب والخسائر والجدوى من البرنامج تؤكد على أهمية تعزيز الاستدامة الاقتصادية والمالية للدولة، وعلى مصلحة الوطن والمواطن في السنوات القادمة. وأبرز مثال على ذلك هو مساهمة خطة التوازن في تحسين التصنيف الائتماني للسلطنة عالمياً، حيث أصدرت مؤسسة ستاندرد أند بورز في أكتوبر من العام الحالي تعديلاً لنظرتها المستقبلية من مستقرة إلى إيجابية مع التأكيد على التصنيف الائتماني عند B+/B. ويُعزى هذا إلى السياسات المالية والاقتصادية التي تتبعها الحكومة بتوجيه من جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- حيث تشير التوقعات إلى خفض عجز الموازنة العامة بشكل ملحوظ من 15.3% من الناتج المحلي في عام 2020 إلى 4.2% في عام 2021 نتيجة هذه السياسات الرشيدة. وكذلك، من المتوقع انخفاض العجز الجاري إلى الناتج المحلي من 12% إلى 4.4% خلال نفس الفترة.

كما كان لخطة التوازن المالي أثر إيجابي على السلطنة حيث أصدرت وكالة موديز العالمية تصنيفها الائتماني للسلطنة والذي عدّلت فيه نظرتها المستقبلية من سلبية إلى مستقرة، نتيجة استمرار السلطنة في تنفيذ الخطة المالية متوسطة المدى وارتفاع أسعار النفط، مما سيسهم في تحسين الأداء المالي وانخفاض معدل الدين العام إلى نحو 60 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2024.

ـ تم الإعلان عن ٥٠ فرصة استثمارية في قطاعات متعددة تستهدف تحفيز النمو الاقتصادي.. هل هناك خطط لطرح المزيد من هذه الفرص؟

الفرص الاستثمارية التي تم الإعلان عنها تأتي ترجمة لأهداف الاستراتيجية الصناعية 2040، وهي ضمن مبادرات الجهات الحكومية لتوفير فرص استثمارية في كافة القطاعات، وخاصة قطاعات التنويع المستهدفة في الخطة الخمسية العاشرة والتي تشمل الصناعة التحويلية، والتعدين، وقطاع الخدمات اللوجستية والقطاع السياحي، وقطاع الثروة الزراعية والسمكية، وقطاع تقنية المعلومات والاتصالات، وقطاع الخدمات الصحية والتعليم.

وسيتم تنفيذ هذه الفرص بالتعاون بين القطاعين العام والخاص وستسهم في تحقيق أهداف عدة لعل من أبرزها دعم التنويع الاقتصادي وتعزيز الصادرات وتنوعها، وإيجاد فرص عمل جديدة. كما ان هذه الفرص تتزامن وتتكامل مع خطة التحفيز الاقتصادي التي باركها مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه. وبطبيعة الحال، فإن هذا الجهد مستمر وسيتم طرح مشاريع وفرص استثمارية جديدة.

ـ الاستثمار محرك رئيسي للنمو الاقتصادي وتوسيع القطاع الخاص وعلى ذلك بنيت خطط الحكومة ورؤية عمان 2040 .. كيف يمكننا تحقيق ذلك في ظل المنافسة الشديدة بين الدول على جذب الاستثمارات الأجنبية؟

بكل تأكيد المنافسة على جذب الاستثمارات تشتد بشكل متزايد خاصة في ضوء لجوء الكثير من الدول إلى تحسين بيئة ممارسة الأعمال والاستثمار فيها من خلال تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية، وتوفير كافة العوامل التي تجذب المستثمرين. ويشكل اشتداد المنافسة تحدياً أمام السلطنة كون جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة يشكل ركناً أساسياً في استراتيجيتها التنموية.

ومن هنا قامت الحكومة بتطوير المناخ الاستثماري بشكل متواصل لضمان توفير التمويل اللازم للمشاريع التنموية حيث تستهدف الخطة الخمسية العاشرة رفع تدفقات صافي الاستثمار الأجنبي المباشر سنوياً لتبلغ 10.9% كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بنهاية الخطة، ورفع مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الاستثمارات إلى 60%، والتركيز على جذب الاستثمارات خاصة القطاعات التي تتمتع بها السلطنة بميزات تنافسية كونها تسهم في انتاج سلع وخدمات بتكلفة أقل نسبياً من الدول المنافسة. ومن هذه القطاعات المستهدفة قطاع مصادر الطاقة البديلة والمتجددة، وقطاع السياحة، وقطاع التعدين، وقطاع الخدمات اللوجستية والموانئ.

وهناك الكثير من المقومات والميزات التنافسية التي تتمتع بها السلطنة وتجعلها قادرة على استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ومنها المميزات الطبيعية، والموقع الاستراتيجي، بالإضافة إلى التركيبة السكانية الشابة، وجاهزية البنى التحتية المتطورة في قطاع الاتصالات وشبكات الطرق الحديثة والمطارات والموانئ.

وفي ظل المنافسة على جذب الاستثمارات اتخذت السلطنة مؤخراً إجراءات نوعية متعددة لجذب الاستثمارات الأجنبية مثل إصدار قانون الاستثمار الأجنبي، وقانون التخصيص، وقانون الإفلاس، وقانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وتطوير قوانين سوق العمل، وقوانين تملك العقارات، وشروط منح الاقامات طويلة الأمد للمستثمرين، والسماح بالتملك الأجنبي الكامل في قطاعات معينة، وحرية تحويل الأرباح ورؤوس الأموال، وأنظمة تشريعية متكاملة لتنظيم القطاع الاستثماري والتجاري، والإعفاء الضريبي على المعدات لتأسيس المشاريع الصناعية أو التوسيع، وكذلك الإعفاء الضريبي على مدخلات الإنتاج، وغيرها. كما عمدت السلطنة إلى توقيع اتفاقيات لتشجيع وحماية الاستثمارات مع دول عدة.

ومن العوامل المهمة أيضاً التي تؤدي إلى جذب الاستثمارات هو القدرة التنافسية للاقتصاد والتصنيف الائتماني الذي يوليه المستثمرون أولوية قصوى لدى اتخاذهم قراراتهم الاستثمارية، وهذا ما تسعى السلطنة إلى تحسينه بشكل حثيث. ولقد رأينا كيف أن مؤسسات التقييم الائتماني الدولية قد حسّنت من تصنيف السلطنة في شهر أكتوبر 2021 على خلفية السياسات التي تتبعها الحكومة في هذا الشأن، وخاصة مؤسسة ستاندرد أند بورز (S&P) التي عدلت نظرتها المستقبلية للسلطنة من مستقرة إلى إيجابية، ومؤسسة موديز (Moody’s) التي أصدرت تقييمها وعدّلت فيه نظرتها المستقبلية للسلطنة من سلبية إلى مستقرة، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار النفط مؤخراً، واستمرار السلطنة في اتباع سياسات مالية واقتصادية حكيمة مثل وضع خطة التحفيز الاقتصادي موضع التنفيذ، وخطة التوازن المالي متوسطة المدى والتي بدأت تؤتي ثمارها في تحسين الأداء المالي وانخفاض معدل الدين العام.