نشأة المسرح في سلطنة عمان.. بدايات متواضعة وتأسيس لواقع اليوم
مع إنشاء المدارس السعيدية عام 1940 بدأ بزوغ العمل المسرحي كنشاط مدرسي -
أول عمل مسرحي متكامل كان من تقديم النادي الأهلي عام 1960 بعنوان «صقر قريش»
المسرح المدرسي في بدايات السبعينيات كان يمنع أن يشترك الذكور والإناث في عمل واحد -
قبل السبعين
بالرجوع إلى مصدر مهم في المكتبة العمانية، وهو كتاب «الحركة المسرحية في عمان» الصادر في عام 2006 للدكتور محمد بن سيف الحبسي، نجد أن المسرح في عُمان قبل عصر النهضة مر بمرحلتين، المرحلة الأولى سبقت عصر النهضة بحوالي 30 عاما، مع بداية إنشاء المدارس السعيدية، وهي ثلاث مدارس حينها، بداية بالمدرسة السعيدية في مسقط التي أنشئت عام 1940، ثم المدرسة السعيدية في صلالة عام 1951، ثم المدرسة السعيدية في مطرح عام 1959، وكان حينها التعليم مقتصرا على الذكور دون الإناث، ويُسجل أن الأعمال المسرحية كانت تقام كنشاط مدرسي حينها.
أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة تسبق عصر النهضة وتسبق حكم السلطان قابوس ببضع سنين، حينما أضيف النشاط المسرحي كنشاط من أنشطة الأندية الرياضية، وحينها كان هناك ناديان عُرفا بنشاطهما المسرحي، نادي عُمان، والنادي الأهلي، وكان المسرح حينها ذا تجربة تعد أكثر نُضجا مقارنة بالمسرح المدرسي، فمن خلال تقصي الدكتور محمد بن سيف الحبسي لملامح المسرح المدرسي مستندًا على المصادر الشفهية في هذا الجانب تبين له ضعف التجربة، ومما أورده على لسان أحد المدرسين في المدرسة السعيدية: «كانت تجري في نهاية كل عام دراسي وتحديدًا في فترة الصيف حفلات تكريمية للطلاب يتم خلالها تقديم العديد من (التمثيليات)، عبارة عن مشاهد تمثيلية قصيرة». إضافة إلى أقوال أخرى تصف الواقع المسرحي في عمان قبل حكم السلطان بأنها متواضعة ولا يمكن اعتبارها إنتاجا محكما، سوى إعداد مدرسين وأداء طلاب لمناسبة معينة، وقد جرى تقديم هذه الشاكلة من الأعمال في كافة المدارس السعيدية الثلاث.
وبدأت مرحلة إضافة النشاط المسرحي لقائمة أنشطة الأندية الثقافية مع نادي عمان في بداية الستينيات، ويشار إلى أن النشاط المسرحي المدرسي والنشاط المسرحي في الأندية سارا بخط متوازٍ، إذ إن الأسماء التي شاركت في النشاط المسرحي في الأندية هي ذاتها التي شاركت في المدرسة، إلا أنه يسجل للأندية انضمام عدد من الأفراد إلى جماعة المسرح ممن درسوا بالخارج، لتكون مشاركتهم إضافة حقيقية للأنشطة، فقد نقلوا تجارب عديدة من الدول التي درسوا فيها إلى سلطنة عمان حينها.
لم يكن نشاط نادي عمان المسرحي يُقارن بنشاط النادي الأهلي المسرحي، فالأخير قدم الكثير لخدمة المسرح والباحثين، خاصة في مجال التوثيق والتأريخ، فقد سعى النادي الأهلي إلى تعزيز أنشطته الثقافية بالإصدارات المتعددة، من منشورات ومجلات تعكس النشاط في حينها وتكون مادة للباحثين اليوم ومرجعا مهما موثقا بالتاريخ، وهذا ما لم يكن حاضرا في نادي عمان.
ونقلا عن بعض الطلبة المشاركين في جماعة المسرح بنادي عمان حينها، ممن نقل عنهم الدكتور محمد الحبسي في كتابه، ومنهم يوسف الفارسي، الذي ذكر أن الأعمال المسرحية التي كان يقدمها نادي عمان كانت أكثر نضجا من التجربة المدرسية، وكانت تتناول قضايا اجتماعية ويمتد العمل فيها إلى أكثر من ساعة أحيانا، وذلك في نهاية الستينيات.
بالحديث عن النادي الأهلي، الذي تتعدد المصادر حوله كما أشرنا، فيسجل للنادي أنه قدم أول عمل مسرحي متكامل في عام 1960، وكان العمل بعنوان «صقر قريش» وهو عمل من التراث الإسلامي، وقام بإخراج العمل الأستاذ أحمد دراز، واستخدم في العمل الملابس التاريخية، وهذا أول عمل مسرحي يمكن اعتباره متكامل العناصر، إلا أن النادي لم يقدم بعدها مسرحية بهذا التكامل حتى عام 1966، حيث عاد النادي لممارسة نشاطه المسرحي.
بداية السبعينيات
ليست من المبالغة بمكان وصف المشهد العماني عموما بأنه شهد نقلة نوعية ما بعد السبعين، إذ إنه مع حكم السلطان قابوس -طيب الله ثراه- حدثت طفرة في كافة مستويات البلاد، كان شاهدا عليها من عاصر تلك المرحلة وما قبلها، إذ انتشرت المدارس، والبعثات، وأسست الجامعات، فتطورت مختلف العلوم والفنون والثقافة بشكل عام، رغم حضور الثقافة العمانية قبل تلك الفترة، إلا أنها كانت بشكل جزئي موزعة على بقع محددة من سلطنة عمان.
نقلة نوعية
النقلة النوعية بداية شهدتها المدارس، إذ تحددت ملامح النشاط المسرحي أكثر بإنشاء وزارة التربية والتعليم، حيث وضعت الضوابط، فأصبح النشاط المسرحي للذكور، والإناث كذلك مع إنشاء مدارس للبنات، إلا أن العمل المسرحي الذي يقدمه الطلاب لا تشترك فيه الطالبات، ولا يسمح للطلاب بأداء أدوار البنات، وإذا تطلب الأمر وجود عنصر أنثوي يكون من خلال التسجيل الصوتي، أما الأعمال المسرحية للطالبات فلا يشترك بها الطلاب، إلا أنه من المسموح أن تقوم الطالبات بتأدية دور الرجل من خلال المكياج والملابس. وبذلك يمكن القول إن النشاط المسرحي الطلابي بدأ بشكل جاد وكان لبنة لتأسيس الحركة المسرحية في عمان بشكلها اليوم.
ويذكر أن الأعمال المسرحية الطلابية حينها خرجت إلى أبعد من حدود المدرسة إلى الخارج.
وكذلك الحال بالنسبة لمسارح الأندية، ومما أورده الدكتور محمد الحبسي في كتابه شهادة محمد إلياس فقير، أحد مؤسسي مسرح النادي الأهلي، إذ قال: «بدأ النادي الأهلي مع بداية 1970 بداية قوية ثم استمر وتطور.. وأثرى في تلك الفترة حركة المسرح في عمان خاصة أنه لم يكن هناك غير المسرح وسيلة ترفيهية مهمة..».
ومن أشهر مسرحيات النادي الأهلي في تلك الفترة «عودة شنجوب» تأليف وإخراج موسى جعفر، و»آخر الزمان» تأليف وإخراج رضا عبداللطيف، وغيرها في عام 1971، وتوالت بعدها الأعمال عاما بعد عام، إلا أنه كما يقال «لكل شيء إذا ما تم نقصان»، فقد تفكك النشاط المسرحي بالنادي الأهلي في حدود العام 1977 نظرا لظروف عديدة من بينها انصراف عدد من المؤسسين إلى أعمال أخرى، وعدم وجود جيل قادر على المواصلة.
وكذلك الحال سار بنفس السيناريو تقريبا بالنسبة لنادي عمان.
أبرز الرواد
بهذه العجالة تطرقنا إلى موضوع النشأة المسرحية في عمان، ونتوقف عند العام 1980، هنا حيث نشأ مسرح الشباب الذي يطول الحديث حوله.
ومما يجدر ذكره أن هناك مجموعة من الأسماء الفنية التي أسست تلك المرحلة المسرحية، والتي تعد أساسا قويا لنشأة المسرح في عمان، بداية بالتجارب المتواضعة إلى التجارب التي يمكن وصفها بالمتكاملة، وهم: حسين علي عبداللطيف، والمسافر، وأمين علي عبداللطيف، وعبدالملك علي عيسى، وموسى جعفر علي، ومحمد إلياس فقير، وعبدالله جمعة، وصالح زعل، وسعود الدرمكي، وصالح شويرد، وغيرهم من الأسماء الفنانين، أما الفنانات فمنهن حفيظة فقير التي تعد من أوائل الممثلات الإناث، وأمينة عبدالرسول، وفخرية خميس، وعائشة إلياس، إضافة إلى أسماء أخريات.
