No Image
منوعات

ملامح حياتنا تتغير بفقدان من نحب !

20 أكتوبر 2022
20 أكتوبر 2022

بعض الناس حياتهم تتغير من حال إلى آخر عندما يفقدون بعضا ممن يحبون مجالستهم أو العيش معهم، كذلك هو حال الأبناء الذين يعيشون حياة أخرى بعد أن فقدوا أمهاتهم أو آبائهم وأصبح اليتم رفيقا لهم في دنياهم، فالصراخ يستجيب له الموتى ولا الصمت ينهي لوعة الألم، وهذا هو "الفقدان أو الموت " الذي يحاصر الناس منذ ولادتهم، ويؤدي في بعض الأحيان إلى دمار شامل في نفوس الأحياء حيث لا يطيب العيش لمن فقد جزءا مهما من أعضاء جسده حتى ولو حاول أن يستبدل ما فقده بشيء آخر.

فهناك من يفقد الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت أو أي عزيز عليه، فتتلون الحياة بلون آخر غير الذي اعتاد عليه منذ زمن، وهذا الأمر قد يؤثر على حياته وطريقة تعامله مع الظروف التي تحيط به، فهناك من يفقد السند والرفيق بلمح البصر فتصبح الحياة منزوعة من كل ألوانها الجميلة، لكن الصبر قد يدفعه إلى التجلد رغم حرقة الفقد ولوعة البكاء والاشتياق لأن كل ذلك هو من عند الله.

فقدان الأبناء لوالديهما أثناء مرحلة عمرية صغيرة هو امتحان صعب لهما في مدرسة الحياة، فمهما بذل الأقربون والجهات الأهلية و الحكومية في تقديم أشكال الدعم لهم لكي يعشوا حياتهم الطبيعية دون عناء، إلا أنه في كثير من الأحيان يصبح الوضع مختلفا، فهناك أماكن مهمة تظل خالية من مقعد مهم بالنسبة لهم، فالرعاية والحنان لن يحسوا بها كمثل التي كانوا يتلقونها من والديهم ويظل الاشتياق هو النداء الذي يحرق شرايين القلب، كما يقول جبران خليل جبران ( في الحنين، لا فرق بين يوم أو عام أو عقد أو عمر، فحجم الاشتياق يفوق فكرة الزمن).

والبعض قد يفقد الزوجة التي تحملت الكثير من العناء والمسؤولية، وقدمت الكثير من التضحيات فبموتها تصبح حياة بعض الأزواج انتكاسة نحو شيء آخر، لم يعهد الزوج على العيش بدونها ومن لطيف الذكر في ذلك قصة قرأتها ذات يوم تحكي أن رجلا يتعالج في المستشفى من مرض الزهايمر فجاءته زوجته لتزوره فرآها من النافذة فقال للأطباء: تلك حبيبتي فقالوا له: ولكن كيف عرفت، فقال: تسارعت دقات قلبي عندما رأيتها، فان كان العقل يفقد الذاكرة، فالقلب لا ينسى من يحب.

كذلك الزوجة عندما تفقد زوجها تعيش حياتها مكبلة بالالتزامات والمسؤوليات دون أن يشاطرها الهموم أحد، فتنكب على نفسها تسترجع ذكرياتها القديمة، وقياسا على ذلك فقدان الأخوة وغيرهم من الأولاد والأصدقاء المخلصين، لذا فان حياتنا حتميا سوف تتغير بفقدان من نحب خاصة بعد أن توصد الحياة نوافذها وتطوي صفحاتها، وتنهي قصة حياة أشخاص نادرين في تعاملاتهم وطيبون في معشرهم، ولن يبقى من الحاضر سوى الذكريات التي تطرق أبواب الزمن.

وهنا يستحضرني قصيدة "لا تسأل الدار "، ومن شدة إعجابي بأبياتها، أضناني البحث الطويل عن اسم قائلها، فوجدت اختلافا واضحا في حسبها ونسبها، ولكن فالأخير اقتنعت بما قاله احد الكتاب في تقديمه للقصيدة حينما قال:( أيًّا كان من كتب هذه القصيدة فقد ضمنها معاني غاية في الرقة والعذوبة، ليجد القارئ في معانيها الحنين إلى الأهل، كما يجد فيها اليأس والحزن، فكانت هذه القصيدة مزيجًا ساحرًا وموجعًا من المشاعر الصادقة العميقة، فجاء قول الشاعر موسيقى ألم ) حيث قال:(لا تسأل الدار عمّن كان يسكُنها..الباب يخبر أن القوم قد رحلوا..ما أبلغ الصمت لما جئت اسأله.. صمتٌ يُعاتب من خانوه وارتحلوا..يا طارق الباب رفقاً حين تطرُقه.. فإنه لم يعُد في الدار أصحاب.. تفرقوا في دُروب الأرض وانتثروا.. كأنه لم يكُن انسٌ وأحبابُ..أرحم يديك فما في الدار من أحد.. لا ترجَ رداً فأهل الود قد راحوا.. ولترحم الدار لا توقظ مواجعها.. للدورِ روح... كما للناس أرواح).

لنكن أيها الأحبة أكثر إدراكا للوضع الذي تضعنا فيه الأقدار، فالحياة التي نعيش فيها هي تفاصيل مستحدثة لم نكن نحسب لها حسابا، أو لم نطرق لها بابا لنصغي لأناشيدها القديمة، وتفاجئنا بان مسببات الألم كثيرة، والوجع الذي يحس به الإنسان اكثر مما يتخيل، فليس من السهولة تقبل كل المواقف المفجعة بتلك السرعة المتناهية، فلحظة الاستيعاب للأقدار تكون على مراحل متسلسلة، ومهما تحدثنا عن معنى حالة "الفقدان للأشخاص"، فإننا لن نصل إلى الإحساس الذي يحسه كل مكلوم أو مفجوع لا يعي من أمره شيئا سوى أن الصدمة نزلت عليه كالصاعقة من السماء إلى الأرض.

تمنحنا الحياة أحيانا نوعا من الإيمان والاطمئنان، ونعتقد بان الأمور تسير بشكلها الطبيعي، ولا نلتفت إلى أن الوجه الذي يقابلنا اليوم ربما لن نراه ثانية في حياتنا بعد لحظات، لا نريد أن نفتح أبواب التشاؤم أو الحزن أمامنا، لكن كل ما نفكر فيه أن الأيام أصبحت متشابهة، وما نراه اليوم قد نراه غدا، لكن الأخير قد يأتي والأول لن نلتقي به ثانية، وهنا يصدق قول الشاعر:( أبلِغ عَزيزًا في ثنايا القلبِ مَنزله..أنى وإن كُنتُ لا ألقاهُ ألقاهُ..وإن طرفي موصولٌ برؤيتهِ..وإن تباعد عَن سُكناي سُكناهُ..يا ليته يعلمُ أني لستُ أذكرهُ.. وكيف أذكرهُ إذ لستُ أنساهُ..يا مَن توَّهم أني لستُ أذكرهُ.. واللهُ يعلم أني لستُ أنساهُ..إن غابَ عني فالروحُ مَسكنهُ..مَن يسكنُ الروح كيف القلبُ ينساهُ).