منوعات

مقبرة الملك تحتمس الرابع.. أنموذج لريادة المصري القديم للفنون والعمارة

20 مايو 2022
20 مايو 2022

الأقصر "د.ب.أ": اعتبر آثاريون وعلماء مصريات، أن مقبرة الملك تحتمس الرابع، التي تحمل الرقم 43 بين مقابر منطقة وادي الملوك الغنية بقبور وكنوز ملوك الفراعنة، من بين المقابر التي تعد أنموذجا على ريادة المصري القديم للفنون والعمارة منذ أقدم العصور، وذلك لما تحويه بين جنباتها وعلى جدرانها من رسوم ونقوش وألوان، ودليل عن مدي ارتقاء الفن الملكي للدولة الحديثة، حيث بلغت الفنون والعمارة ذروة تقدمها في عصر الملك امنحتب الثالث، ابن الملك تحتمس الرابع.

وقد تفردت مقبرة الملك تحتمس الرابع بكونها واحدة من المقابر المهمة التي تشتهر بها جبانة طيبة القديمة، في البر الغربي لمدينة الأقصر التاريخية في صعيد مصر.

فبجانب مجموعة النقوش والرسوم والألوان الفريدة، فإن المقبرة تميزت أيضا بمجموعة من الأساس الجنائزي، الذي وصفته كتب المصريات بـ "الأساس الراقي" وتصميمات الأزياء التي لا مثيل لها بمقابر المنطقة، والتي زينت جدران المقبرة "الفخمة والضخمة".

وقال الآثاري المصري، على رضا، مدير منطقة آثار وادي الملوك، إن المقبرة الفخمة والضخمة للملك تحتمس الرابع، تقع في سفح الجبل، في نهاية الجانب الشرقي من وادي الملوك، مضيفا بأن تلك المقبرة جرى اكتشافها على يد عالم الآثار الأمريكي، تيودور ديفيز، مساعد البريطاني هوارد كارتر، سنة 1903.

وأضاف "رضا" في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية(د. ب. أ)، أن مقبرة الملك تحتمس الرابع، تعد من أطول وأعمق وأجمل مقابر الأسرة الثامنة عشرة، حيث تمتد بطول 100 متر، كما تعتبر أول مقبرة ملكية تتكون من ثلاثة محاور، كل محور منها يكون مع الآخر زاوية قائمة، لافتا إلى أن عناصرها المعمارية تشبه عناصر مقبرتي تحتمس الثالث وأمنحوتب الثاني تقريبا، غير أنها أكبر حجما وأكثر اتساعا وأوضح تصميما، وممراتها أكثر استقامة وحدة وتناسقا.

وقال المرشد السياحي المصري والباحث في علوم المصريات، محمد عبد الحميد، لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ)، إن الوصول للمقبرة، يتم من خلال السير عبر أحدور محفور في صخر الجبل يؤدي لمدخل المقبرة، ليعقبه سلم، ثم منحدر آخر، ثم بئر عميق ربما جرى حفره لمنع اللصوص قديما من الوصول للمقبرة وسرقة محتوياتها.

ويشير "عبد الحميد" إلى أن أول ما يشاهده الزائر للمقبرة، هو 6 مناظر رسمت على الحائط الأيسر، وتمثل الملك تحتمس الرابع أمام " أوزوريس" - إله البعث والحساب وهو رئيس محكمة الموتى عند قدماء المصريين - مرتين وأمام "أنوبيس" – إله الموتى في العقيدة المصرية القديمة - مرة واحدة ثم أمام "حتحور" - إلهة السماء والحب والجمال والأمومة والسعادة والموسيقى والخصوبة في مصر القديمة - أربع مرات، أما سقف المقبرة فوق البئر الذي يتصدر المدخل، فتحليه نجوم صفراء فوق أرضية زرقاء.

وأكد المرشد السياحي المصري، حجاج أمين، على أن القاعة التي تسبق غرفة الدفن، تعبر مناظرها عن تفوق فني حقيقي، فالمناظر هنا مرتبة كما لو كانت جواهر مصنفة على حوائط القاعة، حيث يشاهد الملك واقفا بين شخوص الآلهة التي تستقبله بكل الترحاب عند دخوله إلى عالم الآخرة.

وتابع "أمين" في تصريحات لـ (د.ب.أ)، بأن الحائط الأيسر للقاعة تحليه أربعة مناظر تمثل الملك أمام أوزوريس، ثم أنوبيس، وأمام حتحور مرتين، وتوجد على الحائط الخلفي خمسة مناظر، تمثل الملك وهو يتسلم رمز الحياة من حتحور تارة وهو أمام أنوبيس أزوريس تارة أخرى.

ووفقا لحجاج أمين، فإن مناظر مقبرة تحتمس الرابع تعتبر أول مناظر نفذت بطريقة طبيعية في مقبرة ملكية ولا يوجد مثيل لنمط الملابس التي ترتديها حتحور والمعبودات إلا في مقابر العمال بدير المدينة.

ومن بين ما تتفرّد به مقبرة الملك تحتمس الرابع، نص هيراطيقي من عصر الملك حور محب يعتبر أقدم نص يسجل عملية إعادة ترتيب محتويات مقبرة ملكية وإعادة لفائف المومياء بعد عملية الدفن الأصلية بنحو ثمانين عاما، وذلك على أثر اكتشاف محاولة سرقتها، في الوقت الذي كان فيه وادي الملوك لا يزال مزدحما بعمال المقابر وملاحظيهم. وقد دعى هذا الأمر "مايا" مدير الأعمال في وادي الملوك ومساعده "تحتمس" أمين الجبانة إلى إعادة فتح المقبرة وجرد محتوياتها، ثم تدوين هذا النص باسم مليكهما حور محب، وإعادة غلق المقبرة وممراتها وختمها بخاتم حور محب الذي لا تزال بقاياه واضحة على طبقة الجص المتبقية على جوانب مدخل غرفة الدفن.

وأما غرفة الدفن، فهي غرفة غير منقوشة تحمل ستة أعمدة سقفها في صفين، وبين العمودين الأخيرين يوجد سلم يؤدي إلى منخفض يقع في مؤخرة الغرفة حيث التابوت ذو الغطاء المقبي.

وقد وجد هذا التابوت خاليا عند اكتشاف المقبرة إذ نقلت المومياء في العصور القديمة لتحفظ مع غيرها في حجرة جانبية بمقبرة الملك أمنحوتب الثاني والتي كشف عنها في عام ۱٨٩٨ قبل اكتشاف مقبرة تحتمس الرابع بخمس سنوات.

وتحيط بغرفة الدفن أربع حجرات جانبية غير منقوشة، أما التابوت فتزينه مناظر بعض الآلهة والآلهات الحارسات، فإيزيس ممثلة على الجانب الضيق للتابوت عند القدمين، ونفتيس على الجانب المقابل عند الرأس، وعلى الجانبين الطويلين، يوجد أبناء حورس الأربعة وأنوبيس إله الموتى.

يُذكر أن المقبرة كانت قد خضعت لأعمال ترميم معماري ودقيق استمرت طوال عامي 1992، و1993، وتضمنت تلك الأعمال: تنظيف المقبرة من الرديم المتبقي بها، وتزويد الأحدور الأمامي المؤدي لمدخل المقبرة بسلالم حجرية، وتغطية البئر بمعبر خشبي، وتزويد المنحدرات بمعابر آمنة، وحواجز خشبية، بجانب تنظيف وتقوية النقوش والألوان، وترميم التشققات والشروخ، وتقوية العناصر القابلة للانهيار، وتركيب حواجز زجاجية لحماية مناظر القاعة الأمامية لغرفة الدفن.