مرور ربع قرن على إنقاذ الأعمدة الشاهقة لمعبد الأقصر الفرعوني
الأقصر (مصر)، "د.ب.أ": في عام 1997، احتفل المصريون بحدث مهم في مجال حماية الآثار التي شيدها أجدادهم القدماء قبل آلاف السنين، هو مشروع إنقاذ أعمدة بهو الملك امنحتب الثالث في معبد الأقصر الأثري المطل على نهر النيل في طيبة القديمة (الأقصر حاليا) وهي المدينة التي تضم بين جنباتها مئات المقابر وعشرات المعابد التي شيدها حكام مصر القديمة على ضفتي النهر الخالد، الذي يشطر المدينة إلى شطرين، "مدينة الأحياء" وتقع في البر الشرقي، وتضم معابد وطرق وساحات للاحتفالات، و"مدينة الأموات" في البر الغربي، حيث المعابد الجنائزية، ومقابر الملوك والملكات والنبلاء والنبيلات وكبار الكهنة ورؤساء الطوائف والمهندسين والفنانين وغيرهم.
وخلال العام الجاري 2022 تمر الذكرى الخامسة والعشرين، على إتمام ذلك المشروع الذي جرى بخبرات مصرية، وتضمن فك وترميم وتدعيم أرضيات 22 عمودا ببهو الملك امنحتب الثالث وإعادة تركيبها مجددا.
وفي هذا الإطار قال محمد عبد الحميد، عضو مجلس أمناء الجمعية المصرية للتنمية السياحية والأثرية، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ)، إن هذا المشروع هو من المشروعات الرائدة التي نفذت لإنقاذ الأثار المصرية، ويستحق أن نحتفي به، لكونه مشروعا مصريا خالصا، ولأنه نجح في حماية تلك المجموعة من الأعمدة الشاهقة التي يشتهر بها معبد الأقصر، والتي كانت قد تعرضت لميول هددت وجودها، بجانب تنفيذ مشروع لحماية تلك الأعمدة وكل معالم معبد الأقصر من صروح ومقاصير وتماثيل من مخاطر ارتفاع منسوب المياه الجوفية.
وأكد على أن الجمعية المصرية للتنمية السياحية والأثرية، وغيرها من مؤسسات معنية بقطاعي السياحة والآثار، يحتفون بتلك المناسبة، لما تمثله من رمزية مهمة تؤكد على حرص مصر على حماية آثارها ومعالمها القديمة التي تمثل تراثا للإنسانية جمعاء.
وقال الأثري المصري، محمد يحيي عويضه، المدير العام الأسبق لآثار الأقصر ومصر العليا، في تصريحات لـ(د.ب.أ)، إن الاهتمام بمعبد الأقصر بدأ مع بداية قيام الرحالة ومستشرقي وفناني أوروبا بتسجيل الآثار المصرية ورسمها.
معبد تحت الرمال ووفقا لـ "عويضة" فقد كان هذا العمل المعماري الضخم في ذلك الحين مـدفـونا تحت جـبـال من الرمال لا يظهر منه فوق سطحهـا سـوى أجـزاء بسيطة متداخلة، وبعض البيوت والبيانات التي تم تشييدها فوق المعبد في عصور مختلفة. وخلال القرن العشرين تم رفع الرمال من حـول المعـبـد وداخله وإزالة الأتربة مـن فـوق أعمدته وتماثيله. وعندها ظهر التأثير السلبي لتلك الأتربة التي غطت المعبد لسنوات طوال، والذي تمثل في تآكل أجزاء من قواعد الأعمدة وبدنها. ونظرا لعدم وجود قواعـد علمـية ثابتة للترميم في ذلك الوقت فقد تم استبدال الأجزاء المتآكلة بمواد بناء تمثلت في الطوب الأحـمـر ومـونة الأسمنت التي تم تغطيتـهـا بمونة البياض الأسمنتي. وكان ذلك في عام 1936 وهي تعتبر أول محاولة ترميمية لمعبد الأقصر تلاها غيرها من محاولات المعالجة وذلك باستخدام نفس الأسلوب.
وأضاف المدير العام الأسبق لآثار الأقصر ومصر العليا، بأن التفكير في تنفيذ مشروع إنقاذ وحماية أعمدة بهو الملك امنحتب الثالث في معبد الأقصر، بدأ في عام 1988 عندما لاحظ الآثاريون وجـود ميل في بعض أعمدة البهو، وهو ميل نتج عن ارتفاع منسوب المياه الجوفية، ورشحها أسفل أساسات الأعمدة، وأدى ذلك بجانب ميل الأعمدة، إلى ظهور أملاح على بعض جدران المعبد، ثم تآكل في جدران وأساسات الأعمدة.
وكما يروي "عويضة" فقد أوصت لجنة أثرية وهندسية متخصصة، بضرورة ترميم وتدعيم أعمدة البهو ومعالجة مشكلة المياه الجوفية، وسرعة معالجة الميل في الأعمدة وحل مشكلة رشح المياه الجوفية، خاصة بعد أن تبين مدى تأثر قواعد وأساسات الحوائط بالرطوبة في كل مكونات المعبد، وتم بالفعل الاستعانة بإحدى الشركات المتخصصة لبدء تنفيذ مشروع "فك وتركيب وتدعيم أعمدة بهو الملك امنحتب الثالث في معبد الأقصر"، وهو المشروع الذي استغرق تنفيذه 24 شهرا.
ولفت "عويضة" إلى أنه تم رصد ومراقبة حالة المعبد والتأكد من عدم تأثر منشئاته بخفض منسوب المياه الجوفية أسفله، من خلال رصد مساحي بمعدل 3 مرات يوميا، وطوال 50 يوميا متتالية، ثم جرى فك وترميم وتركيب الأعمدة بعد تقوية التربة أسفلها.
وأشار الآثاري على رضا، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، إلى أن مصر شهدت العديد من مشروعات انقاذ وحماية الآثار التي كان أضخمها مشروع إنقاذ معابد أبوسمبل، وكذلك معابد فيله في أسوان، ومشروعات عديدة لخفض منسوب المياه الجوفية أسفل المعابد التي شيدها ملوك مصر القديمة، مثل مشروع خفض منسوب المياه الجوفية أسفل المعابد الجنائزية في البر الغربي للأقصر، بجانب مشروعات مماثلة في شرق الأقصر وفي سوهاج وأسوان، إضافة إلى مشروعات جمع وترميم وإعادة تركيب مجموعة من التماثيل الضخمة المحطمة والتي تزن مئات الأطنان في كل من معابد الأقصر والكرنك وصان الحجر.
المدينة ذات المائة باب وتعرف الأقصر تاريخيا، باسم "طيبة.. ذات المائة باب" كما وصفها قدامي الرحّالة والمؤرخين، لاتساعها الهائل ولتعـدد أبواب معابدها الكثيرة.
وهي أيضاً "واست" بمعنى الصولجان - رمز الحكم والسلطان - عاصمة الإقليم الرابع من مصر العليا، وقد وصفها المصريون في الدولة الوسطى باسم المدينة الجنوبية تمييزا لها عن منف العاصمة القديمة، ثم أصبحت تعرف باسم "نوت" أي المدينة فقط باعتبارها عاصمة للإمبراطورية المصرية في الدولة الحديثة بالإضافة إلى "واست" اسمها القديم. وفي العصر البطلمي أطلق عليها لقب "واست. مدينة آمون سيدة كل المدن".
وأما كلمة "طيبة" فهي مشتقة من لفظ "إيبت" وهو اسم أماكن عبادة الإله آمون الذي أطلق على المدينة بأكملها، ثم أضيفت إليه أداة التعريف "تا" فصارت "تا إيبت" الذي أصبح بعد ذلك طيبة.
أما الأقصر اسم المدينة الحالي فقد أطلقه عليها العرب الذين بهروا بضخامة عمائرها وجمال نقوشها وهو جمع تكسير لكلمة قصر وتنقسـم الأقصـر إلـى مدينـة الأحيـاء وتقع على البر الشرقي للنيل حيث كانت قصور الملوك والنبلاء وإدارات الحكومة تشغل المساحة المحيطة بمعابد الكرنك، وتمتد حتى معبد الأقصر، وتضم المدينة اليوم مئات المقابر التي جرى اكتشافها بجانب عدد ضخم من المعبد التي تنتشر في شرق وغرب النيل، وهو الأمر الذي جعل المدينة واحدة من عواصم السياحة الثقافية بالعالم، وذلك وفقا لمنظمة السياحة العالمية.
