قوة الإرداة والتحدي تمتزج مع الموت على جسر سان فرانسيسكو الذهبي المعلق
سان فرانسيسكو "د.ب.أ": كانت إقامة جسر "جولدن جيت" أي البوابة الذهبية، مشروعا يتسم بالجسارة والتحدي، لدرجة أن كثيرين تشككوا في إمكانية تنفيذه، نظرا لشدة التيارات المائية المحفوفة بالخطر بخليج سان فرانسيسكو، وطول المسافة البحرية التي يتعين عبورها.
ويعتقد بعض الزوار أن الجسر كان مطليا أصلا باللون الذهبي، ولكن الاسم مأخوذ من مضيق جولدن جيت الممتد عبره، وهو مدخل لخليج سان فرانسيسكو من جهة المحيط الهادىء، ولإطلاق هذا الاسم على المضيق قصة تاريخية طريفة ترجع لعام 1846، حيث وقف قبالته القائد العسكري الأمريكي جون فيرمونت، وحدق تجاه المضيق وقال "إنه بوابة ذهبية للتجارة مع الشرق".
وسادت حالة من التشكك بين المهندسين في إمكانية تنفيذ المشروع، حيث يقضي تصميم الجسر بأن يكون أطول بمسافة 200 متر، من جميع الكباري المعلقة المعروفة، التي شهدها العالم وقتذاك.
ويرجع الفضل في بناء الجسر، إلى التصميم الذي يتسم بالجرأة لرجل واحد وقدراته على الإقناع.
وتمكن هذا الرجل وهو جوزيف بيرمان شتراوس المولود عام 1870 في ولاية أوهايو، من التغلب على الشكوك الكثيرة التي أبداها أصحاب العبارات، والممولون والسياسيون، وذلك على الرغم من المشكلات الاقتصادية التي كانت سائدة في فترة "الكساد الكبير".
وبدأت عملية إنشاء هذا المعلم الشهير لسان فرانسيسكو، في الخامس من يناير 1933.
ويقول باولو كوسوليتش شوارتز المتحدث باسم الهيئة المشغلة للجسر، "انتهي البناء خلال فترة تقل عن أربعة أعوام ونصف العام، وتم تشييده في وقت سابق للتوقيت المحدد له، وأيضا بميزانية أقل مما كانت مرصودة له، إنه ببساطة إنجاز مذهل".
وتكلف بناء الجسر في ذلك الوقت 35 مليون دولار، بما يساوي نصف مليار دولار بأسعار اليوم.
وصاح شتراوس-وهو سليل لمهاجرين ألمان- في بداية الاحتفالية بافتتاح الجسر، "أخيرا تم إنجاز المهمة الجبارة"، وفي الاحتفالية التي جرت في 27 مايو 1937، سار 200 ألف شخص على أقدامهم عابرين جسر جولدن جيت الجديد.
وتوفى شتراوس بعد أقل من عام من الافتتاح، بعد تعرضه لأزمة قلبية عن عمر يناهز 62 عاما، ولكن الأعجوبة التي نفذها لا تزال حية، ويرتكز الجسر على دعامتين هائلتين مستقرتين في قاع البحر، عند الأطراف الجنوبية والشمالية للخليج.
وصارع عمال البناء الأمواج العاتية والتيارات القوية، وهم يشيدون الأبراج التي ترتفع لمسافة 227 مترا فوق سطح المياه.
ويحمل الكابلان الرئيسيان الهائلان، اللذان يبلغ قطر الواحد منهما نحو المتر، وتم نسجهما من 129 ألف كيلومتر من الأسلاك، الطريق المار فوق الجسر، وممرين مخصصين للمشاه وطرقا لراكبي الدراجات، كل ذلك بشكل معلق.
ويمتد جسر جولدن جيت لمسافة 2737 مترا، في حالة ضم مسافة الاقتراب والنزول منه.
وظل الجسر يحتفظ بلقب أطول كوبري معلق في العالم لسنوات كثيرة، بفضل المسافة الممتدة بين الأرصفة التي تبلغ 1280 مترا.
وبرغم أن هذا الرقم القياسي حطمته جسور أخرى بعد ذلك، لا يزال جسر جولدن جيت واحدا من أكثر الجسور في العالم، جذبا لمحبي التقاط الصور.
ويرجع الفضل في ذلك إلى ظلاله الحمراء الشهيرة، التي تعرف باسم "البرتقالة الدولية"، الذي يضفي على الأبراج المصممة على طراز "أرت ديكو" المعماري، الذي يقوم على نماذج هندسية متناغمة مزيدا من الأناقة، ويتم استخدام هذا الجسر على نطاق واسع، حيث تعبره يوميا أكثر من 100 ألف سيارة، إلى جانب آلاف من المشاه وراكبي الدراجات.
وعندما تشتد الرياح يمكن أن يتأرجح هيكل الجسر لمسافة عدة أمتار في كل اتجاه، وأيضا لأعلى وأسفل، واضطر المسؤولون إلى إغلاقه ثلاث مرات بسبب العواصف العاتية.
وجاء أكبر اختبار لقوة تحمل هذا المعلم البارز، في عيد ميلاده الخمسين عام 1987، عندما اندفع 300 ألف شخص من الاتجاهين، للسير فوق الجسر في أعداد بأكثر مما كان متوقعا، مما أدى إلى الضغط على الطريق.
غير أن الواقعة مرت بسلام ولم يتعرض الجسر لأي ضرر، وذلك بفضل بنائه القوي، ولكن المهندسين شعروا بالقلق، ويعلق كوسوليتش شوارتز على ما حدث بقوله "من الآمن أن نقول إننا لن نسمح أبدا للمشاه، بالتدفق على طريق الجسر بهذه الطريقة غير المنضبطة مرة أخرى، ولا تأملوا أن يتكرر ذلك في العيد المئوي للجسر".
وأثناء تشييد الجسر توفى 11 عاملا، وهو رقم يقل كثيرا عن الأرقام المعتادة من الوفيات، أثناء تنفيذ مشروعات البناء الكبرى في ذلك الوقت.
