منوعات

صناعة البخور في فيتنام تراث ممتد منذ آلاف السنين

27 يوليو 2023
27 يوليو 2023

هانوي "د.ب.أ": في قرية كوانج فو كاو، على مسافة تقطعها السيارة في ساعة، من جنوبي العاصمة الفيتنامية هانوي، يطل نجوين دينه فينه، على بحر من اللون القرمزي، تظهر في الفناء أمامه عشرات الآلاف من أعواد البخور، ملفوفة في حزم، وهي تجف في شمس الظهيرة الشديدة الحرارة، وتبدو مثل انفجارات باللون العنابي والكستنائي والياقوتي.

وقال دينه فينه لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، بينما كان يستعرض المجموعة الساحرة، من الخيرزان الأحمر اللون أمامه في مركز الزوار، “كل فرد في قرية كوانج فو كاو، يصنع البخور، ومع ذلك اضطررنا إلى الاستعانة بعمال من أماكن أخرى”.

أمام بوابة المدخل يشتعل عود واحد من البخور، ويتصاعد دخانه العطري بشكل متعرج في الهواء، يحرق الناس البخور ذا الرائحة العطرية في جميع أنحاء فيتنام، خاصة في المعابد، حيث يعتقدون أن الدخان المعطر المتصاعد من البخور، يساعد على نقل أمنياتهم بالتمتع بحياة طيبة رغدة، إلى الآفاق السماوية.

صنع القريون في هذا المكان أعواد البخور لأكثر من قرن، يجمع القريون في المتوسط 200 طن من مواد المكونات، وينتجون 50 طنا من البخور كل شهر، في إطار هذه الحرفة التي تعد من الصناعات الصغيرة.

ويسفر ذلك عن تجميع بشكل يكاد يكون تلقائيا وروتينيا، لحزم الخيرزان المصبوغة، التي يمكن أن تجذب 500 زائر في كل يوم عطلة نهاية الأسبوع، وفقا لما يقوله دينه فينه، الذي يبلغ من العمر 65 عاما، وبدأ صناعة البخور وهو في السادسة من عمره.

في الماضي كان العمال يقسمون العصي الخشبية يدويا إلى أجزاء، عندما يعدون أعواد البخور، ولكنهم في هذه الأيام يستخدمون الآلات في هذه العملية.

ويوضح دينه فينه أن، “صناعة البخور تتضمن عدة مراحل، عليك أولا أن تتوجه إلى الغابة لجمع الخيرزان، ثم تجلبه إلى الورشة وتحوله إلى أعواد للبخور، بعد ذلك تقوم بصبغ أعواد البخور قبل غمسها في معجون وردي معطر، ثم تتركها في العراء تجف لبضعة أيام”.

يأتي أريج أعواد البخور، من خليط من المكونات، من بينها خشب العود الهندي، وأشجار الأرز وخشب الشيح وأعشاب البتشول الهندي المعطر، وأعشاب أكليل الجبل والقرفة، ويتم اختيار الرائحة بشكل يتناسب مع مختلف مناطق فيتنام.

وبمجرد أن تصبح جاهزة، تباع أعواد البخور في جميع أنحاء فيتنام، ويتم تصديرها إلى العديد من دول العالم، ويعلق دينه فينه قائلا “إن أكبر زبائننا هي الهند ونيبال ودول آسيوية أخرى، ونحن لا نصدر للصين لأنها أيضا دولة منتجة للبخور”.

ويمكن للعامل أن يكسب وفقا لخبراته، ما بين خمسة ملايين إلى ثمانية ملايين دونج فيتنامي شهريا، أي ما يوازي 210 إلى 340 دولارا.

وتعمل في صناعة البخور أكثر من 300 أسرة، في هذه القرية طوال العام.

ومن ناحية أخرى قالت نجوين تي فينه، التي تعمل بصناعة البخور، لــ (د.ب.أ) “سأبلغ 71 عاما من العمر هذا العام، ولكني سأواصل إنتاج البخور، وأنا اعتدت على هذا العمل طوال 60 عاما، منذ أن كنت في العاشرة من عمري”.

وأضافت “لدي أربعة أطفال ثلاثة صبية وبنت، وهناك أربعة أشخاص في أسرتي يصنعون البخور، وهذه المهنة تعني الكثير لنا، وبفضلها أصبح كثير من الناس يعرفون قريتنا، ونحن قادرون على الحفاظ عليها من أجل أجيال المستقبل”.

بينما قالت فان تي تو هانج التي تبلغ من العمر 34 عاما، أنها تقسم نحو 200 كيلوجرام من أعواد البخور، إلى حزم صغيرة يتراوح وزن الواحدة منها ما بين كيلوجرامين إلى ثلاثة كيلوجرامات، لتصبح بعدها جاهزة للغمس في المعجون، والتجفيف ثم البيع، وأضافت إن “إنتاج البخور لا يتعلق بكسب المال فقط، وإنما أيضا بما يحمله من أهمية ومعان روحية”.

وبسبب تراجع الدخول من صناعة البخور، يشعر دينه فينه بالقلق، من أن الأجيال الأصغر سنا بدأت تفقد اهتمامها بهذه المهنة، غير أنه لا يعتقد أنها ستختفي، ويقول “إشعال البخور لنتذكر آباءنا الذين فقدناهم، وأسلافنا الذين غادروا حياتنا، يعد عنصرا جوهريا من الحياة الروحية للشعب الفيتنامي”.

ويحرق الفيتناميون البخور لإحياء ذكرى أسلافهم، في مناسبات خاصة، من بينها العطلات وذكرى الوفاة وحين لم شمل العائلات، وبمناسبة بدء السنة القمرية الجديدة.

ويضيف دينه فينه “ما أصبح تقليدا تراثيا لا يمكن أن يزول، وأسلافنا مارسوا هذا التقليد لآلاف السنين. ”