سينـاريو مسبـوق وحكايـات جـانبية لا تـوازي التشـويـق
كان معجبو الفنانة «هدى حسين» في ترقب كبير لمسلسلها الجديد «من شارع الهرم إلى...»، بعد النجاح الكبير الذي حققته في مسلسل «كف ودفوف» بشكل خاص، والنجاح الذي حققه المسلسل بشكل عام من إخراج وسيناريو، إلى جانب الأداء الرائع لطاقم العمل. وأغلب الظن أن السواد الأعظم من متابعي «كف ودفوف» كانوا متأنين في الحكم على العمل الجديد حتى بعد الضجة الكبيرة التي أحدثها برومو المسلسل قبيل رمضان، ما أدى إلى سيل من المطالبات بإيقافه وحظر عرضه. حتى أطلت الممثلة نور الغندور في مقابلة تلفزيونية ترجو فيه الجمهور بضرورة التأني والحكم على العمل بعد مشاهدته.
لم تختلف قصة العمل كثيرا عما قدمته الكاتبة هبة مشاري حمادة في أعمال سابقة، وعن كثير من قصص الدراما التي بثت على مدار عقود، حول الحماة الآمرة والناهية والكنائن ومشاكل البيت الكبير الذي يعيش فيه الجميع، فالقصة تدور حول «عبلة» التي تملك مشفى خاصا تعمل فيه وتديره هي وأبناؤها الستة «أنس» و«قتيبة» و«شاهين» و«نزار» و«زهير» و«معن»، فعبلة طبيبة في قسم أمراض النساء والولادة، وزهير طبيب تجميل، فيما شاهين طبيب عيون، ونزار في العلاج الطبيعي، وأنس طبيب باطني، وقتيبة طبيب قلب، وهكذا وزعت الأقسام الطبية على أبناء عبلة لحد التساؤل عن احتمالية أن يشطح أحدهم عن السلك الطبي فيكون مهندسا أو معلما مثلا!
تعيش عبلة وأحفادها وأبناؤها وزوجاتهم في بيت واحد، حيث تدور الأحداث، إلى أن تدخل «كريمة» الراقصة المصرية إلى بيت عبلة الكبير ليكتشف المشاهد فيما بعد أنها من العائلة وأخت لأبناء عبلة. تمشي عجلة الأحداث ببطء شديد وكأنها أفرغت كل حمولتها في الحلقات الخمس الأولى، وبدا أن هبة مشاري حمادة قد وقعت في ورطة. فبعد أن خبا رتم الأحداث مبكرا، مرت الحلقة تلو الأخرى بأحداث جانبية لا تقدم ولا تؤخر، حيث حلقة كاملة عن القمل في رأس الأحفاد، وأخرى عن «شكشوكة» عبلة التي لا مثيل لها، وأخرى عن حصة التعبير والكتابة عن الجدة، والغريب أن كل أحفادها يدرسون في ذات الصف، وهكذا تناوبوا على كتابة محاسن الجدة في تعبيرهم الكتابي. تقفل الحلقات أحيانا بحدث عالي التشويق، ثم يختفي من الحلقة التالية، وكأنه لم يحدث، فيما تعيش بقية الشخصيات -التي هي أصلا عائلة وفي بيت واحد- وكأن لا شأن أو علاقة لها البتة بما يحدث، أقله أن تعرف - بقية الشخصيات - أو أن تستعلم عن الحدث مثلا، وهكذا تؤجل الأحداث الرئيسية، وتقدم عليها أحداث جانبية كحشو من الإطالة، ثم في الوقت الأخير من الحلقة يستكمل الحدث الرئيسي بشكل لا يوازي التشويق الذي خلقه في البداية رغم انتظار المشاهد الطويل للتتمة.
تبدو هدى حسين «عبلة» في هذا العمل أصغر سنا، وبعيدا عن كونها شخصية ثرية ومهتمة بمظهرها، إلا أن ما يوحي لذلك أكثر هو أمومتها لخالد البريكي الذي لعب دور «أنس»، حيث الشعور بأنهما أم وابن منتفٍ تماما، وكان البريكي وهدى قد لعبا دور الشقيقين من قبل في «كف ودفوف»، وهذا ما يذكرني بمسلسل «عروس بيروت» فعلى الرغم من أن الفارق في العمر بين تقلا شمعون وظافر العابدين سبعة أعوام فقط، إلا أنهما لعبا دور أم وابنها بكل اتساق، حيث ساعد المكياج في إظهار «تقلا» أكبر سنا بالقدر الذي يفي بخلق الفوارق العمرية بين الاثنين.
يلعب أحمد إيراج دور «زهير» طبيب التجميل الذي يبدو أنثويا في المظهر والتصرفات، لكنه برع في أداء الشخصية، حتى بعد المنعطف الذي يتحول فيه «زهير» إلى النقيض بعد حادثة الابتزاز، يثبت أنه ممثل ذو مهارة عالية مهما تغيرت الأدوار وتعددت الشخصيات. وبالنظر إلى شخصية «نزار» التي يؤديها محمد رمضان نجد أنه الممثل المناسب في الدور المناسب، من خلال الحس الفكاهي الذي تميز به رغم تدين الشخصية.
يعطي العمل انطباعات، ويشكل صورا عن بعض الفئات كما لو أنه تعميم لها، فصورة الـ«مصرية» راقصة طامعة ومحتالة، و«بنت الملاجئ» لم تر خيرا، وأهلها يكادون يعيشون معها، و«البدون» يعض اليد التي تمد له الخير، ووجه متسخ على الدوام، وكانت هذه الصور مثار جدل كبير.
وبما أننا نقترب من الحلقات الأخيرة، حيث تبدو «عبلة» مصابة بالزهايمر، يثبت الحدث أن العمل برمته إعادة تدوير لـ«أمنا رويحة الجنة»، فسعاد عبدالله أصيبت بالزهايمر، وكذلك من «زوارة الخميس» واللذان هما من تأليف هبة مشاري حمادة، أما أدوار خالد البريكي «أنس» الزوج الذي يملك أدنى حس بالمبالاة، إلى جانب دور مرام «سلسبيل» الزوجة الضعيفة والمقهورة فهو تكرار لأدوار سابقة لهما. وعلى الرغم من أن لولوة الملا، لعبت من قبل دور الفتاة سيئة الذوق، التي لا تجيد اختيار ما تلبس مقارنة بباقي الشخصيات من الإناث، إلا أنها ظهرت بأداء جميل ومختلف، وحسن توظيف للغة العربية في الكثير من المشاهد منها «التاء المربوطة» و«نا الفاعلين».
أخيرا تتر المقدمة بدا أنه لا يمت للعمل بصلة، ومجرد كولاج استعراضي لصور المشاركين في العمل خلال مراحل طفولتهم وشبابهم، وجهد كان من الممكن أن يستغل في جوانب أهم.
