«سعاد عبدالله»سجينة لـ 36 سنة تعود للزنزانة في تهمة قتل جديدة
تقف المسلسلات التلفزيونية الخليجية هذا الموسم في خط الوسط، فلا أعمال مؤثرة مشوقة جاذبة، ولا ضعيفة أو مثيرة للجدل تستفز النقاد للكتابة عنها، ولا ينتاب المشاهد الشعور بأنه فوت على نفسه مشاهدة عمل ما خلال هذا الموسم، كما أحدثت ذلك بعض الأعمال في السنوات الماضية، وهذه الرتابة تحدثها عادة النصوص الدرامية التي لا توفر قصة جديدة، أو تلامس واقعا معينا، أو تصل للجمهور بشكل أو بآخر إلى ما يثير الحديث والنقاش حولها.
الأعمال تسير بتصاعد أحداثها دون أن تتمكن من أن تسحب جائزة الأعلى مشاهدة من قبل الجمهور، فلا كبار الفنانين يقفون في مواقعهم الصحيحة، ولا شخصياتهم ترقى بهم، هي أعمال متكاملة دون نقص، ولكنها تفتقر للتشويق العميق، والسؤال المطروح «هل هناك قيود على النصوص أم أن أقلام الكتاب غير قادرة على أن تدخل قصتها للبيت الخليجي وتناقش قضاياه بكل واقعية وشفافية؟».
يبدو أن الفنانتين القديرتين اللتين تتربعان على قمة هرم الدراما الكويتية والخليجية عامة، سعاد عبدالله وحياة الفهد، قد قررتا ربما صدفة أن تكونا خارجتين من زنزانة السجن، وكلاهما تواجه رفض الناس لها بعد أن عاشتا وسط المجرمين بغض النظر عن كونهما أيضا بريئتين، وصدر عليها الحكم ظلما.
مسلسل الفنانة سعاد عبدالله «مجاريح» بعيد عن معنى اسم المسلسل حتى حلقاته التي بلغت الآن نحو نهايته تقريبا، ومعظم العمل يدور حول بطلة المسلسل سعاد عبدالله «غنيمة» التي حكم عليها بالسجن لقتل زوجة زوجها، وبقيت خلف الزنزانة 36 عاما، وهذه الكلمة التي ترددت في حوارها خلال المسلسل بعدد لا نهائي، حتى وصل الأمر للجمهور لاستهجان هذا التكرار.
«غنيمة» التي عاشت أكثر من نصف عمرها في الزنزانة، تخرج منها بشخصية فكاهية، وهي امرأة في الـ70 من عمرها ولكنها بصحتها وقوتها وفصاحتها وحكمتها وثقافتها تشعر بأنها في عمر أصغر من ذلك، حتى محاولتها لإخفاء جثة «نعمان» الذي قتل في بيت حفيدها تستدعي الوقوف طويلا أمامها، فهي استطاعت أن تقوم بنفسها بسحب حقيبة أدخلت فيها الجثة وأخذتها للسيارة، فكيف يعقل ذلك؟
عدد كبير من المشاهد غير المقنعة في مسلسل «مجاريح»، وربما بعيدة عن الواقع، ربما ليست كلها نتيجة ما كتب في النص، فالبعض منها هي من الرؤية الإخراجية التي يستند عليها المخرج، لعل مثال ذلك هو السؤال هل يستدعي القبض على شخص تعرض لشخص بالضرب أن تتحرك دوريات وإذن من النيابة للقبض عليه وفي منتصف الليل؟ مبالغة لا مبرر لها، كما أن أداء بعض الممثلين فيه انفعالات كثيرة لا مبرر لها، مثال ذلك: ما حدث لـ«فوزية» التي تؤدي دورها هنادي الكندري التي تشتهر عادة بمبالغتها في الصراخ كثيرا والانفعال الشديد، حتى أداء دور المنهارة نفسيا مبالغ فيه، فما كانت تفعله في المستشفى والضرب والصراخ لامرأة تعيش ظرفا نفسيا عابرا بعد طلاقها كان مبالغا فيه جدا، ولم يكن واضحا أنه أثر عليها، إلى أن رأت «غنية» تحمل في يدها سكينا وبجانبها جثة رجل ملطخ بالدماء، هو حقا مشهد ليس هينا أن يراه الشخص دون أن يتأثر ولكنه لم يكن يستدعي الانهيار النفسي، وتعرضها بالضرب للطاقم الطبي، والتعامل معها بالربط في السرير وإعطائها المهدئات، وسرعان ما انجلى كل ذلك لمجرد أنها اعترفت بما رأته في يوم الجريمة وخرجت هربا من الطب النفسي دون احتياجها للعلاج.
ومما لا يمكنه إقناع الجمهور كيف للممثلة «جنى الفلكاوي» المراهقة أن تقوم بدور امرأة في الثلاثين من عمرها تتزوج مرتين، وتملك طفلة وحفيدا، وتدخل السجن في هذا العمر، ربما كان أفضل للمخرج لو اختار ممثلة أخرى أكبر في العمر.
رغم أن المسلسل يحوي حبكة جميلة، وتتصاعد فيه الأحداث بطريقة مثيرة، وقد يظهر التشويق أحيانا في بعض الحلقات، وأحداث غير متوقعة تطرأ، إلا أن هناك هفوات تمر على المخرج يمكن أن يراها الجمهور ضعفا في العمل، كما أن بعض الأحداث تمر ببطء شديد، وتتسارع في أوقات أخرى بطريقة غير مبررة، فما حدث بعد موت «نعمان» وسرعة توقعات الشرطة، واشتباههم بأفراد منزل عبدالله غيث، والحصول على إذن النيابة بتفتيش المنزل، واستدعاء جميع أفراد المنزل للتحقيق كمشتبه بهم بالقتل، وحتى مسألة الاشتباه بأن غياب «نعمان» كان حتما جريمة قتل، وعدم تسليط الضوء على ردة فعل أهل «نعمان» كلها حدثت في حلقة واحدة تزاحمت فيها الأحداث بشكل مربك.
كما أن تعامل «غنيمة» مع جريمة القتل بكل هدوء وبرود يعطي إيحاء بأنها ارتكبت الجريمة الأولى التي سجنت بسببها، أو أنها أصبحت تملك خبرة المجرمين لأنها احتجزت كل تلك السنوات في زنزانة تشاركت فيها مع مرتكبي جرائم مختلفة، ربما كانت «نور» التي تقوم بدور «حنان» قاتلة «نعمان» أكثر إقناعا في ردة فعلها بعد ارتكاب الجريمة.
يمتلك النص ترابطا جيدا بين الأحداث التي كانت في البداية وحتى النهاية، ولعلّ المميز في العمل أن كل حدث له في النهاية هدف من حدوثه، أي أنه سيرتبط مستقبلا بأحداث أكثر أهمية، مثال ذلك طرد «غنيمة وفوزية» من قبل زوجة عبدالناصر الشاري، كان له ربط بما حدث لاحقا حين تقدم ابن عبدالناصر لخطبة «ياسمين» حفيدة «غنيمة» فحالت دون حدوث ذلك.
ربما الأعمال الدرامية ذات البطولة الواحدة تحصر الكثير من الأحداث حول البطل، فلا تتوزع الأحداث في المسلسل، بينما البطولات المتعددة تستطيع العيش مع قصص مختلفة في العمل الواحد، وتجد أكثر من حدث في الحلقة ذاتها، ويخرج العمل بأكثر من حبكة، وهو أحد عناصر قوة العمل الدرامي، الذي يصنع فارقا في النهاية.
