بيت الدروازة بإبراء.. متحف يضم مئات المقتنيات الأثرية
- عبدالله الحارثي: نهدف إلى تشجيع الأهالي بترميم بيوتهم ولدينا فكرة إضافة مقهى ثقافي
"بيت الدروازة" في منطقة "المنزفة" بولاية إبراء واحدٌ من عشرات البيوت الأثرية التي تحتضنها هذه القرية التاريخية التي تعدد فيها تلك المباني الأثرية ذات الطوابق المتعددة والنقوشة بالزخارف الجميلة، حيث تروي قصص حقبة من الزمن تؤكد ثراء أهالي المنطقة الذين كان أغلبهم من التجار، ولقرية "المنزفة" مكانة تاريخية مهمة على مستوى سلطنة عمان نظرا لما تضمه من مبان هندسية جميلة إضافة إلى أنها كانت تمثل الثقل التجاري في ولاية إبراء بسوقها ومحلاتها التجارية، وقد تمكنت من استقطاب العديد من الرحالة والمؤرخين، فوصفها البعض في حينها بأنها من أجمل القرى العربية ذات الطابع الإسلامي والعربي الفريد التي امتزجت فيها المباني بين الهندسة العمانية وهندسة بلاد الرافدين.
وتعد منطقة "المنزفة" بحصونها وبروجها وأبنيتها القديمة المبنية بالجص والإسمنت العماني القديم معلماً تراثياً بارزاً. ورغم أن مباني القرية القديمة أندثر الكثير منها إلا أن الزمن لم يطمس معالمها ولا تزال شاهداً حياً على ما شهدته هذه المنطقة من ماض عـريق.
وسعى بعض الأهالي في الفترة الأخيرة إلى الاهتمام بهذه البيوت الجميلة من خلال ترميمها وإعادتها إلى هيكلها السابق خوفا من الاندثار على الرغم من إنها كلفت الآف الريالات نظرا لارتفاع أسعار مواد البناء لتعيد لقرية المنزفة هيبتها وجمالها.
"بيت الدروازة"
ويتحدث عبدالله بن حمد الحارثي المشرف على بيت الدروازة بقوله: "إن ملاك البيت الذين ورثوه عن أجدادهم حولوه إلى متحف تراثي جميل، يحتوي هذا البيت على مجموعة من الغرف والمجالس التي بها النقوش والزخارف الجميلة ومطبخ ومخزن به بئر ماء وبين جنباته المئات من المقتنيات الجميلة من البنادق والسيوف والعملات والمسكوكات القديمة والخلي الفضية والذهبية التي كانت تتزين بها المرأة العمانية وسروج الخيل والفخاريات والخوصيات والمفارش والسعفيات وأدوات الزراعة والحراثة حتى الأواني القديمة التي كانت تستخدم في الطبخ وصناعة الحلوى العمانية، وغيرها الكثير، وترميم هذا البيت يعود إلى عام 2012، في خطوة لتشجيع أهالي القرية على ترميم منازلهم الموروثة، وهي خطوة أولى لنموذج الترميم، وهذه البيوت التي يرونها الآن حتى ولو تهدمت فهي قابلة للتعمير والترميم لتكون متاحف أو نزل أو مقاهٍ في الفترة القادمة، لذلك بعدما شاهد مجموعة من أهالي المنطقة جودة الترميم بدأوا يفكرون في ذلك بشكل جدي".
فكرة وجود المتحف
أما عن فكرة إنشاء المتحف قال: "إن ولاية إبراء حاضرة بتاريخها الطويل وهي ليس بها مكان أثري تاريخي أو مكان يقصده الزائر والسائح ليتعرف عن تاريخ وحاضر هذه الولاية، لذلك أصبح بيت الدروازة هو مقصد لكل السياح والزائرين أو من خلال سياحة العائلات من الدول الشقيقة والصديقة ليتعرفوا على الجوانب الأثرية والتراثية في ولاية إبراء حتى وإن كانت القيمة المادية منها قليلة إلا أن القيمة التاريخية والحضارية والمعنوية والسياحية نراها مثرية بالنسبة لنا، بالإضافة إلى زيارة طلبة المدارس الذين تم ربطهم بهذه الموروثات في مناهجهم الدراسية وكذلك هناك جملة من الطلبة يأتون لتسجيل مجموعة من قصائدهم وأناشيدهم الوطنية في بعض الأماكن الجميلة ببيت الدروازة وهو ربط ما بين الجانب الوطني والتراثي، وبعض الزوار يأتون للاسترخاء في بعض الغرف يستلهم من خلاله ذكريات الماضي الجميل والمصورين الفوتوغرافيين الذين يتوافدوا في أخذ الصور لمختلف هذه المقتنيات".
ترويج سياحي مهم
وواصل الحارثي حديثه قائلا: "إن الجانب السياحي مبشر بالخير بعد انحسار تفشي فايروس كورونا وعودة الأنشطة المختلفة للعمل وتقليل القيود الاحترازية، وهناك مبشرات جيدة في الحراك السياحي الداخلي، إلا أننا بحاجة إلى ترويج سياحي وإعلامي جيد، والوصول إلى الشركات السياحية على أساس أن توضع في خارطة الزيارات لشمال الشرقية بيت الدروازة، لكونه أصبح مقصدا للزوار وهناك مجموعة من السياح يقومون بزيارة المنزفة لكن للأسف القائمين على المجموعات السياحية من هذه الشركات ملزمين بساعات معينة وليس لديهم الوقت الكافي لزيارة المتحف والبيوت الداخلية، لذلك يمرون مرور الكرام فقط، ونحاول أن نلتقي مع تلك الشركات ونقدم لهم العروض المرئية والترويجية التي تمكننا من إيجادها والتي توضح كل التفاصيل لهذا البيت التراثي الجميل".
80 ألف ريال قيمة الترميم
وقال عبدالله الحارثي بأن ترميم البيت بشكله الحالي كان بالفعل مكلفًا، والذي كلف ما يقارب 80 ألف ريال عماني من خلال إحدى الشركات المعروفة في ترميم من مثل هذه الأماكن الأثرية، والذين سبق وأن قاموا بترميم مجموعة من القلاع والحصون في سلطنة عمان والتي قمنا معها بمتابعة مراحل الترميم بأدق التفاصيل ومثل ما كان عليه من قبل دون تغيير في الشكل والمضمون، مضيفا في حديثة بأن جميع المقتنيات الداخلية من تراثيات مختلفة البعض منها توارثناها من الآباء والأجداد والأخرى تبرع بها بعض الأقارب والأهالي والبعض منها قمنا بشرائها من الأسواق التراثية من ولايات نزوى وبهلا ومطرح والتي تقدر بآلاف الريالات العمانية".
مقهى ثقافي
وعن الأفكار المستقبلية نحو تطوير بيت الدروازة قال الحارثي: "الفكرة قائمة إلى إضافة مقهى ثقافي من خلال استغلال الردهات الجميلة في هذا البيت الواسع، وكذلك السطح وهو بناء على طلب السياح والمواطنين والأهالي، ليكون ملتقى ثقافيًا متكاملًا به مجموعة من الكتب والصحف وكذلك الإنترنت، ونحن الآن في طور تجهيز الطاولات والكراسي بطابعها التراثي من البيئة العمانية، وهذا يأتي من خلال التشجيع والدعم من قبل وزارة التراث والسياحة التي تدعم مثل هذه الأفكار الجميلة مع وجود المساندة من محافظ شمال الشرقية ووالي الولاية".
بحاجة الى عمل جماعي
وواصل عبدالله الحارثي حديثه عن أهمية الإثراء السياحي والثقافي في مثل هذه الإمكان التراثية، موضحا بأن العمل الفردي لا يمكن أن يحقق أي نتائج وهو يحتاج إلى عمل جماعي من خلال إيجاد شركة أهلية مثل ما تم في ولايتي نزوى والحمراء، باعتبار هذه البيوت هي ملك لأفراد ومن الصعوبة ترميمها بشكل فردي وجمالية هذه القرية قربها من السوق القديم وكذلك الجامع والحارة القديمة، لذلك بحاجة إلى إيجاد سيارات ودراجات للتنقل الداخلي وكذلك الخيول والحمير مع إيجاد سوق شعبي وفعاليات وبرامج بين فترة وأخرى تتنوع ما بين الشعبية والشعرية والسياحية وعرضة الخيل والفنون الشعبية، وهو ما سيساهم في تنشيط الحركة السياحية أكثر طول العام مع إيجاد محلات ومطاعم شعبية ونزل ومقاهٍ وإحياء السوق القديم ولو ليوم واحدة في الأسبوع.
اهتمام شبابي
وعن إقبال الشباب على العمل والاهتمام بمثل هذه الأفكار وتطويرها أوضح الحارثي: " ما أراه شخصيا أن ميول الشباب إلى مثل هذه الأعمال قد يكون مختلفًا نوعا ما، وإن اشتركنا معهم في نقاط، وما لمسته في الشباب أنهم مهتمون بالتصوير والتركيز على مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك يحبون المظاهر، فتجدهم يميلون إلى ركوب الخيل مثلا، ولبس الخناجر واقتناء البنادق والسيوف التراثية، ولتلك أشياء ملهمة لهم، بالمقابل يمكنني أن أقول أن الشباب عنده نوع من العزوف عن التاريخ غير المادي والمقتنيات وغيرها، إنما يهمه جمالية الشيء والتصوير، ونحن نسعى إلى أن يهتم الشباب بهذا الجانب بشكل أوسع، لذلك نحاول تحويل مقترحاتهم إلى واقع ملموس تحقيقا لرغباتهم وتحبيبا لهم للمكان، ومن مقترحاتهم كما أسلفت استحداث المقهى الثقافي، ونحن لابد أن نساير هذا التوجه لأننا نريد أن نكون قريبين منهم ونقربهم ونحببهم بمثل هذه الأماكن التراثية للمحافظة عليها مستقبلا".
بيت الدروازة للجميع
واختتم عبدالله بن حمد الحارثي حديثه قائلا: "إننا نسعى بأن يكون بيت الدروازة للجميع من خلال استغلال بعض القاعات للاجتماعات مع توفير ما يحتاجه من شاشات عرض وصوتيات وأجهزة حاسب آلي وطابعات، كما نسعى لتسويق البيت من خلال فتح باب تأجيره بشكل متكامل لبعض العوائل بشكل يومي لقضاء أوقات جميلة فيه أو حتى لبعض العرسان إذا ما وجد بأنه يريد أن يكون يوم زواجه في بيت تراثي جميل ووضع فيه طابع الخصوصية مثل ما هو موجود في بعض الولايات الأخرى".
