الممثل والمخرج خالد العامري لـ"عمان": الجمهور العماني شغوف بالمسرح.. ونحن بحاجة لخريطة ثقافية وفنية بمواعيد محددة للفعاليات
أن تعشق المسرح حد الرغبة لأن تكون ممثلا ومخرجا ومشتغلا في جميع جوانبه ما هو إلا دليل ويقين على أنك قد عشت قصة الشغف مبكرا جدا، وغمرت بأضواء المسرح، وتشبعت بصوت تصفيق جمهوره، وأخذت كافة فنونه التعبيرية المتعددة لتتناغم وتنسجم معها وبها، هكذا هي قصة العلاقة العميقة بين "خالد العامري" والمسرح، التي بدأت منذ المرحلة الإعدادية واستمرت حتى الآن، دون الاكتفاء به كموهبة فقط، بل تعدى ذلك ليكون طريق دراسة، ومجال تنافس وسباق للمشاركة في فضاءات المسرح المختلفة.
في حديث ليس إلا نقاشا حول جوانب متعددة فيما يخص المسرح العماني، كان هذا الحوار.
* دعنا نبدأ منذ بداية الشغف بالمجال المسرحي متى بدأ؟
علاقتي بالمسرح بدأت في المدرسة، في المرحلة الإعدادية من خلال المشاركات في مسرحيات احتفالات السلطنة بالعيد الوطني المجيد والأعمال المرتبطة بالإذاعة المدرسية.. ولكن كبداية حقيقية كانت من خلال قسم الفنون المسرحية بجامعة السلطان قابوس وجماعة المسرح بعمادة شؤون الطلبة والأنشطة والفعاليات المسرحية التي كنا نقدمها في فضاء المسرح الجامعي وخارجه.
* التجربة الأولى في إخراج مسرحية مونودراما حصلت فيها على أفضل إخراج هي مسرحية "مجرد نفايات"، حدثنا عن هذه التجربة.
تجربة كان لها وقع كبير في عملي المسرحي، بدأت كفكرة عندما كنت والفنان الجميل عبد الحكيم الصالحي نستمتع بمشاهدة عروض مهرجان دمشق المسرحي في العام 2006، شدتنا عروض المونودراما، فالمونودراما عالم مليء بالسحر والانفراد مع الذات.
دعينا نوضح للقارئ مفهوم المونودراما.. هي مسرحية الممثل الواحد وهذا النوع من المسرح ليس بالهين، حيث يعتبر جنسا من أصعب الأجناس الأدبية لاعتماده على الممثل بشكل أساسي، وإبراز كل قدراته وإمكانياته الفنية، وتجسيد كل ما يدور من أحداث وأفعال على الخشبة وبالتالي يتطلب قدرة وموهبة عاليتين وبحث دائم عن أشكال ومفردات جديدة لإيصال فكرة العرض للمتلقي، فالبطل هو الأساس الذي يدير العرض وغالبا ما يكون الممثل حريصا كل الحرص على إنجاح العمل والاشتغال بكل طاقته في سبيل ذلك، ويسبقه الكاتب في البناء حيث تتجلى الصعوبة في تكبده مشقة كبيرة لإظهار أوجه الصراع والدقة في رسم الحوارات المناسبة للشخصية التي ستحاور نفسها بنفسها واختيار المفردات اللغوية المناسبة والكلمات التي تجذب انتباه الجمهور ونطقها لا يبعث على الملل.
بعد عودتنا من مهرجان دمشق المسرحي كانت التجهيزات على قدم وساق في جماعة المسرح بجامعة السلطان قابوس لإقامة المهرجان المسرحي الجامعي الخامس، فقررنا المشاركة في المهرجان بعمل مختلف وأن نختار عملا مونودراميا، بهدف خوض التجربة وتقديم نوع مختلف لم يكن متعارف عليه في المسرح العُماني.
طبعا كان الاشتغال صعبا ولكن بتوفيق الله ثم بجهود فريق العمل وبالأخص الممثل المتميز عبد الحكيم الصالحي، أستطيع القول إننا كنا أمام تحدٍ كبير جدا جدا لإقناع الجمهور أن يلتزم الصمت لمدة 36 دقيقة بنفس واحد متصل وأن يقف كل الجمهور في النهاية لتحية الممثل في أول عمل مونودرامي في السلطنة، بتحقيق ذلك كان النجاح مبهرا.
شاركنا بالعمل في أكثر من مناسبة، ولعل أبرز المشاركات كانت كأول عمل مسرحي عُماني يقدم في فرنسا من خلال الرحلة الثقافية السنوية التي كانت تقوم بها سبلة عُمان، كما شاركنا بالعمل في مهرجان الفجيرة للمونودراما، ومهرجان الطائف المسرحي حيث حصل عبد الحكيم على جائزة أفضل ممثل في المهرجان.
* أين يجد "خالد العامري" روحه تحلق في سماء المسرح... "تمثيلا أم إخراجا"؟
رغم حبي للتمثيل ومشاركات عديدة بين المسرح والتلفزيون والإذاعة، لكنني أميل أكثر للإخراج حيث أفضل تقديم عمل متكامل على جزئية أو دور في العمل.
* خلال الفترة من 2014 إلى 2017 كنت رئيس مجلس إدارة الجمعية العُمانية للمسرح، ما أهمية تلك المرحلة في مسيرتك الفنية؟
حقيقة كنا في فترة حرجة جدا بين مطرقة التغيير والخروج برؤية جديدة وهوية مختلفة للجمعية، وسندان الإجراءات والوضع الاقتصادي المتداعي، وأوامر التقليص والترشيد في الإنفاق، والذي يبدأ دائما بالثقافة والفنون وكأنها مجرد ترف زائد لا حاجة ملحة للمجتمعات.
خلال هذه الفترة كثير من المسرحيين انضموا للجمعية وكانت الطموحات كبيرة جداً، ولكن كانت العقبات أكبر، توصلنا لإيجاد موقع دائم بمرافق ممتازة وبدخل جيد ولكن بيروقراطية الإجراءات حالت دون تحقيق ذلك، ثم تم الاتفاق مع معالي وزير التنمية الاجتماعية، على أن يتم تخصيص طابقين من المبنى المخصص للجمعيات الذي سيتم إقامته في منطقة الخوض السادسة، مقابل ضم مبلغ المكرمة السامية من السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه- للجمعية، في المبلغ المرصود للبناء.
ولكن تم توقيف المشروع بسبب ترشيد الإنفاق العام في نهاية العام 2015م.
ولعدم وجود موارد ثابتة ودخل للجمعية، لم نستطع تحقيق الأهداف المنشودة بخلاف بعض المشاركات التي كانت تتمثل في فعاليات مصاحبة لمعرض الكتاب كإقامة ندوة وتقديم عرض مسرحي.
* عراقيل كثيرة تواجه المسرح في عمان، ولكن يبدو أن "أزمة كورونا" كانت أعظمها.. ولم تقتصر على المستوى المحلي، فما أثرها على المسرحيين من وجهة نظرك؟
كابوس أزمة كورونا فعلا كان صعبا على جميع الفئات، وكون المسرح يعتمد بشكل مباشر على الجمهور فقد كان من أكثر الفنون تأثراً بالجائحة، حيث عُطلت المهرجانات والعروض المسرحية المباشرة وفقد المسرح جمالية التواصل بينه وبين الجمهور.
ولكن رغم صعوبة الفترة إلا أن الكثير من الفرق الأهلية والمسرحيين حاولوا تقديم المسرح من خلال قنوات التواصل الاجتماعي والتحول إلى الواقع الافتراضي، كحل مؤقت حتى لا ينفصل المسرحيون عن التحديثات والتحديات الموجودة في العالم، فقد حضرنا عروض مهرجانات مسرحية من خلال اليوتيوب، وندوات مسرحية من خلال برنامج زووم، شملت الكثير من المسرحيين من مختلف بلدان العالم، وربما لمثل هذه الندوات إيجابية السرعة في التنفيذ وسهولة الحضور من أي مكان، ناهيك عن انعدام التكلفة المادية.
* حدثني عن الجائزة الثانية في المسرح المونودرامي .. مسرحية "مرزوق".
عطفاً على سؤال وضع المسرح خلال فترة كورونا، قمنا بتقديم هذا العمل المسرحي ضمن الأعمال المقدمة خلال فترة كورونا، بدعوة من مشرفة جماعة المسرح بجامعة السلطان قابوس رحيمة الجابرية لها كل التقدير، للمشاركة في مهرجان أيام المسرح المونودرامي الثالث، والذي كان عبر قنوات الواقع الافتراضي، حيث قمنا بالاشتغال على مسرحية من تأليف أحمد شنان كاتب سوري، وتمثيل حسام العزواني ممثل شاب شغوف، وكانت مشاركة جميلة جدا مع فريق عمل مختلف بالنسبة لي، كونهم شبابا جددا في مجالات مختلفة يجمعهم فقط حبهم للعمل المسرحي، وهذا كان التحدي الأكبر، ولكن بفضل الله قدمنا العمل من خلال التصوير التلفزيوني وحاز على جائزة أفضل إخراج وثاني أفضل ممثل وثاني أفضل عرض متكامل.
المسرحية واقعية ساخرة، تحمل الكثير من الإسقاطات على الواقع المعاش خلال فترة كورونا، وما صاحبها من تداعيات في أنظمة العمل وتراجع الحياة المعيشية للأفراد، ومنغصاتها وما يترتب على حال المسرحين من أعمالهم، والتي تأتي أحيانا أسباب هذا التسريح غير منطقية للأوضاع، وما يمكن أن تتسبب به للأشخاص، إضافة إلى خط موازٍ ساخر يجسد الاحتمال المنقذ لهذه الشخصية البطل، والتي لا تتحقق إلا في الخيال غالباً.
* يقتصر الاهتمام بالمسرح على فئة محدودة، حيث إن المجتمع ما زال لا يعول على المسرح الكثير، ولا يُقبل عليه كإقباله على سواه، ولا يدرك أحد أن هناك جمهورا متعطشا للمسرح إلا حين يحضر، ويرى ذلك بأم عينيه، فكيف يمكن خلق توازن بين الفئتين من الجمهور؟
ربما أختلف قليلا في مضمون السؤال، لأن الجمهور العُماني متابع بشكل كبير وشغوف بالمسرح، وقياسنا لذلك من خلال التجربة، حيث إن الحضور دائما ضعف المقاعد المخصصة وأحيانا أكثر من الضعفين، وفي كثير من العروض تكون العروض لأيام متعددة ونجد جمعا غفيرا من الجمهور لا يجد مقعدا للاستمتاع بحضور العرض، ربما قلة دور العرض وتركيز العروض المسرحية على المهرجانات وكفعاليات مصاحبة لم يسهم في رسم خارطة فنية ثابتة مع الجمهور، بمعنى أن تكون عروضا مسرحية في موسم العيد، وجدولا سنويا لعروض مسرحية مثبتة بتواريخ معينة، في هذا الجانب أتفق بشدة لحاجة البلد لوجود خريطة ثقافية وفنية بمواعيد محددة وثابتة حتى نستطيع جذب المتابعين من خارج الوطن، وليس من الداخل فقط، كما يسهم في اختيار الجمهور للعروض التي يرغب بمتابعتها وحجز التذاكر وتنسيق المواعيد لذلك.
* دعنا نتحدث على مستوى أكبر من مجرد فرق أهلية.. ألا يحتاج المسرح العماني إلى مسار واضح ليكفل له الاستمرارية والبروز أكثر؟
نعوّل كثيرا خلال الفترة المقبلة على الجمعية العُمانية للمسرح بعد قرار الفصل الذي نتابعه في الفترة الحالية، وهذا القرار صائب جدا إذا ما تم توفير الدعم والإمكانيات المناسبة للاستمرار وتحقيق نجاحات أعلى مما تم تحقيقه، وبالاشتراك مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب لرسم خريطة فنية مسرحية سنوية ضمن الخريطة الثقافية للسلطنة.
بالإضافة إلى الدور الكبير الذي تقوم به وزارة الثقافة والرياضة والشباب، والتي تمتلك جميع المقومات من خلال الاختصاصات المنوطة بها، بين الثقافة والشباب وهما عماد المسرح وتوفر البنية التحتية بشكل مبدئي حتى وإن كان غير احترافي في الأندية الرياضية من قاعات تدريب ومسارح لتمكين الشباب والفرق الأهلية من الاشتغال والانطلاق بأعمال مسرحية تسهم في تجديد الروح المعنوية بعد فترة كورونا وما سببته من انقطاع بين المسرح والجمهور.
* في نظرك هل حقق المسرح العماني حضوره وترك بصمة في الوطن العربي؟
المسرح العُماني موجود وبقوة، ومنافس ومتحدٍ في المساحات الثقافية والمهرجانات العربية والخليجية، من خلال الكُتاب المسرحيين وكذلك من خلال العروض التي يقدمها، ولدينا من الممثلين والمخرجين والفنيين من يشار لهم بالبنان ولله الحمد.
* إلى ماذا يطمح خالد العامري في مجال المسرح؟
الطموح تحده السماء، وهو عال جدا، والهدف أن يكون هنالك كيان مسرحي عُماني يضم كافة المسرحيين، نجد فيه كل المقومات التي نحتاج إليها لتقديم الفكر والإبداع المسرحي وننتشر منه للعالم، ويحفظ الحقوق لمنتسبيه ويعاملهم بكرم وسخاء معاملة الأب لأهل بيته بمعنى أن يكون بيت المسرحيين العُمانيين.
