الكاتبة الكويتية «أنفال الدويسان»: القصة المؤثرة التي تؤثر في كاتبها أولا ثم الجمهور
قصصي تتخمر في رأسي وتزعجني ولا أرتاح إلا حين أفرغها على الورق
أجمل شعور لمؤلف القصص الدرامية حين يرى شخصياته الورقية صارت واقعية
«صديقات العمر» جعلني أؤمن أن قصصي التي أحبها لاقت استحسان الجمهور
الكوميديا منطقة خطرة والأغلبية يفشلون بها.. وأنا أفضّل الدراما المرتبطة بالعلاقات الاجتماعية
قد لا تكون البداية في كتابة نص درامي أمرا سهلا كما يتصوره البعض، قد تتوفر الأفكار، وتكثر القضايا، لكن كتاباتها بالشكل الذي يكون مقنعا للمخرج وشركة الإنتاج أولا ثم الجمهور، وربما هي مجازفة كبرى أن تصرف مبالغ هائلة على إنتاج عمل درامي باستخدام نص كتبه مؤلف جديد، وألف تحية للكاتب الذي يملك الإصرار على إثبات نفسه، والمحاولة حتى يحصل على الموافقة والدخول في عالم الدراما، ولا يكون دخولا عاديا، بل دخولا يحقق النجاح بجدارة، هذا حقا ما أثبتته الكاتبة الكويتية «أنفال الدويسان».
«صديقات العمر» بإطاره الاجتماعي وأسلوبه المليء بالعاطفة تمرست «أنفال الدويسان» وانطلقت لتقدم «في أمل»، وحلقات من «حكايات»، وأثبتت نفسها بـ«ذكريات لا تموت» فظلت بعملها الدرامي ثابتة في ذكريات الجمهور، ولم تمر بـ«محطة انتظار» عابرة، ولم يكن آخر أعمالها «الروح والرية» إلا إثبات لذاتها وحضورها في الوسط الفني، لتكون أحد أهم الأقلام التي تنجح بكل ما تقدم، وتثبت أنها إما أن تقدم ما ينجح وإلا فلا. وعلى الرغم من أن نصها الجديد «حياة لا تشبهني» كان على وشك أن يعرض في رمضان المبارك إلا أن عدم الانتهاء من أعمال المونتاج والمكساج أخّر عرضه. وللحديث عن الدراما وعما تكتبه «أنفال الدويسان» كان لـ«عمان» هذا الحوار.
في عالم مليء بالتنافس الشديد لنصوص درامية متمكنة، كيف استطاعت أنفال الدخول بثقة؟
بصراحة لم أكن واثقة أن نصوصي ستنجح بسبب أنني واجهت رفضا من شركات الإنتاج لسنوات طويلة، لدرجة أني شككت في كل ما أكتبه وآثرت أن أتوقف عن المحاولة، لكن ظهور العمل الأول وهو مسلسل صديقات العمر، غيّر فكرتي تماما، فردود الفعل كانت رائعة وغير متوقعة، وآمنت أن قصصي التي أحبها لاقت استحسانا وحبّا متبادلا من الجمهور الذي ملّ من القصص الخيالية البعيدة كل البعد عن مجتمعاتنا.
لعل أهم وأبرز ما يميز كتاباتك مقدرتك على التواصل مع مشاعر الجمهور، ليست القصة فقط وإنما محتوى النص (السيناريو والحوار)، فهل تجدي ذلك أسلوب نجاح العمل الدرامي؟
مثلما يعبّر الرسّام عن مشاعره من خلال اللوحة، فالمؤلف يفترض به أن يعبّر عن مشاعره من خلال القصة التي يكتبها، فأنا أظل فترة طويلة أبحث عن القصة المناسبة، وإن تأثرت بها وأنا أسمعها أيقنت أنها ستلامس الجمهور ثم أبدأ بكاتبتها بكل حب، وأحيانا كثيرة أبكي مع شخصياتي وأضحك معهم وأتأثر بالأحداث التي تمر بهم، وعندما أصل للصفحة الأخيرة أشعر بالحزن وكأني أودّع شخصيات حقيقية عشت معها زمنا.
ماذا عن العلاقات الأسرية التي تحضر كثيرا في نصوصك؟
كل مجتمع سواء خليجي أو عربي فيه الأسر المترابطة وفيه المتفككة، وشخصيا أحب كتابة القصص المتعلقة بالعلاقات، تجذبني بكل تعقيداتها، وأشعر أنها أفضل أنواع الدراما فهي تستهويني كمشاهدة وكاتبة.
ألا تفكري بالاتجاه نحو الدراما الكوميدية؟
الكوميديا منطقة خطرة جدا، والأغلبية يفشلون بها، لذا أفضّل نوع «اللايت كوميدي» وهو الدراما الاجتماعية البسيطة التي يتخللها بعض المشاهد المضحكة وإن شاء الله أقدّم هذا النوع قريبا.
النص الدرامي هو المسؤول المباشر عن نجاح العمل من عدمه، ألهذا يتحجج الكثر بأن الخليج يواجه أزمة نص؟
صحيح أن النص هو العمود الفقري لأي عمل ناجح، لكن هناك أمورا أيضا مهمة كالإخراج والإنتاج واختيار الفنان المناسب، الديكور والأزياء، كلها لها دور كبير في إبهار المشاهد وشد انتباهه، وفي الخليج كتّاب كثر متمكنون، لكن للأسف شركات الإنتاج تبحث عن النص الأرخص ثمنا وبعد أن يفشل المسلسل تتحجج بعدم وجود نص جيد.
يبدو أننا بحاجة للحديث عن «حياة لا تشبهني»، إلى أين يقودنا هذا العمل؟
حياة لا تشبهني من القصص القريبة من نفسي جدا، قصة وقعت أحداثها في الثمانينيات لأسرة واجهت الكثير من الصعوبات، تتصادم فيها أحلام الشخصيات بواقع لا يشبه الحياة التي كانوا يحلمون بها في خيالهم، وقد تأجل عرض العمل لعدم انتهاء أعمال المكساج والمونتاج إلى بعد رمضان.
هل أصبحت المشاركة في كل رمضان بعمل درامي ضرورة بعد النجاح في الأعمال السابقة؟ أم أن الكاتب يجب أن يتريث والغياب لا يعني التقصير تجاه الجمهور؟
لو تُرك الخيار لي لاخترت أن تكون كل أعمالي خارج رمضان؛ لأنني لا أفهم لماذا تصر التلفزيونات والمنصات على زيادة الترفية في هذا الشهر الفضيل؟ هو شهر القرآن وللأسف أصبح شهر الترفيه! عندما أسمع مصطلح السباق الرمضاني والذي يُقصد به المسلسلات أشعر بالخجل، لأن السباق سباق عبادة وعتق من النار، وكل الترفيه يستطيع الانتظار إلى بقية أشهر السنة، لكني حقا لا أملك القرار بتوقيت عرض المسلسل. والمفترض أن الكاتب يكتب عندما يشعر أن هناك قصة تستحق أن تُكتب، وليس للوجود فقط، ولا يهمني إن غبت لسنوات طالما أني لم أكتب قصة جيدة أقتنع بها أنا أولا قبل أن يقتنع بها المشاهد.
قد يشتكي الكاتب الكويتي من العثرات التي تحول بينه وبين حضوره في الدراما، ولكني أشعر أن الكاتب الكويتي هو الأوفر حظا عن غيره لا سيما مع اعتلاء الكويتية القمة في الخليج، فما قولك حول ذلك؟
كوني كاتبة كويتية، سأقول إن الكويت كانت حاضنة للفن منذ الستينيات، لدرجة أن الخليج تعوّد على الدراما الكويتية وعشقها، والآن هناك الكثير من المعوقات فالحرية في الكتابة لم تعد كما كانت في السابق والقيود زادت رغم أنه يفترض أن يحدث العكس، وهناك معوقات أخرى كشح المخرجين، وقلة وجود فنانين خاصة في سن معين، مواقع التصوير محدودة ما بين البيت والمول والمطعم، واتجاه كثير من شركات الإنتاج إلى الإنتاج التجاري الرخيص مما يؤثر على النتيجة النهائية للعمل الدرامي.
إلى أي مسار تتجهي في الكتابة القادمة أم أن الفكرة لم تولد بعد؟
تشغل تفكيري بعض القصص، أبدأ بكتابة ملاحظات في دفتري، وأقرأ عن الموضوع لفترة، أتحدث مع شخصيات مرّت بتجارب مقاربة، تتخمر القصة لوقت في رأسي ثم تبدأ القصة بإزعاجي، تدور كثيرا في عقلي لدرجة أني لا أرتاح إلا عندما أُفرغ كل ما في رأسي.. وهنا تبدأ مرحلة الكتابة.
حدثيني عن الشعور الذي يخالجك عند رؤيتك لشخوص نصك المكتوب يتشكلون في الواقع؟
أجمل شعور يراود الكاتب عندما يرى شخصياته صارت حقيقية من لحم ودم، صار لها صوت، تضحك، تبكي، تتكلم، تعبّر عن كلماته وتوصّل إحساسه، حماس كبير لا أستطيع وصفه، لكنه أكثر ما يسعد نفسي.
