الفنانة أمينة عبدالرسول: الدراما العمانية غنية باللهجات وتعكس تنوع المجتمع العماني
نجمة لمعت في التمثيل مع بزوغ شمس النهضة المباركة، وانطلاقة تلفزيون سلطنة عمان، من رواد الفن العماني، دخلت إلى كل بيت من أقصى سلطنة عمان إلى أقصاها عبر شاشات التلفزيون، وأحبها الجمهور لأدوارها اللطيفة خفيفة الظل، رزينة المعنى، وواصلت مسيرتها حاملة رسالتها وهي الفن الجميل في حلة عمانية، وإلى جانب التلفزيون لها أدوار إذاعية، فشاركت في إعداد وإخراج وتقديم مختلف الشخصيات الدرامية، وحملت بين أجيال عديدة في الإذاعة والتلفزيون، خبرتها التي تجاوزت نصف القرن، وهي في قمة عطائها وفي منتصف العمر، حيث بدأت هذا المجال منذ صباها ومن مقاعد الدراسة، وكانت تعشق المسرح وتشارك في أدواره وكانت انطلاقتها منه في عام 1974.
وشاركت في أول عمل تلفزيوني إلى جانب المخرج أمين عبد اللطيف في مسلسل «الشايب خلف - مسافر خانة»، بجزأيه الأول والثاني، وامتدت المسيرة بعد ذلك مع «سوالف»، و«أبو منازل طالع ونازل»، و«الصحة والمجتمع»، و«عايش زمانه»، و«جمعة في مهب الريح»، وغيرها الكثير حتى هذا العام مع مسلسل «منا وفينا».
اختيرت أفضل ممثلة في مسابقة مهرجان الفرق المسرحية الأهلية بعُمان عن دورها في مسرحية «الكهف»، كما تم تكريمها عن أعمالها في مسلسلات وأعمال وريادة للفن العماني المسرحي.
تعود الفنانة العمانية أمينة عبد الرسول إلى طفولتها وتستذكر مراحل تكوين الفنانة، وتروي لـ «عمان» أنها في الصغر تصنع الدمى وتقوم مع بنات الحي بإعداد أوان للعب، ومن أقرب الناس صديقتا الطفولة كريمة درويش ورحمة درويش، كنّا نلعب ونصنع الدمى والأواني، والهواية التي كانت تستهويني في صغري قيادة الدراجات الهوائية، واشترى لي والدي واحدة، فكنت الوحيدة في المنطقة أقود دراجة هوائية، وعندما التحقت بالمدرسة أحببت التمثيل، وتم ذلك صدفة، فكنت أمثل وأشارك في المسرح المدرسي، وكان عمري سبع سنوات وكنت أمثل، ولكن لم أكن أعي ما أقوم به وأنه هو التمثيل، وعشقت التمثيل ومارسته في أيام الدراسة حتى تحولت إلى حقيقة.
•التمثيل في السابق مختلف عن التمثيل الحالي.. لم يكن هناك منصات متخصصة لبث الأفلام كـ «نتفليكس» و«شاهد» وغيرها، ولم يكن الناس يصلون للفضائيات ومشاهدة المسلسلات التركية والإسبانية الذي وسع مرجعياتهم الفنية..
- الناس في الوقت الراهن أصبح لديها خيارات عديدة، أما في زماننا حين بدأنا في السبعينيات كان لدينا العمل المسرحي والتمثيل هو المسرح، والجمهور لا يوجد لديه اختيارات وكان ذلك التلفزيون الأبيض والأسود، والناس تنتظر الأعمال الدرامية الكوميدية لشهر رمضان.
ومن الأمور الجميلة في السابق حين كنا نعمل في مسلسل «الشايب خلف» بجزئيه الأول فالثاني، وبعدها استمرت المسيرة، وكان العمل يكتب بطريقة حرفية، لأن المؤلفين لم يكونوا كثُرا، وكان المخرج أمين عبد اللطيف، يجتهد كثيرا مع الكاتب جمعة الخصيبي، فكانت هناك توليفة جميلة، والأعمال حين كانوا يقدمونها كانت مرسومة لشخصيات معينة، لأن المخرج والمؤلف يعرفان إمكانيات الفنانين، فكانوا يكتبون العمل لتلك الشخصيات، وفي اعتقادي حين يكون العمل مرسوما لشخصيات محددة، تجد فيها حرية للفنان، ليقدم الدور بكل أريحية، فكانت النجاحات.
• هل كان هناك أدوار ارتجالية أثناء التمثيل؟
- ليست ارتجالية وإنما حوار، أحيانا بعض المشاهد حين نؤديها، يكون هناك حوار بين «شيخوه» -قمت أنا بدورها- وزوجها -وقام بدوره الفنان محمد نور- وقبل أن يبدأ المشهد، وقبل التصوير، نجلس سوية ونراجعه ونحرر فيه إن كان يحتاج للتعديل أو نضيف إليه بعض الإضافات الصغيرة، بحضور المخرج.
• ماذا عن عقلية الجمهور؟
- رحم الله جمعة الخصيبي، كان من أوائل الكتاب والمؤلفين للدراما العمانية في الإذاعة والتلفزيون، وكان متخصصا وعندما يكتب العمل يراعي جميع جوانبه، ابتداء من الشخصية، فالإخراج، والدور إلى المشاهد، وكانت نجاحات الأعمال كبيرة لعدم توفر قنوات أخرى، ولم يكن الجمهور وحده من ينتظر العمل، وإنما نحن الفنانون، ننتظر لنتابع أدوارنا بشوق، ونرى ماذا قدمنا، ولم يفتني عملا كنت فيه، لأنني أريد أن أرى كيف قدمت عملي، وكيف يمكن أن أطور من أدائي وأتفادى نقاط ضعفي، في الأعمال القادمة.
• برغم تطور التقنيات.. ما زالت الدراما العمانية القديمة أقوى من الحالية. ما رأيك؟
- ربما ينقصنا كاتب السيناريو، لا نجد لدينا كاتبا متخصصا في الدراما التلفزيونية، لأننا لو عدنا للوراء، حينما وجد جمعة الخصيبي، وأحمد درويش الحمداني، التحقوا بدورات متخصصة في الدراما، ولذلك حينما يكتب يكون ملما بجميع خطوط العمل، كما أن الجيل السابق يمتلك الموهبة المتقدة، وكانت هناك روح، وكنا حين نعمل لا نفكر في شيء خارج إطار العمل، وعندما ندخل للأستوديو، أو مكان التصوير لا نفكر في شيء، ونرمي كل شيء وراءنا، وينصب تفكيرنا في كيف يمكن أن نقدم هذا العمل وننتظر نجاحه بكل شوق، ويوجد هناك تآلف وود بين المخرج، والمؤلف، والفنان، وطاقم العمل، والانسجام الذي يجعل العمل أقوى.
• الأعمال السابقة كانت تركز على القضايا الاجتماعية في قالب كوميدي.. حاليا كوميديا بلا رسالة! هل ذلك صحيح؟؟
- يوجد رسالة في الأعمال الحالية، ولكن القالب الكوميدي غير موظف بطريقة تجذب المشاهد، لأن الكوميديا من أصعب الأعمال، وليس من السهل أن تضحك الجمهور، وليس كل فنان يمكن أن يتقبله الجمهور في العمل الكوميدي، فهي موهبة من رب العالمين، ولكن أحيانا يكون توظيفها في غير محله، لذلك تجدين نوعا من الخلل في العمل.
• هل تناقش الدراما الحالية القضايا الراهنة؟
- نعم تناقشها، وموجودة، ونحن نطرح قضايا في الأعمال التي نقدمها من المجتمع نفسه.
• هناك قضايا أكبر لا يستطيعون مناقشتها أو تنفيذها، الجمهور يرى أن الكوميديا مبتذلة، والفنان لا يلعب الدور بشكل عفوي!
- كما أخبرتك العمل الكوميدي ليس لأي شخص أن يقوم به، والدليل أنه يتصنع الضحك ويتصنع الدور والجمهور «فاهم»، وفي السابق كانت الكوميديا هي الموقف نفسه بغير تصنع تنتج تلقائيا، لأن الكاتب يرسم السيناريو ويعرف الشخصيات، واختيارهم يكون في محله وحتى المخرج أحيانا، يقال عنه في السابق بأنه ينحاز «للشللية»، ولكن لو ركزنا في نجاح العمل، وإذا خدمت «الشللية» العمل وساهمت في نجاحه لم لا؟ بما أن الاختيار صحيح للشخصية، وقدمت العمل في أكمل وجه، ولا يجب أن يكون النجاح مائة بالمائة، إذا وصلت رسالته وتقبله الجمهور فهو ناجح، والمخرج هو المسؤول الأخير عن العمل كاملا.
• مسلسل «منا وفينا» لشهر رمضان هذا العام.. ما هي القضايا التي طرحها العمل؟
- تطرق العمل إلى العديد من القضايا كدور الخطابة، وتداول الأموال، وغيرها من الهموم اليومية التي يعايشها المواطن في المجتمع.
• في رأيك كفنانة شاركت في العمل، ما الذي ينقص العمل؟ وما الذي يرضي الجمهور؟
- في كل المجتمعات وكل الدول يحاول طاقم العمل أن تكون أعماله الأفضل، ونحن دائما ننتقد أعمالنا لأنها من بيئتنا، لأننا نحاول أن نقدم الأفضل، والجمهور يبين رأيه وينتقد لأنه يطمح لتقديم الأفضل، وهي ظاهرة صحية، فهذه الانتقادات تجعل المشاهد أكثر اهتماما ومتابعة ليرى عيوب العمل، وهنا يكون المتفرج بين الشد والجذب.
• لماذا لم نجد تأثير عارف الطويل على العمل الدرامي العماني برغم مسيرته الكبيرة وأعماله القوية، ولماذا لم نشعر ببصمته؟
- إخراج المسلسل كان جميلا، ولكن عملنا كان محليا بحت، لم يستطع إضافة شيء على العمل، ولكن الإخراج بشكل عام جيد وجميل.
• هل تفتقر الأعمال للمؤثرات السينمائية؟
- بجهود المخرج والمؤلف والصوت يحاولون تقديم العمل بكل احتراف، ونحن نطمح للوصول إلى العالمية، عندما نرى أعمالهم وما تحتويها المشاهد من مؤثرات، ولكن صناعة الدراما لدى الغرب أكبر، فهم متقدمون عنا بخطوات، والمؤثرات تصنع وهناك متخصصون فيها، وهنا يجب علينا أن نعمل أكثر، ناهيك عن أن مجتمعنا مجتمع هادئ، ومسالم ومجتمعاتهم لديهم «أكشن» في حياتهم، وبالتالي ينقلون صورة مجتمعهم إلى أفلامهم، أما مجتمعنا فهو مجتمع جميل، وقضايانا ليست بذلك التعقيد، لذلك حين نقدم عملا فإننا نقدم الشيء الجميل الذي يعكس مجتمعنا واحتياجاته، ونحن لسنا في مجتمع ملائكي، ولكن قضايانا ليست كلها تطرح في الإعلام.
• هل يوجد «تابوهات» تجعل القائمين على تقديم المسلسلات ينحون عن القضايا الشائكة؟
- هناك قضايا كقضية العنوسة، أو قضية الباحثين عن العمل، أو غلاء المهور جميعها تخدم العمل الفني إذا قدمها بطريقة جميلة لا تسيء لجهة معينة، هذه الأطروحات ليست سهلة ويمكن أن نقدمها، ولكنها تحتاج لمتخصص يستطيع طرحها، لأننا لو طرحناها ولم نوجد لها حلا ستكون بلا جدوى. نتمنى عندما يكتب السيناريو والعمل أن يقدم بذكاء وفن وإبداع، مع طرح القضية وطرح خيارات الحلول ليتقبلها الجمهور.
• ما رأيك في الفنانين الحاليين والجيل الجديد؟
- هناك في الجيل الجديد من يعمل بالاشتغال في أنفسهم، ومن يحب أن يكون موجودا في الساحة الدرامية، وقد أثبتوا ظهورهم ووجودهم، لتقديم الدور بطريقة مقنعة جدا.
• نجد الفنان يقدم عملا رائعا في الأعمال الخارجية، وهو نفسه يقدم أداء مغايرا بمستوى أقل في العمل المحلي. لماذا؟
- الطرح.. بطرح القضية والسيناريو، والمخرج هو سيد العمل، جميعها تلعب دورا في أداء الممثل ومستواه.
• لما لا ندمج الثقافات في العمل المحلي، ونتجاوز الطابع التقليدي في طرح القضايا، ونعكس الفكر الحالي السائد في مسلسلاتنا؟
- يمكن أن يتجاوزوا قليلا، وستنعكس الجمالية، إذا سمح الوقت، كنا قدمنا أداء أفضل، ولكننا اشتغلنا في وقت ضيق، وهذا غير مناسب ليتولد الإبداع، ونتمنى بعد العيد أن تكون هناك اقتراحات ونصوص، ويكون هناك وقتا لمراجعة النصوص من التلفزيون والجهة المعنية التي تراقب النصوص، ولو كانت تحتاج إلى تعديل لأن الوقت سيسعفنا، وهذا الوقت هو الذي يولد الإبداع.
• الدراما العمانية، هل يمكن أن تنافس الدراما الخليجية والعربية؟
- إن شاء الله...
• تم تقديم أربعة إلى خمسة أعمال إذاعية في شهر رمضان الجاري، مقارنة مع عمل تلفزيوني واحد، وبالرغم من كون مدتها أقصر إلا أن العمل فيها يوازي العمل الذي يقدمه التلفزيون.
- صحيح.. الإذاعة أقوى. ومع أن الوقت ضيق، إلا أن الإذاعة سمعية، فالأهم أن نوصل للمستمع الحس الموجود في المشهد، كتاباته التلفزيون نفسه، ولكن مقارنة بالتلفزيون، فإنه يتطلب تصويرا ووجودا في مواقع وتحديد أماكنه وأدواره، وفي النهاية يتم إنتاج العمل فتظهر الوجوه، والكاميرا تراقب كل شيء، أما الإذاعة صعبة، وفي الوقت نفسه سهلة وممتعة، والإذاعة لديها كتاب مختلفين في النص وأطروحاتهم متنوعة، لذلك كانت أعمالهم أكثر.
• ماذا عن اللهجات، هل صحيح أن الدراما العمانية تلجأ للهجة معينة لإثارة الحس الساخر، وماذا عن بقية اللهجات، مع الزخم والتنوع في اللهجات العمانية؟
- مسلسل «منا وفينا»، «كوكتيل»، احتوى على مختلف اللهجات والمحافظات، وهو أمر جميل من غير تكلف للممثل مع براعة وفن الكاتب، فالمؤلف جمع بين اللهجات برغم بثه من العاصمة مسقط، وقد حاول أن يعكس تنوع محافظة مسقط باحتوائها على سكان من مختلف المحافظات، فضم اللهجات المتعددة، وسيلاحظ الجمهور لهجات من محافظات «الداخلية، والشرقية، والباطنة، ومسقط، ومسندم، وظفار»، وفي رأيي أن هذا التنوع يعكس كل المجتمع العماني ولا يختص بمنطقة محددة.
• ماذا ينقص الدراما العمانية؟
- لا ينقصها شيء، الممارسة والتكرار يعلم الإنسان، في بداياتنا في السنة الواحدة كنا نقدم أربعة أعمال، وكان هناك تكرار وممارسة، ولكن الآن تأتي الأدوار من سنة إلى سنة بعمل واحد فقط يعرض في شهر رمضان المبارك، فكيف تتوقعون أن يكون الأداء، فالاستمرارية أمر ملح وضروري.
• هل العائد المالي وحجمه ينعكس على مستوى أداء الممثل؟
- لا أظن، بالرغم من أهمية الجانب المادي وأصبح ضرورة نظرا للغلاء الذي نعيشه في وقتنا الحالي، إلا أننا في السابق وبرغم قلة الأجور كان هناك إبداع، ومع ذلك أدعو أن يتم دعم الفنان ماديا ومعنويا، فالحياة تغيرت في كل أحوالها، ومن ضمنها الفنان، وأجر الفنان، فيجب أن يراعى الفنان بأجره الذي يستحقه.
• السوشيال ميديا يضم جمهورا يتجاوز متابعي دراما الفضائيات والإنتاج التلفزيوني، فهل ذلك سببه أن تمثيلها أفضل؟
- معك في كل الأوقات وفي كل اللحظات متى ما أردته وجدته موجودا، عكس الأعمال الدرامية، وليس كل من جاء من مواقع التواصل الاجتماعي إلى التلفزيون نجح فيها، وهناك الكثيرون من آثروا الانسحاب، لأنهم لم ينجحوا في اختبار لحظات الدور على عكس «السوشيال ميديا»، يكون في يدك وفي لحظتها يمكن أن يقول وينشر ثم يحذف، في حين إن المسلسل التلفزيوني سيبقى مع الجمهور.
• هناك قنوات تحتكر المسلسلات.. هل لدينا ما يواكب هذه الأعمال التي تبحث عمن يحتكرها ويقدمها..
- ذلك كله يعتمد على التسويق، ويجب أن يكون التسويق قويا ليصل إلى الناس.
