الشيخ أحمد بن سعود الكندي: كنّا نجتمع في قلعة السويق أو مسجد الحصاة أو الصعود إلى جبل الحوراء لرؤية الهلال
ما زالت الذكريات القديمة لدى كبار السن مع شهر رمضان حاضرة فهي لا تنسى رغم مرور السنين، حيث يحتفظ الجميع بهذه الذكريات مع تقدّم العمر ويعقدون المقارنة بين رمضان الماضي والحاضر، يوم أن كانت المدن والقرى تغلّفها الروابط الاجتماعية بصورة أكثر مما نشاهده حاليا.
في حوارنا لهذا اليوم نستذكر أحاديث ومواقف رمضان مع من عاصروا الكثير من المتغيرات والأحداث السياسية والاجتماعية، فلا عجب من توارد الخواطر من مكنونات العم الشيخ أحمد بن سعود بن سليمان الكندي فهو سليل العلاّمة سعود بن سليمان الكندي قاضي ووالي الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، الذي استمر في القضاء فترة طويلة في حكم السلطان سعيد بن تيمور والسلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراهما- لذلك فتح قلبه لهذا الحوار رغم ندرة حواراته وتعذّره لأكثر من مرّة عنها.
في البداية يحدّثنا العم أحمد عن أول رمضان أتمّ صيامه، ومن شجّعه على الصيام وتوقيت شهر رمضان في ذلك العام، فيقول: بدأت الصيام في عمر العاشرة وكان والدي -رحمه الله- قاضيا وواليا في بهلا، وكنت معه ذلك العام وأمرني أحد المقربين منه بالصيام، ولكنني لم أستطع إتمام أول يوم بسبب الحرارة الشديدة وطول الوقت، حيث صادف عز الصيف وعندما رجع والدي من مجلس القضاء ووجد آثار التعب علي غضب وأمرني بألا أكلف نفسي، وكان ذلك العام عبارة عن تدريب، حيث صمت أياما متقطّعة ثم بحمد الله أكملت الشهر تاما في العام التالي وبرعاية وتشجيع من والدي ووالدتي رحمهما الله.
وعن الاستعداد لشهر رمضان، يقول: هي استعدادات روحية تسبق الشهر الفضيل، حيث إنه في آخر أسبوع من شعبان يشكّل الناس فرقا لتهيئة المساجد من خلال إعادة تأهيلها، وتغيير البسط والفرش وتنظيفها وتبخيرها باللبان وتجهيز أواني الماء سواء الجِحال أو القرب، بالإضافة إلى قيام وكيل المسجد بتأمين التمر أو الرطب من أوقاف المسجد لإفطار عابري السبيل أو الفقراء، وهكذا تكون التجهيزات مكتملة قبل دخول رمضان؛ وفي يوم 29 شعبان الذي يسمى يوم الشك تكون بمثابة احتفالية، حيث يتم ذبح بعض الأغنام وتقسيم لحومها في أكياس تباع بسعر زهيد لغير الميسورين، حيث يأخذ كل شخص على قدر إمكانياته، وفي العصر يجتمع الشباب والكبار لرؤية الهلال في أماكن مرتفعة، ففي حارة السويق وردة الكنود بنزوى كنّا نجتمع في قلعة السويق أو مسجد الحصاة أو الصعود إلى جبل الحوراء لرؤية الهلال ثم إبلاغ الناس أو القاضي بذلك، ليتم ثبوت الشهر والشيء نفسه عند نهاية رمضان؛ وفي أحد الأعوام كنّا مجموعة نتراءى هلال شوّال ولم نستطع رؤيته بعد غروب الشمس مباشرة وأثناء صلاة المغرب شاهده المرحوم سالم بن ناصر السيباني، وأبلغنا فاستطاع ثلاثة منّا رؤيته وذهبنا لإبلاغ الوالي وكان يومها السيد هلال السمّار -رحمه الله- ووجدنا وصول بلاغات من قرى أخرى بنزوى، وتم إثبات عيد الفطر، وإطلاق المدافع في مناطق مختلفة.
وتابع العم أحمد حديثه عن الذكريات الرمضانية، قائلا: أذكر في أيام وجودي مع والدي في بهلا أننا قمنا بتحري هلال العيد برفقة العسكر وشاهدنا الهلال، وتم ثبوت العيد، وضُرب المدفع وكان صوته قويّا وصل إلى بلادسيت، حيث سمعه سكان القرية فقاموا بضرب مدفعهم الذي سُمع هو الآخر من ولاية الحمراء، وأصبحنا مفطرين فرحين بالعيد، وصادف في ذلك اليوم وصول الشيخ سليمان بن حمير النبهاني من نزوى لزيارة الوالد (وكان يمتلك سيارة) وشاهد مظاهر العيد في بهلا فاستغرب كون الهلال لم يُر في نزوى والناس كانت صائمة 30 رمضان فأفطر معنا، ثم ذهب إلى نزوى لإبلاغ الإمام برؤية الهلال فتم الإعلان عن العيد ظُهرًا وبعض القرى وصلها الخبر العصر فكانت هذه من أبرز المواقف التي يتذكّرها الكثيرون ممن عايشوا تلك الحقبة.
أعمال متنوعة
ويواصل العم الشيخ أحمد الكندي الحوار الشيّق عن قضاء أيام رمضان، فيقول: يبدأ يومنا قبل صلاة الفجر بتناول السحور ثم أداء الصلاة تتبعها حلقة في المسجد، وهي عبارة عن درس تعليمي، ثم قراءة جزء واحد فقط من القرآن حسب تاريخ اليوم من رمضان، ثم يتجه الناس لأعمالهم اليومية، ومساعدة أهاليهم في ذلك، وبعد الفراغ منها نجتمع مجددا قبل صلاة الظهر لممارسة بعض الحرف اليدوية مثل صناعة السعفيات وفتل الحبال وغيرها، ثم نرتاح لوقت الصلاة، وبعد الفراغ منها يذهب الناس للسوق، حيث كان نشاط السوق بين نهاية صلاة الظهر وقبيل غروب الشمس، حيث يعود الناس لمنازلهم استعدادا للإفطار.
أما عن أهم الوجبات الرمضانية وقت الإفطار والسحور فيقول: الوجبات الرئيسية عند الإفطار التمر في فصل الشتاء والرطب في فصل الصيف وعند الانتهاء من صلاة المغرب نتناول بعض الوجبات كالأرز والشوربة والحسيوَه «عبارة عن حلبة مع الأرز والدنجو أو اللوبيا» وبعض الوجبات الأخرى ومعظم أصناف الطعام وخاصة الحبوب والبقوليات متوفرة من خلال الإنتاج المحلي، حيث كان الناس يتبادلون المحاصيل بينهم خلال فترة الحصاد، وكان الترابط سمة ذلك الزمان، وكانت بعض الأشياء النادرة تباع بالحبة كالهيل، أما القهوة فكان أغلب القادمين من البحرين يحضرونها التي تعد هدايا في أكياس صغيرة مع الحلوى والرهش.
وتناول ذكرياته مع الأيام الصعبة في رمضان فيذكر أنه في أحد الأيام سمعنا طلق نار «صايح» وهو معروف لدى الناس على أنه طلب إغاثة، وكان في الصيف، حيث خرج الناس والعسكر نحو مصدر الإغاثة ولم أستطع تحمّل تلك المشقّة، وكان الطريف في الأمر أنه عند وصولنا لمكان إطلاق النار لم نجد الأمر ذا جدوى وإنما مجرد رماية عادية يمارسها الناس، حيث استهجن الجميع هذا الأمر خاصة في نهار رمضان والناس معروف عنهم التآلف وغوث المحتاجين بسرعة.
مظاهر اختفت
كما تحدّث العم أحمد خلال الحوار عن المظاهر التي اختفت، فقال: خلال شهر رمضان كان المسحّر رجلا معينا من الحارة بإلقاء بعض الكلمات ودق الأبواب لإيقاظ النوّام لأجل إعداد السحور وطبخ الطعام، وفي ذلك الوقت كل الناس هكذا فتراهم كلهم مستيقظين فرحين كل بيت تفوح منه رائحة الطبخ، ومن لم يستطع فسوف يساق له ما تيسر من طعام من الجوار؛ لكي يتسحر، وفي العشر الأواخر نقوم لصلاة التهجد وكلنا يد واحدة أو عائلة واحدة والحمد لله زمان مضى مع أهله -رحمهم الله- كذلك في أول أيام العيد يخرج الناس جماعات لصلاة العيد، حيث نلتقي نحن أهالي حارتي السويق وردّة الكنود مع أهالي المدّة ثم يلتحق بنا أهالي العلاية فنتجمّع ونسير بالتكبيرات التي تهز المكان حتى الوصول للمصلى، حيث تصل أفواج حارتي العقر وخراسين ثم أهالي حارة سعال وكلهم على قلب رجل واحد يهللون ويكبّرون، وعقب الانتهاء من الصلاة وتبادل التهاني والتبريكات، يغادر الإمام المصلى ويصطحب معه أعيان الولاية والوجهاء للاستقبال في الحصن بينما باقي المصلّين يعودون بأهازيج إلى موقع العيود مع ضرب الدفوف والبرغام وهو آلة موسيقية قديمة ولم تكن الطبول موجودة بعد ثم يعود الناس لمنازلهم لاستكمال باقي أفراح العيد.
