منوعات

الحكايات الخرافية ودلالاتها في مصر القديمة

10 يونيو 2022
10 يونيو 2022

الأقصر "د.ب.أ": تعد الحكايات الخرافية نوعا من الأدب الشعبي التي تعكس الفكر والإبداع الجماعي، كاشفة عن جوانب مهمة في تاريخ وتراث الشعوب في فترات زمنية معينة، ونتاج التفاعل بين الإنسان ومحيطه حيث يفيض المخزون الوجداني والإبداعي، فتحمل كل حكاية منها سمة خاصة بها.

وقد أنتجت الحضارة المصرية القديمة العديد من الحكايات الخرافية، على المستويين الدينى والشعبي، فالأولى على غزارة الفكر والإنتاج إلا أنها ارتبطت بالجانب الإلهي العقائدي، فعلى سبيل المثال نُقش على غطاء تابوت الملك سيتي الأول المحفوظ في المتحف البريطاني في لندن، منظر الساعة السابعة من كتاب البوابات، حين يصل معبود الشمس من خلال بوابة تحرسها حية واقفة على ذيلها ومعها مجموعة من المعبودات على شكل مومياء، ويأمر المعبود "siA سيا" رب المعرفة والذكاء الحراس بفتح الباب من أجل رع ليضيء نوره الحجرة الخفية، وذلك وفقا لدراسة حديثة، للباحث المصري في علوم المصريات، الدكتور محمد إمام.

الدراسة التي حملت عنوان "دلالات الحكايات الخرافية في مصر القديمة"، وحصلت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) على نسخة منها، أشارت إلى ذلك العالم الغيبي الذي تصوره المصريون القدماء، والذي جاء انعكاسا لحياتهم اليومية، حيث كانت الثعابين لديهم مصدرا للخوف وباعثا عليه، وقد تهاجم من يقترب منها لتحمى نفسها، لذا نظروا لها بأنها تحمل صفتي الأذى والحماية، لذا جعلوا من أدوارها حماية كل ساعة من ساعات الليل مع المعبودات المصاحبة لمعبود الشمس، ففي الساعة السادسة من كتاب ما هو موجود في العالم الآخر نرى ثعبانا ضخما بخمسة رؤوس في أقصى اليمين يلتف حول المعبود "خبر" ويسمى كثير الوجوه، وهو أحد أشكال الثعبان "مِحِنْ" الحامي لرع ووصف بأنه "ذيله في فمه"، فهو يلتف حوله ليجعل من جسده مقصورة له ليحميه في رحلته في العالم الآخر.

نماذج من الحكايات الخرافية الشعبية

وروى الباحث المصري الدكتور محمد إمام، من بين ما أورده من حكايات في دراسته، نص حكاية "أولاد خوفو والسحرة"، حيث كُتِبَتْ الحكاية على بردية ويستكار، وحكاها الأمير خفرع -آنذاك- لوالده خوفو عن زوجة "أوبا أونر" كبير كهنة بتاح المرتلين في منف، والتي أغرمت بأحد سكان المدينة، وأخذت ترسل له الهدايا مع إحدى خادماتها لتواعده، ولما قبل الرجل قال لها، إن لزوجك منزلا فى مكان هادئ بجوار البحيرة، فهيا بنا هناك لنستمتع، فأرسلت إلى مدير البيت المشرف على البحيرة لتجهيز البيت، وذهبت إليه مع الرجل والخادمة وقضيا اليوم يتناولون الشراب، وفى المساء ذهب الرجل ليستحم في البحيرة، وكانت الخادمة تحت إمرته، ورأى الحارس كل ذلك.

ولما اضاءت الأرض في اليوم الثاني، ذهب مدير البيت إلى أوبا أونر وأخبره بما حدث، فقال له آتني بالصندوق المصنوع من الذهب والأبنوس، وصنع بمحتوياته تمساحا من الشمع، وقال له ضعه في البحيرة عندما ترى الرجل ينزل بها، وفى اليوم الثانى أرسلت الزوجة إلى مدير البيت ليجهز البيت، وقضت اليوم رفقة الرجل والخادمة في مرح وشراب، وعند المساء نزل الرجل إلى البحيرة فوضع المدير تمساح الشمع في الماء فتحول إلى تمساح حقيقي طوله سبعة أذرع وقبض على الرجل وغاص به في الماء.

في هذا الوقت كان كبير المرتلين في صحبة الملك نب كا ومكث معه سبعة أيام، ظل فيها الرجل تحت الماء بلا تنفس، فلما عاد قال كبير المرتلين إلى الملك فلتأتى وتشاهد شيئا عجبا حدث في عهدك، ونادى أوبا ونر على التمساح فخرج له قابضا على الرجل، فارتاع الملك، وقص له الكاهن المرتل ما حدث، فقال الملك للتمساح خذ الرجل فهو ملكك، فغاص به التمساح إلى عمق البحيرة ولم يُعرف ماذا حدث له، وأمر بالقبض على الزوجة الخائنة واقتيادها إلى الحديقة شمال القصر لتُحرق وألقى برمادها في النيل.

فأمر الملك خوفو بتقديم قربانا إلى الملك "نب كا" ألف رغيف من الخبز و100 إناء من الجعة وثورا وكيلين من البخور، وقربانا أخر إلى "أوبا نفر" رغيفا وإناء من الجعة وقطعة لحم كبيرة وكيلا من البخور.

التمساح في العقيدة المصرية القديمة

ووفقا للدراسة فإن الحكاية تشير في سياقها العام إلى عقوبة الزنا، فالرجل مات غرقا والزوجة أُحرقت بالنار، وهي العقوبة التي أشار إليها بتاح حتب في تعاليمه حيث قال قاصدا الزنا "أن لذتها قصيرة وعاقبتها وخيمة تنتهي بالموت".

كما تدلنا على أن التمساح في العقيدة المصرية القديمة حامى العدالة ومعاقب الآثمين، وقد جاء في بردية Salt 825 في سياق حرق الأعداء بالنار صورة التمساح تعلو رأسه ريشة العدالة "ماعت" وسُمى بالذي "يعيش على الفاسدين"، فمن طبيعة التمساح أنه يُغرق ضحيته أولا، ليمنعها من التنفس.

ولما استدعى الكاهن وبا أونر التمساح ليخرج إلى الملك قابضا على الرجل، فكأنه أعاده إلى الحياة مرة أخرى، وهنا – وبحسب الدراسة - نلاحظ تحكم فيما لا يمكن التحكم به، الموت والبعث، فالتمساح مثّل في العقيدة المصرية القديمة إعادة البعث والولادة مرة أخر.

رمزية الثعبان أن البشر استعملوا السحر في شتى العصور طبقا لمتطلبات الحياة، وذلك من أجل الحماية من المخاطر أو تحقيق مطالب.

وجاء من بين النتائج التي توصلت لها الدراسة، أنه كان من ضمن أدوار الثعبان في مصر القديمة الحماية والرعاية، وأما فى العصر الإسلامي، فقد تغير دور الثعبان في مصر من الحماية والرعاية، ليكون رمزا للشفاء، فلقد عثر على ثعبان من الحجر يلتف حول زوج من الأعمدة يعلو مدخل البيمارستان بالقاهرة، والذي يرجع إلى القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي.

وكم النتائج أيضا أن السحرة في مصر القديمة اعتمدوا على المعرفة، خاصة مع ارتباط السحر بالكهنة المرتلين الذين كان من شروط تقلدهم المنصب الدراية بالقراءة والكتابة، وأن المعرفة كانت تُعْتَبَرُ أحد أدوات القوة وجزءا لا يتجزأ من التنشئة الاجتماعية لفئات معينة في مصر القديمة.