منوعات

الأدب الساخر بين المسرح والسينما.. رسائل هادفة لعامة الجمهور بصورة رمزية

23 يونيو 2022
23 يونيو 2022

- د. سعيدة خاطر: الأدب الساخر يزدهر بازدهار الحرية.. ويموت بموتها

- سالم الرحبي: الساخرون محترفو يأس من نوع نادر

- عبد الحكيم الصالحي: السخرية هي بوح الشعوب المنكوبة

- أسامة السليمي: اقتراب من المجتمعات البائسة التي تبحث عما يخفف عنها

تعد السخرية في الأدب والمسرح والسينما شكلا راقيا من أشكال إيصال الرسائل لعامة الجمهور بمختلف فئاتهم ومستوياتهم، حيث يعكس حالة نادرة، غير واضحة المعالم من عدم القبول والاعتراض على الواقع الذي يعيشه الأفراد في مجتمع ما، مبتعدا قدر الإمكان عن المواجهات التي تتصادم مع السلطة، فالسخرية تحمل في طياتها رسالة مبطنة تلميحية تكشف عن مدى قدرة الجمهور على التقاط إشاراتها ومستوى وعيه وثقافته لما يدور حوله.

«عمان» تسلط الضوء على مفهوم الأدب الساخر وأهدافه ودور السخرية في تشكيل وعي عامة الناس وأسباب تقلص ظهورها في الثقافة العربية والعمانية تحديدا من خلال هذا الاستطلاع.

تعرية القبح..

تعلق الناقدة والشاعرة الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية حول هذا الموضوع بالقول: «إن الأدب الساخر له دور كبير في توعية الناس فهو يقوم على تعرية القبح، بل يقوم بتكبير العيب مضاعفا عدة مرات؛ لينتبه له من لم ينتبه في العادة وهو بهذا أشبه برسام الكاريكاتير، ينتزع الضحكة من تكبير العيوب».

وتضيف أيضا: «إن الإضحاك هنا ليس هو ما يهدف إليه الكاتب بمعنى أن الضحك ليس من أجل الضحك والتسلية فقط، فالأدب الساخر هو أدب راقٍ يهدف إلى توعية عامة الناس بقضايا مجتمعهم وأمورهم الحياتية التي قد يمرون عليها مرور الكرام دون أن يتوقفوا عندها، وتزخر أجناس الأدب المختلفة بهذا النوع من الكتابات شعرا وقصة ورواية ومقالا وسينما ومسرح فمجالات الأدب الساخر رحبة ومتنوعة».

كما تشير إلى أن كاتب الأدب الساخر يحمل رسالة هادفة يريد إبلاغها، وعلى المتلقي أن يكون لماحًا ذكيًا مثقفًا مطلعا؛ ليستطيع أن يلتقط وخز الإبرة الموجعة الموجهة له لنقد المجتمع وقضاياه.

من جانبه يقول سالم الرحبي، كاتب ومهتم بأدب السخرية عن واقع الأدب الساخر وتمثلاته: «إن الأدب الساخر يمثل حالة من التمرد الأصيل، تبدأ بتمرده على الأسلوب الأدبي التقليدي، المغمور بجديته. بل يعمد الكاتب الساخر في الكثير من الأحيان لاستضافة الأدب التقليدي كمادة للسخرية، كاشفا بذلك التزمتَ الواهي الذي تمرض به الكتابة الأدبية. والأدب الساخر إذ يتمرد على صورة الأدب الاعتبارية لدى الناس، كُتابا كانوا أم قراء، فهو لا شك مصطدم بالمنظومة الثقافية التي يصدر عنها ذلك النوع السائد من الكتابة ويستمد منها شرعيته، أي أنه يتمرد على المجتمع وسلطاته بمختلف تلوناتها».

ويشير الرحبي إلى أن السخرية قد تأتي كإحدى بنات أفكار اليأس الخلاق، المخلص من فداحات الغد الكاذب، ومسعف الكتابة من آمال شاقة، تكبر وتصغر وفقا للراهن السياسي في الأوطان التي نكتب منها وعنها. فالساخرون، من وجهة نظر الرحبي، هم محترفو يأس من نوع نادر، يأس لا يقف جدارا زجاجيا بينهم والحياة، بل هو تعبير عن حالة نضج أقرب للحكمة، واستيعاب متعالٍ لشروط الواقع.

السخرية في المسرح والسينما..

وفي مجال الحديث عن الفن الساخر وارتباطه بالمسرح والسينما والذي ينعكس على كثير من النصوص المسرحية والسيناريوهات السينمائية، يشير الممثل عبد الحكيم الصالحي إلى أن الفن الساخر يتخذ أشكالا متنوعة تتراوح ما بين النكات والطرائف وهي الأكثر ظهورا، والكوميديا السوداء تارة، وما بين الكاريكاتير والمسرح والسينما والشعر والمقال وكذلك الكتب وغيرها من الفنون التي تطاوع بني البشر لتكون متنفسا لهم. ويضيف أيضا أنه رغم صعوبته وجديته، فالبعض يظن أن الفن الساخر هو لإضحاك الناس ليس إلا، ولكنه ليس كذلك فحسب، فهو يوظف الضحك لنقد الواقع من أجل تشخيصه والبحث عن علاج له. فهو بوح الشعوب المنكوبة، وأكثر الشعوب معاناة أكثرها سخرية في محاولة دائمة من الإنسان لتجاهل واقعه المرير.

وعن الأغراض المبطنة للسخرية يضيف الصالحي: «ليس الغرض الأول للسخرية إضحاك العامة، وهي إن كانت تفعل؛ إلا أن القصد منها خلق وتشكيل وعي العامة تجاه قضايا سياسية حساسة انتهجتها الأنظمة، أو اجتماعية درج الناس على ممارستها، إضافة إلى ذلك تهدف السخرية عامة إلى إبراز العيوب ومكامن الضعف والقصور في الفرد والمجتمع على حد سواء، على الصعيد الجسدي والأخلاقي والسياسي، بغرض تعريتها وتسليط ضوء النقد عليها، لنقلها نحو الأفضل ما أمكن».

ويوضح أسامة بن خميس السليمي، مخرج وكاتب مسرحي بفرقة نخل للمسرح، أن السخرية بشكل عام وسيلة توعية تساهم في إيصال رسائل مختلفة للمجتمع بهدف التوعية أو الثورة أو ما شابه من أغراض وأسباب، فيجد أن هنالك عدة فنون تخدم سياقات تلك الأهداف كالموسيقى والرسم والمسرح والسينما. ويضيف حول المسرح والسينما: أن هناك عدة فنون ومدارس تنحدر منهما كالكوميديا والتراجيديا والأدب الساخر، ويشير أيضا إلى أن الفن الساخر يأتي بصور مختلفة وأشكال متعددة منها: التندر، والمحاكاة، والتمثيل، والمجاراة. كما أن هذا الفن يتوشح بوشاح الكوميديا؛ لذا نجده الأقرب من المجتمعات البائسة التي تبحث عما يخفف عنها مشاكلها ويوعيها بطريقة مقبولة وقريبة تلامس من يتلقاها، وهنا يبرز دور السخرية في توعية عامة الناس.

تقلص ظهوره في الثقافة العربية والعمانية..

وعن أسباب غياب أو تقلص ظهور الأدب الساخر في الثقافة العربية والعمانية تحديدا، تشير الدكتورة سعيدة خاطر إلى أن هذا الأدب كان مزدهرا في الثقافة العربية وأن صاحبه محبوب مبجل تنم كتابته عن إبداع وذكاء، عندما كانت الحضارة الإسلامية العربية في أوجها يقلدها الجميع في الغرب والشرق، لكن في الوقت الحالي أصبح من يكتب هذا النوع من الكتابة مهرجا ومستسهلا، ولعل ذلك يعود إلى عدم الموهبة لدى الكاتب لتفجير الموقف الساخر؛ فكتابة كهذه من وجهة نظرها تحتاج لمقدرة في استعداد الكاتب واتسامه بالظرف في شخصيته، بالإضافة إلى أمر مهم يتمثل في نقصان حرية التعبير في الوطن العربي، فالأدب الساخر يزدهر بازدهار الحرية، وينطفئ ويموت بموتها. وتشير إلى أن أسباب نقصه في عمان تعود إلى أن الشخصية العمانية بشكل عام جادة صارمة، تشاكل تضاريس البيئة العمانية من جبال وصخور، كما أن هامش الحرية ليس متوفرا بشكل كاف.

وفي حالتنا العمانية، يطرق سالم الرحبي أسباب تقلص الأدب الساخر ويشير إلى أنه يكاد يتعذر الحصول على كاتب ساخر، فهناك سخرية ينطوي عليها أسلوب بعض الكتاب العمانيين إلا أننا لا نجد ذلك الكاتب الذي ترتبط الكتابة الساخرة باسمه ارتباطا عضويا، عن قصد واصطفاء مسبق لهذا اللون من الكتابة ويعود ذلك لكون سخرية الواقع والأقدار لم تنضج بعد في موهبة جديرة باستنطاق مكامن السخرية من ركام حياتنا اليومية، وتقديمها في رغيف أدبي للقراء، يتجاوز شكل النكتة إلى كتابة فنية متكاملة البناء، باعتبار الأدب الساخر شأنا جادا كذلك، ربما كان هذا حقيقيا إلى حد بعيد. غير أن الدعوة لموهبة كهذه تتطلب مناخا ثقافيا يرحب بالقادمين الجدد إلى اللغة الأدبية بلغة جديدة تضمن لهم المكوث غير طارئين على المشهد، لا يعلنون أنفسهم حراسا للتراث أو روادا للحداثة، كما يستمرئ المقدمون عادة لعبة «التناقض» هذه لتقديم أي اسم أدبي في محفل عام، بل هم القادمون من قهقهاتٍ مكتومةٍ أمام الحريق. ويتساءل الرحبي هل ستنجو هذه الموهبة من مشقة الاعتراف بها، كجزء حقيقي من المتن الأدبي قبل أن تحترق؟ ناجون قلة قد يستطيعون الإجابة على سؤال كهذا. ويضيف قائلا لا بُدَّ أيضا من العودة إلى مفردة «التزمت» من جديد، لفهم المناخ الأدبي الذي تصدر عنه الكتابة العمانية، التي وإن كانت قد قطعت شوطا معقولا في سبيل التخفف من أعباء التزمت الذي يفرضه المجتمع والتراث، إلا أن مرحلة الانعتاق تظل بعيدة. كما يشير إلى أنه من الواضح أن مناخا كهذا لن يتلاءم مع طبيعة الكاتب الساخر، وهو الموسوم عادة بقدرته على الالتفاف والاختراق. وحتى بافتراض وجود مناخ حر للتعبير، مكفول قانونيا، فلن تزدهر تلك المساحات من الحرية، المرعية بعيون القانون، إلا بمحاولة استئناسها كتابيا، فما زال المكفول قانونيا غير مكفول اجتماعيا أو دينيا. وبالرغم من كون الأدب الساخر أكثر الألوان الأدبية طواعية لمخالسة الرقيب إلا أنه لن يتجاسر على الوجود في مناخ من التزمت، تشرف عليه أشكال الكتابة المألوفة بصمت.

ويضيف الرحبي: «قد تكون الكتابة سؤالا ملحا لدى أصحاب «الكار» أنفسهم، لكنها لا تزال سؤالا مؤجلا لدى الشارع، ريثما تستتب شؤون الإنسان الأولية؛ لأن الجو محموم بالتنقيب عن «الحلول»: الحكومة، ورب الأسرة، والموظف... كلهم تواقون لإيجاد حلول، سريعة وفعَّالة بالطبع، بينما الكتابة لا تستطيع وحدها أن تعد بذلك. فكيف يكون للكتابة الساخرة قبول في جو محموم بالسؤال عن الحل العاجل؟ ربما كانت هذه إحدى بوادر القسوة التي تلوّح بها العبارة الرائجة «الثقافة هي الحل».

المقص الرقيب

ومن جانب المسرح والسينما يقول عبدالحكيم الصالحي: «في عصرنا هذا عادت الكوميديا السوداء للظهور وبقوة في العالم العربي وبرزت أسماء سطرت حروفها على رقصات المعاناة وعلى ضحكات الجماهير التي تدير ظهرها لواقعها التعيس له، فحالات الرفض للواقع، أحد موضوعات هذا الفن وهو تعبير عن الحالة العامة، وناطق بلسانها، وكلما كان النص الفني أو الأدبي ذكيا وصادقا كان أكثر فاعلية. وفي الدول التي ترفع سقف الديمقراطية، يستطيع الفن الساخر أن يتجاوز التبعات القانونية لما يقدمه، فهو يقولب نفسه بأشكال وأساليب تبدو ناعمة، في ابتعادها عن العنف، لكنها حادة وأكثر فتكا في أثرها على القضايا والمواقف.

ويطرق باب هذا الفن في الثقافة العربية فيشير إلى أنه رغم وجود الديمقراطية في الدول العربية، إلا أن هذا الفن يبقى مقيدا ومحكورا ويتدخل فيه المقص الرقيب - على مستوى دول الخليج- مما يؤدي إلى ظهوره أحيانا بصورة خجولة تكاد تكون تستحي وتخاف من الظهور الحقيقي أمام الجمهور لذلك فإن هذا الفن موجود - في الدول العربية- ولكنه خجول ومقنن نوعا ما في دول الخليج.

وقال السليمي: «إن الفن الساخر في بدايات ظهوره بمختلف أشكاله، خلق زوبعة فنية انتشرت في جل بلدان العرب، ولكن سرعان ما أثر ذلك عكسيا على صورة هذا الفن، وأضعف من قوامه لعدة أسباب ولعل أهمها انتشار البرامج التي تتصف بجودة ضعيفة من هذا الفن، وأيضا عدم السعي إلى تطوير الفن والبحث عن صور فنية ساخرة جديدة أدى إلى ركود مخرجاته، وإيجاد نوع من الإشباع وعدم التقبل عند المتلقي». كما أشار من جهة أخرى إلى ركاكة الفنانين والسيناريوهات المقدمة للمجتمع التي باتت تحمل طابعا دون المستوى المطلوب، والذي بدوره قلص من ظهور الفن الساخر على حقيقته في مختلف الثقافات العربية.