901649
901649
مرايا

الواسطة (فيتامين واو)

25 يناير 2017
25 يناير 2017

ماريا الفزارية -

كلية العلوم التطبيقية بصحار -

قد تكون بين حشود المنتظرين في إحدى الدوائر الحكومية أو المستشفيات أو حتى المؤسسات الخاصة مثلا، ثم يأتي أحدهم متأخرا ويدخل قبل الجميع، وقد يتقدم المئات لوظيفة معينة ويحصل عليها أحدهم عن طريق معرفته بأحد المديرين أو المسؤولين عن التوظيف، ويحصل الطالب غير المهتم على درجات تفوق جهده الذاتي ولا يستحقها.

مواقف روتينية صادفها البعض في حياته كثيراً في مجالات مختلفة، والمسميات متداولة لهذه الظاهرة، فالبعض يسميها «فيتامين واو» التي تغذي متطلباته الذاتية، أما المسمى المتداول أكثر (الواسطة أو المحسوبية) والتي وصفت بأنها فيروس العصر لأنها متفشية بشكل واسع جداً في مجتمعاتنا العربية، حتى أنها أصبحت تُعرف باسمها العربي كأحد المصطلحات في المراجع الإنجليزية (wasta).

«الواسطة أو المحسوبية هي طلب العون والمساعدة في إنجاز شيء يقوم به شخص ذو نفوذ لدى من بيده قرار العون والمساعدة على تحقيق مطلوب لشخص لا يستطيع أن يحقق مطلوبه بجهده الشخصي» أيضا تعرف الواسطة على أنها «اعتبار القرابة العائلية أو المعرفة الشخصية في تحقيق أمر ما». وكما نعلم بأنها ظاهرة منتشرة بشكل واسع تضاربت حولها الآراء بين معارض ومؤيد، حيث وصفت بأنها أسوأ أنواع الفساد والظلم، لأنها تكون بصورة غير مرئية أو ملموسة لذا لا توجد أدلة تدين من يتعاملون بها. والبعض الآخر أخذها بشكل دبلوماسي، حيث أخذت من منظور قضاء حوائج الناس، وبرهنوا بحديثهم قوله- صلى الله عليه وسلم- «أحب الناس إلى الله- عز وجل- أنفعهم للناس»، من جهة أخرى تحجج البعض بأنهم أجبروا على التعامل بالواسطة كمواكبة لما يفعله الأغلب وكإنهاء لأعماله في أسرع وقت ممكن وبالشكل المطلوب.

مجتمعاتنا العربية عبارة عن مجتمعات مترابطة بشكل كبير تحدها العادات والتقاليد من كل النواحي، لذا فطلب تنفيذ الواسطة أمر لا يمكن رفضه، وإن رفضه أحدهم تكون عواقب قراره وخيمة، وقد تؤدي إلى تفكك أسري -لا قدر الله- لذا فهناك ضغط كبير وتأنيب داخلي مؤلم على الموظف لتنفيذ طلب الواسطة، فهي تؤخذ من جهة إرضاء القريب وتقديم المساعدة له. تعد الواسطة من أكثر أنواع الفساد الإداري انتشاراً، وهي الوسيلة الّتي تعطّل سير الكثير من الأمور باتجاهها الصحيح، وتستبدل النظام بالفوضى، ولذلك كان لا بد أن يتم القضاء على هذه الظاهرة، ففي كثير من الدول قد توضع بعض التشريعات الّتي قد تساهم أو تعدّ شكلاً للقضاء عليها، ولكنّها قد لا تأتي بحلّ سليم يستأصلها أو يقلّصها للحد الأدنى، ولا يسمح لها بالعودة مجدّداً.

ولحلّ هذه الظاهرة أو التقليل من انتشارها، لا بد في البداية النظر في أصل وأساس المشكلة، القرار بأيدي الجميع إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم، بما فيها من ظلم وإضاعة لحقوق الغير، وهذا فساد في الأرض وإثم عظيم، وهناك بعض الحلول التي قد تسهم في التقليل أو الحد من انتشار هذه الظاهرة: أولاً لا ترضى بأن تحصل على شيء بدون جهدك الذاتي، بدون طلب عليه، وبدون انتظار، فهذه الامور تشعرنا دائماً بلذة إنجاز ما نحصل عليه مهما كان الحصول عليه صعباً.

من جهة أخرى يجب متابعة الموظفين بالتوعية والإرشاد، كتنظيم محاضرات وندوات توعوية في الأماكن التي تنشر فيها هذه الظاهرة، أيضاً ووضع لوائح إرشادية وملصقات تذكيرية تمنع من التعامل بالواسطة والتوعية الاعلامية، وسن قوانين وعقوبات تدين من يتعاملوا بالواسطة للطرفين، وايضا غرس مفاهيم المساواة وعدم التفضيل بين الآخرين بغض النظر عن دينه وجنسه وعرقه، إلى جانب تربية الأبناء على الأخلاق الحسنة كالتواضع وعدم فرض آرائهم وطلباتهم على الآخرين، فكل خلق يتربى عليه الطفل منذ نعومة أظافره ويتعامل به يكبر معه هذا الخلق ويأخذه أينما ذهب.

ختاماً أتمنى من الجميع أن يوقظوا ضمائرهم في كل صغيرةٍ وكبيرة، وأن يحترموا خصوصيات وأخلاقيات العمل، وقد تحدثت في مقالي هذا عن ظاهرة المحسوبية التي تؤذي مجتمعاتنا وتضرُّ بها، ظاهرة لا صلة لها البتة بتقديم المساعدة، بل هي ضرر للمجتمع مما تؤدي به من حقد وضيم في نفوس الآخرين.