أفكار وآراء

هيلاري كلينتون والطريق للرئاسة الأمريكية 2020

20 ديسمبر 2019
20 ديسمبر 2019

إميل أمين - كاتب مصري -

يوما تلو الآخر تقترب انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020 من بلورة شكلها النهائي، أي تحديد الفائزين بترشيحات الحزبين الكبيرين الديمقراطي والجمهوري، وفي الأثناء تعيش الولايات المتحدة الأمريكية معارك سياسية طاحنة لم تعرفها من قبل إلا مرتين عبر التاريخ الحديث الأولى في أوائل سبعينات القرن المنصرم حين قدم الرئيس ريتشارد نيكسون استقالته اثر فضيحة ووترجيت، والثانية أواخر التسعينات حين تعرض الرئيس بيل كلينتون لمساءلة العزل قبل أن ينجو من الفخ.

والشاهد أنه على الرغم من كل صخب وضجيج ما يسمى بمحاولات عزل الرئيس ترامب إلا أن الرجل بداية يبقى جواد الجمهوريين الرابح في الفوز بولاية رئاسية ثانية، ولا يوجد على صعيد الحزب الجمهوري من هو قادر أو رغب في منافسته.

عمليا يمضي دونالد ترامب بلا تحد على الجانب الجمهوري، فليس من المتوقع في هذا الوقت، كونه الرئيس الحالي، أن يواجه تحديا سياسيا داخل الحزب الجمهوري خلال المرحلة التمهيدية للانتخابات.. هل يعني هذا انه لا يوجد مرشحون جمهوريون آخرون ولو بشكل اعتباري وليس جوهريا؟

الشاهد انه ظهر منافسون جمهوريون محتملون في عام 2019، منهم الحاكم السابق لولاية ماساتشوستس «ويليام ف. ويلد»، والحاكم السابق لولاية ساوث كارولينا، مارك سانفورد، وعضو الكونجرس السابق عن حزب الشاي، جو والش.

ويعد المنافسون الثلاثة شخصيات سياسية معترفا بها إلى حد ما، لكنهم يفتقرون إلى الدعم القوي داخل الأوساط الجمهورية أو اليمينية الذي يمكنهم من تشكيل تهديد وجودي لحملة ترامب..

وفي الحقيقة وفقا لصحيفة «نيويورك تايمز»، رفضت المؤسسة الجمهورية بسخرية هؤلاء المنافسين الثلاثة متسائلة هل هم «الفرسان الثلاثة» أم «المغفلون الثلاثة»؟. وعلاوة على ذلك، فقد انسحب سانفورد بعد شهرين من حملته الانتخابية مقرا بأنه «يتعين على المرء أن يكون واقعيا»، ما يفيد بان لا مرشح جمهوري آخر سوى ترامب، كما أن الأمريكيين عادة لديهم ميل في إعادة انتخاب الرئيس الشاغر المقعد من جديد إلا استثناءات قليلة.

في هذا الإطار يبقى السؤال:«ماذا عن الحزب الديمقراطي وصراع الترشح للرئاسة، والجواد الرابح القادر على كبح جماح دونالد ترامب ؟

يمكن القطع أن الأسماء الديمقراطية على الساحة لا يوجد بينها من يضارع ترامب - على إشكالياته المتنوعة - في كاريزميته، وحضوره، ونقصد بتلك الأسماء جوزيف بايدن نائب اوباما السابق، والسيناتور بيرني ساندرز، والسيناتور اليزابيث وارين، وبيت بتجيج الاسم غير المعروف.

ولعل القارئ يدرك أن كل اسم من الأسماء الأربعة المتقدمة يحمل في داخله عوامل الخسارة اكثر من المكسب، وسواء كان السبب هو عامل السن وتقدمه، أو إشكاليات نظافة الذمة المالية وما يدور من حولها، وصولا إلى غياب الحضور السياسي والذي قد يكلف الحزب خسارة اربع سنوات جديدة في البيت الأبيض، وربما خسارة الأغلبية في مجلس النواب مرة أخرى.

على أن هناك أمرا مهما طفا على السطح الأيام القليلة المنصرمة وهو أن ترامب قد تعاظمت فرص فوزه رغم كل ضجيج العزل، ذلك انه ضجيج بلا طحين كما يقال...كيف ذلك؟

معلوم جدا للعامة والخاصة أن اكثر ما يهم رجل الشارع الأمريكي هو مستواه المادي ووضعه الاقتصادي، ومردود آخر الأسبوع المالي كما يقال، أي أنها نفس النظرة البراجماتية للأحداث.

في هذا السياق أحرز ترامب هدفا جوهريا الأيام القليلة الماضية يتعلق باقتصاد البلاد وزيادة فرص العمل، من خلال التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين والذي يتوقع أن يستجلب استثمارات تقدر بنحو 50 مليار دولار للداخل الأمريكي، تنعكس في صورة وظائف جديدة وتحريك للأيدي العاملة.

إضافة إلى ذلك اتفاقية اقتصادية وتجارية آخرى مع كندا والمكسيك، وهذه بدورها تعظم من تحسن الوضع الاقتصادي للبلاد، ومن هنا يمكن القول إن ترامب جواد جامح لا أحد يمكن أن يقف أمامه من الجمهوريين، إلا أن الديمقراطيين لا يستسلموا، وهناك تفكير في إعادة الكرة مرة أخرى من خلال هيلاري كلينتون التي لا تزال تحلم بالثأر من ترامب، فهل باتت هيلاري هي جواد الحزب الديمقراطي أم أن التاريخ لا يعيد نفسه؟

يحتاج الجواب على السؤال المتقدم إلى إعادة قراءة ما حدث في انتخابات العام 2016، حيث لا يزال الصراع على من تدخل لصالح ترامب وأدى إلى خسارة هيلاري الانتخابات وفقدان فرصة دخولها البيت الأبيض، وهل كان ترامب على علاقة مع الروس وهم الذين ساعدوه على اختراق حملة الديمقراطيين؟

المؤكد أن هناك شيئا ما غير واضح حتى الساعة، ذلك أن قوة خارجية بعينها هي التي كشفت أوراق الديمقراطيين للإعلام الأمريكي، وفضحت تآمر الحزب وكبار رجالاته ضد السيناتور اليساري بيرني ساندرز، وإقصائه بشكل غير مقبول عن إكمال السباق الانتخابي، وذلك لصالح هيلاري التي ما فتئت تحلم بالوصول إلى البيت الأبيض.

لم يفلح المحقق مولر في تقديم قضية قوية ضد ترامب، بمعنى انه لم يجد الدليل الدامغ لتآمر ترامب مع الروس ضد كلينتون، وان كان الجميع على ثقة تامة من العداء الروسي لهيلاري، لا سيما وان ثأرا قديما كان فلاديمير بوتين قد أضمره لها، بعدما شككت في نزاهة إعادة انتخابه عام 2012.

ولا تزال هيلاري تحمل الضغائن للروس، الأمر الذي تبدى من خلال تصريحاتها الأخيرة لـ «بي بي سي» هيئة الإذاعة البريطانية حين أشارت إلى انه من «المخجل وغير المفهوم» أن الحكومة البريطانية لم تنشر بعد تقريرا يتعلق بتدخل روسي مدعى في الانتخابات البريطانية، وقد حصل التقرير على التصريح الأمني المطلوب، لكن لم يكشف عنه إلا بعد انتخابات 12 ديسمبر. تقول هيلاري انه من حق كل فرد يدلي بصوته في هذا البلد أن يطلع على هذا التقرير قبل اجراء الانتخابات، وينفي مكتب رئيس الوزراء البريطاني حجب التقرير.

هل كانت هذه مقدمات من هيلاري لتهيئة الأجواء في الداخل الأمريكي من اجل العودة إلى حلبة السباق الانتخابي الرئاسي 2020 مرة جديدة؟

ربما هناك ما هو اكثر من ذلك فقد رفعت هيلاري عقيرتها الأيام الماضية متهمة «تولزي جبارد» الديمقراطية المرشحة لخوض انتخابات الرئاسة عن الديمقراطيين بأنها المرشحة المفضلة لدى الروس، في إشارة لا تخطئها العين لما جرى عام 2016. لم تتوان «جبارد» عن الرد، بل كالت الاتهامات القاسية لهيلاري، والتي وصفتها بانها «الملكة بين عشاق الحروب»، وأنها «تجسيد حي للفساد»، كما اعتبرتها السبب الرئيسي للعلل التي يعاني منها الحزب الديمقراطي، وأنها هي وليس الروس السبب فيما جرى في الانتخابات الرئاسية الماضية.

يكاد المتابع للشأن الأمريكي الداخلي أن يخلص إلى أن هيلاري لديها خطة بعينها يقصد منها خوض غمار السباق الانتخابي الرئاسي من جديد، ففي حوارها المشار إليها سلفا مع هيئة الإذاعة البريطانية كشفت هيلاري أنها تقع «تحت ضغوط هائلة» للترشح لانتخابات العام المقبل ومنافسة الرئيس الحالي دونالد ترامب، كما رفضت استبعاد الأمر وقالت إنها «أبدا... لا تقل أبدا». أكثر من ذلك أضافت كلينتون أنها تفكر طوال الوقت بشأن النهج الرئاسي الذي كانت ستتخذه لو تمكنت من هزيمة ترامب في عام 2016. حاولت هيلاري في الحوار عينه التذرع بأن انتخابها من قبل الأمريكيين يعني فيما يعني وضمن أمور كثيرة إصلاح ما أفسده ترامب من وجهة نظرها، وعند سؤالها حول ما إذا كانت ستعلن ترشحها في اللحظة الأخيرة، قالت كلينتون: «لا تقل إن أي أمر قد لا يحصل أبدا»، بمعنى أن لا شيء مستحيل حدوثه، وان كانت قد استدركت بالقول: «لكن في هذه اللحظة، وأنا جالسة هنا في الاستوديو، وأتحدث إليكم، فإن هذا الأمر ليس ضمن خططي». عدة أسئلة تثار فيما يخص تصريحات هيلاري في المقدمة منها من هم الأشخاص أو الجهات الذين يمارسون الضغط عليها بغية الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهل يعني هذا الكلام أن هناك بالفعل رواية ما تجري حبكتها الدرامية إن جاز التعبير في الوقت الراهن داخل صفوف الحزب الديمقراطي، والذي اكتشف قادته انه لا أمل يرجى ولا عمل ينفع مع الطائفة المرشحة والمطروحة أسماؤها على ساحة الحوار للاختيار؟

ربما يكون ذلك كذلك بالفعل سيما وأن حظوظ جوزيف بادين الأكثر إمكانية لمنافسة ترامب تتراجع يوما تلو الآخر من جراء ضجيج أزمة ابنه مع رئيس أوكرانيا.

لكن على الجانب الآخر، هناك شكوك عميقة لجهة إمكانية أن تجري المقادير مرة أخرى بترشح وزيرة خارجية أمريكا السابقة، والتي يمكن أن تعاد عملية فتح الملفات الساخنة المتصلة بها.

بداية فإن المرحلة العمرية لهيلاري ليست في صالحها اذ تبلغ 72 عاما هذه الأيام، وقد تتساوق هذه الإشكالية مع أغمار المتقدمين الديمقراطيين لسباق الرئاسة وجميعهم في سبعينات العمر.

غير أن قضايا بعينها شابت فترة عمل كلينتون لا سيما في ولاية أوباما الأولى مثل علاقاتها بجماعات الإسلام السياسي، ربما اختصمت كثيرا جدا من أرصدتها السياسية في الشارع الأمريكي، ولدى الجماعة النيوليبرالية من جهة والتي تناصر ترامب العداء وهذا معناه أنها سوف تخسر أصوات كتلة كبيرة منهم. ومن ناحية ثانية فإن أصوات اليمين الأصولي الأمريكي قد ذهبت حكما إلى الرئيس ترامب، لا سيما بعد أن أثبت الرجل أنه الأكثر ولاء وانتماء لدولة إسرائيل، وقدم لها ما لم يقدمه أي رئيس أمريكي سابق، سواء الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للدولة العبرية، أو نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتل، ناهيك عن آخر التطورات المتعلقة بالاعتراف بشرعية السيادة الإسرائيلية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

هل ستخوض هيلاري سباق الرئاسة 2020 من جديد؟

ربما تنتظر نتائج وردات فعل ما يجري في مجلس الشيوخ لجهة عزل ترامب وعليه يمكنها أن تقرر مقارعة ساكن البيت الأبيض أو أن تكتفي بذكرياتها وأحلامها وتدرك أن واقع الفوز برئاسة جديدة ليس من حظها.