قواعد اللعبة الجديدة في سوريا
جوليان بارنِز ديسي –
المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية -
ترجمة قاسم مكي -
أحداث الأيام الماضية تصيب بالدوار حتى بمقاييس الصراع السوري المتطاول، فقد شملت صدامات أمريكية مع قوات مؤيدة للنظام في سوريا، وتوسيع إسرائيل نطاق ضرباتها الجوية وإسقاط سوريا مقاتلة إسرائيلية وإذكاء الصراع التركي مع الأكراد السوريين. وهي أحداث وقعت كلها على خلفية الهجمات المكثفة للقوات الحكومية على جيوب المعارضة في الغوطة الشرقية وإدلب. ولكن في حين تسلط هذه التطورات الضوء على العنف الفوضوي الذي لا يزال يشكل سمة للحرب في سوريا ، إلا أنها أيضا تشير إلى تحول جَارٍ للصراع من معركة للسيطرة على الدولة إلى مسرح مواجهة يتزايد وضوحها بين فاعلين خارجيين. لقد ظلت الحرب الأهلية في سوريا منذ فترة طويلة صراعا بالوكالة من أجل مصالح أكثر اتساعا. لكن مع اقتراب المعركة الداخلية من نهاية اللعبة تواجه سوريا خطر إدراجها في مواجهات عالمية أكثر مباشرة. أوضح التجليات المنظورة لهذه المرحلة الجديدة اشتداد الصراع بين إيران التي وطدت نفسها بقوة حول سوريا دعما لبشار الأسد والولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تسعيان كلتيهما لاحتواء النفوذ المتمدد لطهران. لقد تبنت إدارة ترامب علنا سياسة معادية لإيران ومقترنة بوجود عسكري طويل الأجل وإن كان محدودا في شمال شرق سوريا ( بسبب الحرب ضد داعش.) هذا التموضع الأمريكي ترافق معه نشاط متزايد من جانب الحكومة الإسرائيلية. لقد تنامى إحساس إسرائيل بالقلق بفضل ما تتصور أنه تهديد إيراني على الحدود الشمالية الشرقية وكثفت من ضرباتها الجوية داخل سوريا . وشهدت الصدامات الأخيرة هجوما من قوات مساندة للحكومة على قوات أمريكية على طول نهر الفرات مما دفع الجانب الأمريكي إلى شن هجوم مضاد وعنيف أدى إلى مقتل 100 مقاتل حسبما اعلن . وفي حين أن تركيبة القوة المهاجمة لا تزال مبهمة (تشير بعض التقارير إلى وجود كبير لمرتزقة روس بينها) إلا أن هنالك افتراضا على نطاق واسع بمشاركة إيرانية ما. وبعد أيام من ذلك أرسلت طهران طائرة بدون طيار إلى المجال الجوي الإسرائيلي مما أدى إلى رد عسكري إسرائيلي ضد اهداف إيرانية في سوريا. ولكن نتج عن ذلك أيضا أول إسقاط سوري ناجح لطائرة مقاتلة إسرائيلية. تشكل هذه الأحداث الصدامات الأكثر حدة حتى الآن في هذا الشقاق الجديد. حتى الآن لا يبدو أي طرفٍ راغبا في التسبب في اندلاع صراع شامل كما اتضح في التهدئة المتبادلة عقب السلسلة الأولي للضربات والضربات المضادة. وبالنسبة لإيران فإن الصدام المباشر من شأنه تهديد وضعها المعزز في سوريا. أما إسرائيل فمن المحتمل في حال نشوب أي قتال أن تواجه وابلا من الصواريخ ليس فقط من سوريا ولكن أيضا من لبنان الجارة بالنظر إلى وجود حزب الله الحليف الرئيسي لإيران عبر الحدود. ومن منظور الولايات المتحدة لا توجد شهية للانخراط الكامل في حرب شرق أوسطية أخرى. وربما أن الأحداث الأخيرة ستؤسس الآن بعض القواعد المهدئة للعبة شبيهة بتلك القواعد التي تحافظ على هدوء قلق بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان. لكن المشهد معد لعداوات مستدامة في أرجاء المسرح السوري أوضحها بين طهران وتل أبيب. ويعني قانون النتائج غير المقصودة أن أية خطوة غير صحيحة يمكنها إشعال حريق خطر. وهو حريق من المستبعد أن يظل داخل حدود سوريا. وفي الشمال في الأثناء تدور أيضا رحى دورة منفصلة من التصعيد الخارجي. فهناك تُصَعِّد القوات التركية من معركتها ضد الأكراد السوريين في عفرين حيث تهدف أنقرة إلى منع إقامة منطقة كردية ذاتية الحكم. وهذا الآن يمثل الأولوية الاستراتيجية الرئيسية لتركيا في سوريا. إن احتلال تركيا لأجزاء من سوريا ليس جديدا كما هي الحال مع الولايات المتحدة. لكن تكثيف اهتمامها يهدد بتوسيع نطاق تداعيات حملتها. فتركيا تتقدم نحو المناطق الأساسية التي يسيطر عليها الأكراد بكلفة باهظة حيث قتل 10 جنود وأسقطت طائرة هليكوبتر عسكرية في يوم واحد فقط مؤخرا. وما له دلالة أن هذه الحملة في الغالب ستذكي الصراع التركي الكردي المتطاول ليس فقط في شمال سوريا ولكن أيضا داخل تركيا نفسها بالنظر إلى معركة تركيا الراهنة ضد حزب العمال الكردستاني وإلى روابط هذا الحزب عبر الحدود مع الأكراد السوريين. كما تخاطر الحملة أيضا بوضع حليفي الناتو تركيا والولايات المتحدة في صراع مباشر. لقد أبانت تركيا عمليا عن عداء غير مسبوق تجاه الولايات المتحدة لتسليحها الأكراد السوريين تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية وهددت بالتحرك شرقا من عفرين نحو منبج. وهي بلدة تسيطر عليها هذه القوات مع وجود عسكري أمريكي بها. وسيشكل هذا التحرك تصعيدا كبيرا. على هذه الخلفية يتزايد، كما يبدو، تهميش مسألة سيطرة الأسد على الدولة السورية. وهي سيطرة ظلت لفترة طويلة المحرك المركزي للصراع ، من وجهة نظر البعض على الأقل. وفي حين أن كلا من الولايات المتحدة وتركيا تتبنَّيان منذ فترة طويلة هدف انتقال السلطة إلا أن أيا منهما الآن لا يولي تركيزا له معنى على هذا المطمح (على الرغم من زُخرُف القول الذي ينطلق من فينة إلى أخرى وظهور سياسة أمريكية تستهدف الضغط الاقتصادي على نظام الأسد.) وفي الأثناء لم تُبدِ إسرائيل أية رغبة في (حقن) سياسة تغيير النظام في موقفها المعادي لطهران. ويبدو أن دمشق تستغل هذه الدينامية للدفع بمحاولات نشطة لتعزيز سيطرتها على أكبر عدد ممكن من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. فقواتها لا يمكنها استهداف المناطق التي تدعمها الولايات المتحدة وتركيا في الشمال ولكنها تمتشق قوة تدميرية لا كابح لها ضد الغوطة الشرقية وإدلب. هذا العنف المركز (وما يرافقه من تشديد الخناق على الوضع الإنساني) لا يمثل تعميقا للحرب الأهلية ولكنه خطوة متواصلة نحو نهايتها الدموية لمصلحة الأسد في مناطق أساسية في سوريا. ومن المستبعد أن يحول التدخل الخارجي المتفاقم دون تحقق هذه النتيجة. لكن البعض لا يزال يأمل في أن يرتد اتساع التدخل الأجنبي بنتائج سلبية على الحكم في آخر المطاف. ويمكن أن ينتج عن تزايد التدخلات الأمريكية والتركية بمرور الوقت تعزيزٌ للحملات التي تستهدف نفوذ النظام خصوصا إذا لم تغرق الولايات المتحدة في مواجهة أشد مع إيران. ويعتمد الكثير الآن على روسيا التي رغم أنها القوة العسكرية الخارجية البارزة في سوريا إلا أنها اختارت إلى حد بعيد الوقوف على الرصيف في الأحداث الأخيرة. لقد قللت موسكو من شأن التقارير التي تتحدث عن إصابات روسية. وسَعَت إلى تجنب التحول إلى فاعل مباشر في المواجهات. إن وجود روسيا على الأرض وقدرتها الفريدة على التحدث مع كل الأطراف في هذا الصراع المتعدد الطبقات يمنحانها سلطة فيتو هامة على كثير مما يحدث ولكن أيضا دورَ تحكيم محتمل. لكن جهود التوسط لتسوية الخلافات المحتدمة لا تزال في حدها الأدنى حتى الآن. لقد سعت روسيا بدلا عن ذلك كما يبدو إلى الإيقاع بين مختلف حلفائها (الإسرائيليين ضد الإيرانيين والنظام السوري والأكراد والأتراك ضد بعضهم البعض) في محاولة منها لتعزيز وضعها الاستراتيجي الخاص بها. وهذه لعبة خطرة يجب أن تتغير إذا كان على هذه القوى تجنب الانخراط في شيء أكثر خطورة.
