قنابل تويتر والضباب المعلوماتي
أ.د. حسني نصر -
اختر أية أزمة يشهدها العالم العربي الآن، ولتكن أزمة الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الصهيوني، وتابع مثل الملايين ما يتم تداوله عنها في مواقع شبكات الإعلام الاجتماعي من تويتر إلى فيسبوك إلى انستجرام وغيرها، من المؤكد أنك ستكتشف سريعًا أن هذه الشبكات تحولت إلى ساحة مفتوحة للحرب عوضًا عن الساحة الميدانية الحقيقية، وستجد نفسك تردد ما قاله المغرد العربي الذي هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتغريدة ساخرة، توعده فيها إن لم يتراجع عن قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس بأن يسير العرب له جيشًا أوله في فيسبوك وآخره في تويتر.
الشاهد أننا أصبحنا كأمة ودول وشعوب نواجه أخطر حروب العصر الحالي، وهي الحرب النفسية التي تقوم على نشر المعلومات للتأثير في قيمنا ومعتقداتنا وإدراكنا وفهمنا ودوافعنا واتجاهاتنا وسلوكنا. والغريب أننا نواجه هذه الحرب بأدوات ووسائل اخترعها وطورها وزرعها أعداؤنا بيننا، ونجحوا في تعبئتنا وحشدنا على هذه الوسائل لتفريغ شحنات الغضب، وهم يعلمون جيدًا أن نضالنا من أجل القدس، ومن أجل غيرها من قضايانا العادلة لن يتجاوز حدود هذه المنصات. من هنا يجب الحذر من الوسائل المختلفة التي يتم استخدامها لتحقيق التأثير النفسي على شبكات التواصل الاجتماعي، مثل قنابل تويتر التي تستخدم المحتوى المشكل آليا ونشره على الشبكات من خلال إرسال آلاف الرسائل المتشابهة في وقت واحد، واختطاف الوسوم الشهيرة على تويتر من أجل زيادة وصول الرسائل المعادية. ونشر الأكاذيب والشائعات التي تستهدف نشر الخوف والقلق والكراهية، وخلق ضباب معلوماتي أو تشويش على موضوع ما لصرف الانتباه عن الأحداث الاستراتيجية المهمة، بالإضافة إلى استخدام الجيوش الإلكترونية الجاهزة دوما لبث الشقاق والفرقة وضمان استمرار الخلاف العربي-العربي.
في هذا العالم المتقلب أصبح من المهم أن تكون الأمة والدول والشعوب العربية مستعدة لمواجهة هذه الحروب الجديدة، والاستفادة من التجارب التي خاضتها دول وشعوب أخرى في هذا المجال. في ضوء ذلك يصبح لزاما على صناع القرار والمتخصصين في أمن المعلومات إدراك أن الحدود بين أنواع الحروب الحديثة أخذة في التلاشي خاصة في ظل النمو السريع لمنصات وسائل الإعلام الاجتماعي. وقد أظهرت الصراعات العالمية السابقة مثل الصراع الروسي-الأوكراني كيف تم استخدام الهجمات الإلكترونية ليس فقط لتعطيل الأنظمة التقنية في الدولة وقطع الكهرباء عن ملايين المنازل، ولكن أيضا للتأثير النفسي على الجمهور. فقبل أيام قليلة من الانتخابات البرلمانية في أوكرانيا التي أجريت في أكتوبر 2014، تم اختراق لوحة إعلانات تفاعلية في قلب العاصمة كييف من جانب جماعة روسية استولت على اللوحة وقامت بعرض فيديو يتهم قادة الحكومة الأوكرانية والسياسيين بارتكاب جرائم حرب ويظهر صورًا لمدنيين قتلوا في شرق أوكرانيا.
إنَّ الشواهد العالمية تؤكد أن منصات وسائل الإعلام الاجتماعي أصبحت توظف كسلاح لتشكيل الرأي العام وتعبئة الأنصار وتنسيق العمليات العسكرية وجمع المعلومات، بل أنها أصبحت السلاح المفضل للمتصارعين سواء كانوا دولا أو جماعات. يشهد على ذلك أول حرب تستخدم فيها الإنترنت، وهي حرب كوسوفو 1999، ثم الحرب الإسرائيلية على لبنان في 2006، مرورًا بأحداث ما يعرف بالربيع العربي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ووصولًا إلى الحرب في سوريا وأوكرانيا واليمن. وتوكل الدول والجماعات في حروبها ونزاعاتها لوسائل الإعلام الاجتماعي عددا من المهام تشمل جمع المعلومات المخابراتية، والهجوم، وقيادة الحرب النفسية، والدفاع، بالإضافة إلى القيادة والتحكم. كل هذه الأنشطة بصرف النظر عما إذا كان لها تأثيرات افتراضية أو واقعية، يمكن القيام بها من خلال شبكات وسائل الإعلام الاجتماعية، كما أن هذه الأنشطة متكاملة ويدعم بعضها بعضًا، ويمكن القيام بها بالتنسيق مع الأنشطة المادية على الأرض. فمن خلال هذه الوسائل يمكن تحديد الأهداف المحتملة للأعمال العسكرية الفعلية استنادًا إلى ميزة تحديد المواقع الجغرافية أو من خلال المحادثات الجارية على هذه المنصات، ثم استهداف حسابات العدو والهجوم عليها واختراقها أو خطفها. وعلى سبيل المثال تم استخدام خرائط جوجل والهواتف المحمولة في ليبيا لتحديد مواقع القوات الحكومية ثم تمريرها إلى قوات حلف الأطلسي التي استخدمت تلك المعلومات في تحديد أهداف الضربات الجوية الفعلية. وتشمل عمليات الاستهداف اختراق الحسابات الرسمية للحصول على كلمات السر والتدخل في المحتوى أو تعطيل الحساب تمامًا، لمنع الطرف الآخر من استخدام المنصات الاجتماعية للاتصال أو لتنسيق الأعمال والوصول إلى المعلومات ونشر الرسائل المعادية. وعلى سبيل المثال، في مطلع يناير 2015 قام مخترق يستخدم اسم سايبر خليفة زعم انه ينتمي لتنظيم داعش وباستخدام حساب على تويتر بنشر أسماء وأرقام هواتف ومعلومات شخصية حساسة مسروقة من قواعد بيانات عديدة، واستطاع لاحقا الهجوم على حساب القيادة المركزية الأمريكية وأرسل رسائل تهديد للجنود الأمريكيين، منها رسالة تقول: أيها الجنود الأمريكيون نحن قادمون انظروا وراءكم. ورغم أن هذا الهجوم لم ينتج عنه نشر معلومات مصنفة فإن التأثير النفسي له كان واضحًا، كما اثبت قدرة الإرهابيين على استخدام هذه المنصات في هجماتهم المعلوماتية. ويمكن أن ينتج عن العمليات الهجومية التي تتم عبر وسائل الإعلام الاجتماعي نتائج فعلية مدمرة. على سبيل المثال فإن مجموعة تطلق على نفسها الجيش الإلكتروني السوري قامت باختراق حساب تويتر لوكالة أنباء اسوشيدبرس الأمريكية في الرابع والعشرين من أبريل 2013، ونشرت تغريدة كاذبة تزعم أن البيت الأبيض تعرض لهجوم بالقنابل وان الرئيس أوباما جرح في الهجوم. وقد نتج عن هذه التغريدة خسائر مادية للبورصات الأمريكية تقدر بنحو 1365 مليار دولار خلال ثلاث دقائق. وقالت المجموعة المؤيدة للرئيس بشار الأسد إنها قامت بعمليات قرصنة على حسابات «توتير» التابعة للعديد من وسائل الأعلام ومنها لـ«سكاي نيوز العربية» و«وكالة فرانس برس» و«الجزيرة». ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى وسائل أخرى يستخدمها المتصارعون من دول وجماعات على وسائل الإعلام الاجتماعي مثل الهجوم المنظم عبر الكتائب الإلكترونية المجندة على حسابات وصفحات الخصم بهدف منع ظهورها أو الإبلاغ عنها وطلب حذفها من المنصات بدعوى احتوائها على محتوى غير مناسب. وعلى سبيل المثال نجحت الكتائب الروسية في إقناع إدارة فيسبوك بحذف صورة فتاة صغيرة تبكي أباها الجندي الأوكراني الذي قتل في شرق أوكرانيا، بعد أن قام آلاف من مستخدمي الشبكة الروس بالإبلاغ عن الصورة باعتبار أنها تحتوي على تعديل جرافيكي. وإجمالًا فإن منصات وسائل الإعلام الاجتماعي تستحق اهتمامًا أكبر من جانب الدول والشعوب، ينقلها من التعامل معها معها على أنها منصات للاتصال والتعبير عن الرأي فقط إلى اعتبارها ساحات لحروب قادمة يجب أن نواجهها باستراتيجيات دفاعية ناجعة.
