قرارات ديسمبر.. هل تغني عن قانون شامل للإعلام؟
د. حسني نصر -
في 13 ديسمبر الفائت أصدر وزير الإعلام قرارين وزاريين بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون المطبوعات والنشر لسنة 1984، وقانون المنشآت الخاصة للإذاعة والتلفزيون الصادر في 2004. لم يتوقف المعنيون بالشأن الإعلامي في السلطنة أمام القرارين كثيرا، رغم أهميتهما من جانب وتأثيرهما المباشر على صناعة الإعلام الإلكتروني من جانب آخر.
السؤال الذي يطرحه الصحفيون والمعنيون بالشأن الإعلامي في السلطنة هو، هل قطعت هذه القرارات الطريق أمام إصدار قانون شامل للإعلام في السلطنة، يكون بديلا عصريا عن قانون المطبوعات والنشر، الذي شبهه أحد رؤساء تحرير الصحف العمانية اليومية بسيارة قديمة موديل 1984 ما زالت تسير في شوارع مسقط؟ ويجمع شتات القوانين التي تحكم صناعة الإعلام في عُمان وتصل إلى أحد عشر قانونا؟ وأين ذهبت الجهود التي بذلت على مدار السنوات الماضية سواء عبر مجلس الدولة أو مجلس الوزراء لصياغة قانون جديد للإعلام؟ وهل تغني هذه التعديلات عن القانون الشامل المنتظر؟ أيا كان الأمر وحتى تتم الإجابة عن هذا السؤال يبقى من المهم أن يتم شرح ما تضمنه تعديل اللائحة التنفيذية لقانون المطبوعات والنشر وقانون المنشآت الخاصة للإذاعة والتلفزيون للصحفيين والإعلاميين، خاصة من يعملون في وسائل إعلام إلكترونية. ويمكن أن تقوم وزارة الإعلام بدورها في التعريف بالتعديلات الجديدة وكذلك جمعية الصحفيين العمانية، من باب نشر الثقافة القانونية بين جموع الإعلاميين في السلطنة وإحاطتهم بالتغيرات التي لحقت باللائحة التنفيذية للقانونين.
القرار الأول الذي أصدره وزير الإعلام والخاص بقانون المطبوعات والنشر ويحمل رقم 2020/341 هو ثالث تعديل يتم إدخاله على القانون نفسه أو لائحته التنفيذية، رغم أن عمر القانون أصبح 37 عاما، ورغم المطالبات العديدة بإصدار قانون شامل للإعلام يتوافق مع تغيرات البيئة الإعلامية العالمية والوطنية خلال الأربعين سنة الأخيرة. أما القرار الثاني فيتعلق بتعديل لائحة قانون المنشآت الخاصة بالإذاعة والتلفزيون ونص على أن تسري أحكام طلب الترخيص بالمنشأة الإذاعية أو التلفزيونية على مواقع محطات الراديو والتلفزيون الإلكترونية.
ووفقا للقرارين أصبحت جميع وسائل الإعلام الإلكترونية، بما في ذلك الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية، والمحطات الإذاعية والتلفزيونية الإلكترونية، ومهنة الصحافة الإلكترونية والعاملون بها خاضعة لأحكام قانون المطبوعات والنشر وقانون المنشآت الخاصة للإذاعة والتلفزيون، ويسري عليها ما يسري على الصحف المطبوعة سواء فيما يتعلق بإقرار حريتها في حدود القانون، أو في الترخيص، أو في محظورات النشر، وهو ما يستوجب أن يكون العاملون في هذا المجال على دراية كافية بما جاء فيهما، وبما تم تعديله تجنبا للمساءلة القانونية.
واقع الحال أنه حتى مطلع العقد الثاني من الألفية الجديدة كانت الدول العربية تعاني من فراغ قانوني وتشريعي فيما يتعلق بالإنترنت والصحافة الإلكترونية وحرية استخدامها. وقد كان هذا الفراغ مبررًا في ظل وجود فراغ مماثل في غالبية دول العالم، غير أن الدور الكبير الذي قامت به شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها بعض الدول العربية في نهاية 2010، دفع الحكومات العربية إلى التدخل لتنظيم استخدام هذه الوسيلة الجديدة إما من خلال إصدار قوانين خاصة بالإعلام الإلكتروني، أو إلحاقه بالإعلام التقليدي في قانون شامل للإعلام، أو إلحاقه بقوانين الإعلام القائمة، أو تعديل قوانين المطبوعات القائمة لتشمل أنشطة النشر الإلكتروني، أو تنظيم هذا القطاع من خلال المراسيم والأوامر التنفيذية الوزارية وتعديل اللوائح التنفيذية لقوانين الإعلام القائمة.
بالعودة إلى قراري ديسمبر 2020، يتضح أن سلطنة عُمان قد أخذت بخيار تعديل القوانين القائمة وإصدار قرارات وزارية بتعديل اللائحة التنفيذية للقانون لتشمل الإعلام الإلكتروني. وكان أول تعديل لقانون المطبوعات ليشمل النشر الإلكتروني قد صدر في 15 أكتوبر 2011 وضم النشر على الإنترنت إلى وسائل الإعلام التقليدية من خلال النص على استبدال المادة (٢٦) لكي يشمل حظر نشر كل ما من شأنه المساس بسلامة الدولة أو أمنها الداخلي أو الخارجي، وكل ما يتعلق بالأجهزة العسكرية والأمنية وأنظمتها ولوائحها الداخلية، وأية وثائق أو معلومات أو أخبار أو اتصالات رسمية سرية، الشبكة المعلوماتية أو وسيلة من وسائل تقنية المعلومات إلى جانب وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، إلا بإذن من السلطات المختصة، وحظر نشر نصوص الاتفاقيات أو المعاهدات التي تعقدها الحكومة قبل نشرها في الجريدة الرسمية.
وفي 27 مارس 2018 تضمن التعديل الثاني الذي تم بقرار من وزير الإعلام رقم 43 /2018 لبعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون المطبوعات والنشر، الإشارة إلى وسائل الإعلام الإلكترونية. ويتعلق التعديل باستبدال نص المادة 36 مكررا من اللائحة لتنص على «حظر نشر إعلانات عن منتجات التبغ أو مشتقاته فـي كافة وسائـل الإعـلام المقروءة، والمسموعة، والمرئية، والإلكترونية، وفـي أي لوحات إعلانية أينما وجدت».
إن اهم ما تضمنته تعديلات ديسمبر 2020 أنها نصت على سريان الفصل الخاص بالترخيص بالمطابع والمطبوعات على وسائل الإعلام الإلكترونية الجديدة، وهو نص واسع يشمل كل أنشطة النشر الجماهيري باستخدام شبكة الإنترنت، ويرتب مسؤوليات على كل من يريد إنشاء موقع إلكتروني إعلامي أو إخباري الحصول على ترخيص مماثل لترخيص الصحيفة أو المجلة. وأضاف التعديل خمس مواد مكررة لنص اللائحة التنفيذية الصادرة بقرار وزير الإعلام آنذاك عبد العزيز بن محمد الرواس في 19 سبتمبر 1984. وتنص المادة (10) مكررا على أن أحكام الفصل الثاني الخاص بالأحكام المتعلقة بالمطابع والمطبوعات تسري على المطبوعات الإلكترونية، وهو ما يعني عمليا تقديم طلب كتاب لإنشاء الموقع الإلكتروني متضمنا اسم المالك ولقبه وجنسيته ومحل إقامته، وصورة من جواز السفر، وشهادة حسن سير وسلوك من شرطة عمان السلطانية، وأن يكون للموقع مدير مسؤول. ونصت المادة (16) مكررا على سريان أحكام الفصل الثالث من اللائحة والخاص بتداول المطبوعات، على مزاولة مهنة استيراد أو بيع أو نشر المطبوعات الإلكترونية، وإن كنا لا ندرى كيف يمكن تطبيق ذلك على منتج افتراضي لا يتطلب استيرادا أو توزيعا ماديا كالمطبوعات. وربما لهذا السبب أجازت المادة الاستثناء من بعض هذه الأحكام بقرار من الوزير. ونفس الإشكالية تظهر في المادة (39) مكررا التي تنص على سريان المادة 39 على الصحيفة الإلكترونية، والمفاجأة أن هذه المادة لا تجيز للمطبوعات التجارية التي تصدر عن المؤسسات التجارية العاملة في السلطنة نشر بيانات أو معلومات عن النشاط التجاري والصناعي بشكل عام في السلطنة، ويقتصر ذلك على المطبوعات الصادرة عن غرفة التجارة والصناعة. وهو أمر تجاوزه الزمن ولا يمكن تصوره في عصر المعلومات الذي نعيشه ولا يتناسب مع طبيعة الإعلام عموما والصحافة الإلكترونية على وجه الخصوص، ولذلك أيضا تجيز المادة الاستثناء من ذلك بقرار من الوزير.
وتنص المادة (45) مكررا على أن تسري أحكام الفصل السادس الخاص بالصحفي على مهنة الصحافة الإلكترونية، والعمل كمراسل لوكالة الأنباء الإلكترونية. ويتضمن هذا الفصل مواد تلزم الصحفي بالحصول على ترخيص لممارسة مهنة الصحافة أو العمل كمراسل لوكالات الأنباء الأجنبية، كما تلزم الصحفي العماني الذي يرغب في العمل في أية صحيفة أو وكالة أنباء أو أية وسيلة إعلامية غير عمانية داخل السلطنة وخارجها الحصول على ترخيص بذلك. وغني عن الذكر هنا أن العمل في الصحافة الإلكترونية لا يعترف بهذه القيود خاصة مع انتشار وازدهار صحافة المواطن عالميا ومحليا.
