أفكار وآراء

خصوصية الاحتفال بالعيد الوطني

25 نوفمبر 2018
25 نوفمبر 2018

أ.د. حسني نصر -

يكشف احتفال الشعب العُماني، واسع النطاق، بالعيد الوطني الثامن والأربعين المجيد عمق الحب والانتماء والولاء والتقدير الذي يكنه هذا الشعب الوفي للوطن وقائده المفدى جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه ـ في الوقت نفسه فان الحرص الشعبي الكبير، الذي يزداد عاما بعد عام، على المشاركة في هذه الاحتفالات يمثل تأكيدا مستمرا وصادقا ، تشارك فيه مختلف الأجيال لهذا الحب الذي يحمله أبناء السلطنة والمقيمين على أرضها لباني نهضة عمان الحديثة.

من الجميل أن تشهد بنفسك مظاهر الاحتفال بالعيد الوطني المجيد على مدار سنوات تجاوزت العشر، لكي تتأكد أن فرحة العمانيين بعيدهم الوطني هي فرحة حقيقية غير مفتعلة وغير منظمة من قبل الدولة، مثلما يحدث في دول أخرى كثيرة. صحيح أن هناك بعض المظاهر الرسمية للاحتفال بالعيد الوطني العُماني ، وهذا أمر طبيعي، ولكن المظاهر الشعبية تبقى هي الأكثر سيطرة على المشهد العُماني، والأكثر دلالة على تلاحم الشعب مع قيادته ، ومن ثم رغبته في التعبير عن فرحه وامتنانه.

في كل عام يبدأ نوفمبر بترقب شعبي للمناسبة العزيزة، ومع اقتراب اليوم الثامن عشر ترى المنازل والبنايات والمحال التجارية والمؤسسات الخاصة وقد تزينت بالعلم العُماني بمبادرات حرة من ساكنيها وشاغليها وأصحابها. فإذا حل الموعد تفرغ الجميع لمتابعة التلفزيون العماني لمشاهدة الإطلالة السامية لجلالة السلطان المعظم أثناء حضور جلالته العرض العسكري الذي يقام بهذه المناسبة العزيزة، وبعدها يتبادلون التهنئة على ما وهبهم الله من نعم، ومن قائد عظيم استطاع بحكمته أن يبني دولة حديثة آمنة مستقرة في عالم يموج بالصراعات من كل شكل ولون. ولعل ما يؤكد ذلك التفاف العمانيين مجتمعين في هذا اليوم لمتابعة التلفزيون العماني ، وهو أمر لم يعد يحدث تقريبا، في ظل سيطرة وسائل الإعلام الاجتماعي، وتعدد منصات الإعلام وتنوعها، سوى في تلك المناسبات الوطنية المهمة، مثل يوم النهضة والعيد الوطني، وغيرها من المناسبات التي تشهد الإطلالة السامية لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- إلى جانب بعض الأحداث الوطنية المهمة كالأنواء المناخية.

ومن خلال متابعة احتفالات هذا العام والأعوام السابقة أستطيع القول إن الطريقة التي يحتفي بها العمانيون بعيدهم الوطني يمكن أن تندرج ضمن ما يحب أن يطلق عليه البعض «الخصوصية العُمانية»، وهي خصوصية ينفردون بها بحق، ويندر أن تجد مثيلا لها في بقاع كثيرة من العالم. هنا يحق للبعض أن يتساءل عما يجعل لاحتفاء العمانيين بالعيد الوطني، خصوصية، مع أن كل دول العالم تقريبا لديها أيام وطنية تحتفل بها؟

في تقديري أن أهم ما يُكسب الاحتفالات العمانية بالعيد الوطني خصوصية، أنها احتفالات شعبية نابعة من قلوب وعقول المواطنين وتعبر عن مشاعر صادقة لا نفاق فيها ولا رياء، في هذه الاحتفالات تشعر أن الجميع في حالة فرح وسعادة، وامتنان وعرفان بما يقدمه لهم الوطن المعطاء من مقومات الحياة الكريمة، ومن أمن واستقرار ونماء، وهذه هي الوطنية في ابلغ صورها. فالمواطنة الحقيقية تتمثل في إدراك كل من يقيم على أرض الوطن بأنه كما يقدم للوطن فإن الوطن يقدم له أيضا، ويوفر له المتطلبات والخدمات ويسعى عبر حكومته إلى سد احتياجاته والوفاء بالعهد الوطني القائم بينهما على أساس العدل والمساواة. لقد مضى عهد الشعارات الشعبوية الزائفة التي زرعتها أنظمة عديدة في العالم وصورت من خلالها الوطنية على أنها واجبات فقط دون حقوق. المواطنة الحقة الآن أن يؤدى المواطن ما عليه من واجبات ومسؤوليات، وفي المقابل أن يقدم الوطن للمواطن حكما رشيدا يستهدف صالحه ويحقق ازدهاره. تلك هي الصورة في سلطنة عُمان التي حرصت منذ بدء نهضتها في مطلع سبعينيات القرن الماضي بقيادة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – اعزه الله - على أن يكون الهدف الأسمى للنهضة هو المواطن، فعنيت عناية فائقة به، عبر توفير خدمات التعليم والصحة والأمن، وتوفير الحياة الكريمة له. من هنا لا غرابة في أن يشارك العمانيون من جميع الأعمار في الاحتفال بالعيد الوطني المجيد . فجيل الأجداد والآباء كان لهم نصيب في أن يعيشوا العهدين معا.. عهد ما قبل النهضة وعهد النهضة، ولمسوا بأنفسهم الفارق الكبير بين شظف العيش في الأول وبين رغد العيش وموفور الأمن والاستقرار في الثاني. أما جيل الأبناء الذين ينتمون عمريا إلى العهد الحالي فإنهم يدركون جيدا عندما ينظرون إلى العالم من حولهم أن الوطن قدم ويقدم لهم الكثير، لذلك تجدهم دائما في صدارة المحتفلين بالعيد الوطني، ويشاركهم في ذلك الأطفال الذين نقلت لهم أسرهم والمؤسسات التعليمية والإعلامية التراث الاجتماعي القائم على حب وتقدير الوطن وحب قائده، والتطلع إلى خدمته. ولعل حرص الأطفال وأسرهم على ارتداء أزياء خاصة في هذه المناسبة مزينة بألوان العلم الوطني ما يؤكد ذلك. والواقع أن هذا التلاحم الشعبي في الاحتفال بالعيد الوطني العُماني الذي يشمل الكبار والصغار، النساء والرجال، المواطنين والمقيمين، نادرا ما تجده في دول أخرى، حتى المتقدمة منها، وهو ما يؤكد الخصوصية العمانية ويعززها.

الأمر الثاني الذي يجعل احتفال عمان بعيدها الوطني ذا خصوصية، هو أن هذه الاحتفالات ليست مهندسة من قبل الحكومة مثلما يحدث في دول أخرى كثيرة. إذ تكاد تقتصر المشاركات الرسمية في الاحتفالات- باستثناء العرض العسكري الذي يشهده جلالة السلطان- على حفل بسيط هنا أو هناك، دون أن يطغي الرسمي على الشعبي. ونلاحظ في هذا الشأن أن الغالبية العظمي من الصفحات الإعلانية الكثيرة التي تنشرها للصحف للتهنئة بهذه المناسبة مصدرها أشخاص وشركات ومؤسسات من القطاع الخاص. وهنا يجب أن نسجل تقديرنا للصحف اليومية والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، والإذاعات الخاصة، التي قدمت هي الأخرى الشعبي على الرسمي في متابعتها للاحتفالات، وخصصت مساحات واسعة من صفحاتها وأوقاتها لمتابعة الاحتفالات الشعبية.

خلاصة القول إن الاحتفال الشعبي الذي نشهده كل عام بالعيد الوطني في السلطنة، يبقى شاهدا قويا على الرضا الشعبي العام والثقة المطلقة والالتفاف التام حول جلالة القائد المفدى وحكومته، وهي ثقة تجعلنا نتطلع إلى المستقبل ونحن على يقين بأن القادم أجمل وأكثر إشراقا، بإذن الله، للوطن والمواطن وكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة. حفظ الله عُمان.. قائدا وشعبا.