1429983
1429983
عمان اليوم

الرؤية السامية أكدت على دور السياحة في التنويع الاقتصادي

03 فبراير 2020
03 فبراير 2020

مقومات وفيرة وآفاق زاخرة بالفرص -

ثراء الطبيعة وسماحة الإنسان والاستقرار مقومات بارزة في المجال السياحي -

تتمتع السلطنة بمقومات طبيعية غاية في الثراء والأهمية، وهي مقومات تتكامل بوضوح مع مكونات أخرى لا تقل أهمية مثل: التاريخ العماني العريق، وسماحة الإنسان، وتوفر الأمن والأمان والاستقرار، ولذلك فإن السياحة تعد أحد رهانات المستقبل التي يعول عليها في تشكيل بديل للنفط على المدى البعيد في السلطنة.

وفي العيد الوطني التاسع والعشرين عام 1999 أشار السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ إلى هذه المقومات بقوله: «إذا كان لا بد من كلمة أخيرة في مجال الاقتصاد فإننا نؤكد على ضرورة منح ‏السياحة أولوية في برامج التنمية المستقبلية. فهذا القطاع يتميز بإمكانيات كبيرة للنمو والإسهام الفعال في تحقيق التنويع الاقتصادي، لما يزخر به هذا البلد العزيز من مقومات سياحية، تتمثل في التراث التاريخي، والطبيعة المتنوعة، والبيئة النقية، والفنون والصناعات الشعبية، بالإضافة إلى الأمن والاستقرار، والروح السمحة للمواطن العماني، والحمد لله».

انفتاح واقعي مدروس يوازن بين تقاليد المجتمع ومتطلبات السياحة الحديثة -

وأضاف ـ رحمه الله ـ قائلًا: «إن قطاع السياحة مؤهل لفتح الفرص الوظيفية أمام أعداد لا بأس بها من العمانيين، كما أنه قادر على خدمة هدف التنمية الإقليمية بكفاءة، إذ أن منافعه تمتد لتعمّ مختلف المناطق والولايات. ومن هذا المنطلق ينبغي إعداد استراتيجية جديدة لتطوير هذا القطاع، لتمكينه من الوقوف على قدميه في سوق عالمية تتسم بالمنافسة الشديدة، والمرونة والتنويع».

وهكذا فقد نظرت الرؤية السامية إلى السياحة نظرة شاملة تضعها في موقعها المستقبلي الرائد إذا ما تم تمثلها بالشكل الوافي، وفي عام 2000 عندما التقى السلطان قابوس ـ رحمه الله ـ طلبة جامعة السلطان قابوس تحدث عن السياحة في السلطنة ومستقبلها مع الانفتاح المعقول الواقعي والمدروس الذي يجب أن تقوم عليه بما يوازن بين تقاليد البلد وشعبها ومتطلبات السياحة الحديثة، مؤكدًا أنه لا يشجع السياحة بمفهومها المطلق وإنما بالمنهج المدروس مع الوضع في الاعتبار ثراء السلطنة فيما يعرف بالسياحة الثقافية أو التراثية التي تمزج بين المعرفة وتأمل الطبيعة.

وأشار، رحمه الله ، في هذا اللقاء إلى أنه كان قد قابل ملك إسبانيا قبلها بعام (أي في 1999م) ودار بينهما حوار حول السياحة في مملكة إسبانيا، وأن الملك قال لجلالته عندما جاء الحديث عن السياحة في السلطنة: «احذر ثم احذر لا تقعوا في الخطأ الذي وقعنا فيه نحن». وكان الحديث عن الانفتاح السياحي. وجاء رده ـ طيب الله ثراه ـ على ملك أسبانيا : «ولا نحن عندنا نوايا أن نقع في الخطأ الذي وقعتم فيه أبدا؛ لأن هذه السياحة لها جانب إيجابي، ولها جانب سلبي، ولكن نحن نركز على الجانب الإيجابي، وما أكثر هذه الجوانب».

تعزيز المسار السياحي

وحققت السلطنة خطوات مهمة في المسار السياحي، ولا يزال المجال مفتوحًا على الكثير من الخطوات لتعزيز الخدمات المختلفة والبنية الأساسية السياحية، بما يصب في الأهداف المركزية لاستدامة التنمية السياحية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع المحافظة على البيئة ومواردها الطبيعية والإرث الثقافي والطبيعي وتشجيع السياحة الداخلية.

وتعمل السلطنة على تكثيف حملات الترويج السياحي خاصة في دول الجوار، وفي السوقين الأوروبي والآسيوي مع التركيز على الأسواق الناشئة، بالإضافة إلى العمل على تنويع المنتج السياحي وضمان الجودة بما يكفل التصدي لكافة التحديات التي تفرضها المنافسة في أسواق المنطقة وبلدان الجذب التقليدية في أوروبا وآسيا وضمان مشاركة المجتمعات المحلية في جهود التنمية السياحية وتعزيز استفادتها المباشرة من المشاريع السياحية التي تقام في مناطقها من حيث الفرص الوظيفية، وتشغيل المحلات التجارية الملحقة بالمجمعات السياحية والفنادق الكبيرة وتوفير الإمدادات الغذائية وغيرها لهذه المشاريع، حيث تربط الرؤية الحديثة بين السياحة ونماء المجتمعات المحلية وتوفير فرص العمل.

وبدأ الاهتمام الفعلي بالسياحة في السلطنة في التسعينات من القرن العشرين بعد أن بسطت الحكومة البنيات الأساسية، وتم خلال هذه الفترة توجيه جهود مكثفة نحو توفير البنية الأساسية كأحد الشروط اللازمة للتطوير ونتيجة لهذه الجهود ارتفع عدد الفنادق والشقق الفندقية وعملت الدولة على إنشاء العديد من المرافق السياحية والاهتمام بالمهرجانات السياحية وعلى رأسها مهرجان صلالة السياحي، ومهرجان مسقط. وقد اهتمت هذه الفعاليات بعكس موروث وتراث السلطنة، وترافق ذلك مع نمو وعي المجتمع بأهمية السياحة وإدماجها في المجتمعات المحلية، وتبع ذلك زيادة مدخول السياحة في العائدات الاقتصادية بنحو تجاوز 2 بالمائة في السنوات الأخيرة.

وفي إطار التنويع الاقتصادي بتعظيم دور السياحة جاء قرار تحويل ميناء السلطان قابوس إلى وجهة سياحية، ونقل الخدمات الأخرى المتعلقة بالبضائع منه إلى ميناء صحار، بحيث يتم تحويل منطقة الميناء إلى واجهة سياحية تنافس على المستوى الإقليمي، وهو نوع من السياحة الجديدة المرتبطة بالسفن القادمة من أوروبا والغرب التي تحمل آلاف السياح للسلطنة سنويا، فيما يعرف بسياحة السفن.

ويجسد هذا القرار الوعي بحراك السياحة العالمي والاتجاه لما يعرف بسياحة السفن السياحية واليخوت، التي شهدت نموا مطردًا خلال الأعوام القليلة الماضية في العالم بشكل عام، حيث أخذت الوجهات السياحية المختلفة تتنافس من خلال موانئها لجذب هذه السفن في ضوء الأعداد المتزايدة من السياح الذين يستخدمونها في رحلاتهم إلى العديد من الدول.

وشرعت الجهات الحكومية المعنية ممثلة في وزارتي السياحة والنقل في إعداد المخطط العام والخطط التفصيلية لتأهيل الميناء وإعداده ليقدم خدمات شاملة ومتطورة للسفن السياحية والسياح القادمين على ظهرها.

جغرافية غنية متنوعة

ويظل المنظور البعيد للسياحة في عمان متسعًا وقابلًا للكثير من السرديات والإضافة التي يمكن أن تلعب دورًا مهمًا، إذا وضعت الكثير من عناصر السلطنة الجاذبة في الاعتبار، وفي هذا الإطار انعقد مؤتمر حول السياحة الجيولوجية في أكتوبر 2011م وتم خلاله لفت الانتباه إلى معانٍ جديدة في السياحة المستقبلية من خلال بعد الطبيعة وجمالها بخلاف عناصر التراث المعروفة. وقد حبا الله السلطنة بطبيعة جغرافية متنوعة وغنية، وتحتضن الكثير من محافظاتها كنوزًا جيولوجية تزخر بتكوينات وصخور بعضها نادر على مستوى المنطقة والعالم.

وفي ضوء هذه الإمكانات والموارد الجيولوجية، جاء اهتمام السلطنة باستغلال هذه الموارد للأغراض السياحية. وتجلى ذلك في العديد من المشاريع، ومنها مشروع تطوير كهف الهوتة بمحافظة الداخلية منذ عام 2006م كما تم إنشاء متحف جيولوجي بجوار الكهف لفائدة المهتمين بالجيولوجيا وعلوم الأرض وللجمهور عامة. كذلك جرى الاهتمام بتطوير العديد من الكهوف الأخرى بالبلاد بحيث يتم فتح أفق في السياحة الجيولوجية كمنتج مستقبلي. وهناك اهتمام بتنمية سياحة المغامرات والاستكشاف عبر البراري العمانية، وهي نوع من السياحات المستقبلية.

وتعتبر المؤتمرات والمعارض من الجوانب الأخرى التي انعكس عليها اهتمام حكومة السلطنة بالسياحة فقد ازدهرت المؤتمرات والمعارض في السنوات الأخيرة، وأخذت تحتل مكانة متقدمة بين المنتجات السياحية المتعددة، وكانت للسلطنة مبادرات سابقة في هذا المجال باستضافة عدد لا بأس به من المؤتمرات الإقليمية والعالمية، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء مركز عمان للمؤتمرات والمعارض ليوفر المرافق والتسهيلات التي تجذب وتشجع منظمي المؤتمرات على المستوى العالمي لاختيار السلطنة مكانًا لعقد مؤتمراتهم في ربوعها، في ضوء الاعتقاد الواضح لدى المختصين بأن مستقبل سياحة المؤتمرات في السلطنة واعد لما يتوفر فيها من خدمات البنية الأساسية المتطورة وما تتمتع به من استقرار سياسي واقتصادي ونعمة الأمن والأمان الذي ينعم به السائح والزائر.

طابع تنموي

ويقود تلخيص مشهد السياحة في السلطنة والرؤية السامية له إلى أن السياحة في عُمان ذات طابع تنموي وثقافي وتراثي تتوظف فيه إمكانيات البيئة والتاريخ في جذب الزائرين والسياح. وذلك بالاستناد إلى فلسفة مشروع النهضة العمانية في الموازنة بين الأصالة والمعاصرة، وأن الانفتاح في هذا المجال يجب أن يتم تدريجيًا مع أخذ متطلبات وتنمية المجتمعات المحلية في الاعتبار، كما جاء في الدراسة التي ناقشها مجلس الشورى حول تجربة تنمية الجبل الأخضر بالمنطقة الداخلية سياحيًا.وتنظر السلطنة إلى السياحة بوصفها مرتبطة بالتنمية المستدامة، حيث سياسة الحفاظ على الموارد وصيانتها، وترشيد استخدام المياه والطاقة، والحفاظ على الحياة الفطرية وتنميتها كما في تجارب محمية السلاحف برأس الحد ومحمية الحفاظ على المها العربي.

وقد حققت عمان معدلات قبول عالية على المستوى العربي والدولي في إطار التنمية البيئية والنظافة العامة وصنفت مسقط العاصمة كأكثر المدن العربية جمالا ونظافة لأكثر من مرة، وهي ملاحظة بسيطة يدركها الزائر لمسقط وعمان عموما منذ الوهلة الأولى.