عمان اليوم

هل يحق لنا إخفاء نتائج التشخيص في الأمراض المستعصية؟

06 فبراير 2023
أطباء: حجب الحقائق عن المريض غير قانوني وقد يؤخر العلاج
06 فبراير 2023

"الحالة النفسية نصف العلاج" مقولة نسمعها باستمرار لدى الكثير من الناس عندما يُشخص أحد أقربائهم بمرض خطير، ويتساءلون: هل من الأفضل مصارحته بحقيقة التشخيص؟ أم تجميل الواقع خوفا على نفسيته وانتكاس حالته للأسوأ؟

عدد من الأطباء أكد أن إخفاء الحقيقة له أبعاد قانونية ونفسية ودينية، علاوة على أنه قد يؤخر العلاج، لعدم معرفة صاحب المرض بما أصابه وخطورة أبعاده، خصوصا أن الكثير من المرضى لا يتبعون النصائح الطبية، لعدم إدراكهم لما سيكون في حال عدم الخضوع للعلاج.

وقال الدكتور ناصر بن حماد العزري استشاري طب طوارئ: إن الأطباء بشكل يومي يواجهون أقرباء المرضى طالبين منهم إخفاء الحالة المرضية عليه، وما المضاعفات لهذا المرض خوفا على نفسية قريبهم المريض، مشيرا إلى أن العمل الطبي استثناء من القاعدة وهي عدم المساس بجسم الإنسان إلا بحق، ولإباحة هذا الاستثناء شروط أربعة لابد منها كحسن النية (قصد العلاج)، والإذن العام (الترخيص)، ومطابقة الأصول العلمية والفنية، والإذن الخاص (الرضا المتبصر)، فالمريض ركن من أركان إباحة العمل الطبي على جسم الإنسان، وهو الأصل فيه وتجاوزه استثناء يجب ألا يتم إلا بإباحة القانون.

توضيح الأسباب

ويضيف الدكتور العزري: من حق كل مريض بالغ عاقل مدرك أن يعلم جميع ما يخص ذاته من مرض أو علاج، فعلى الطبيب أن يخبر المريض عن جميع النواحي المهمة عن المرض الذي يعانيه، وأن كان هناك طرائق أخرى للعلاج، فمن واجب الطبيب أن يضع المريض وأهله في الصورة بشكل صريح ومباشر، وتوضيح ما الفروقات الموجودة بينها ومضاعفاتها ووقت العلاج لكل طريقة بصراحة متناهية، ودور الأهل -بموجب القانون- فلا يسبق دور المريض كامل الأهلية فضلا أن يتعداه، فلا يجب أن يعلم الأهل المعلومات الخاصة بالمريض قبله، إلا إذا طلب المريض ذلك بشكل مسبق أو في حالات استثناها القانون بحيث يجوز إبلاغهم دون موافقة المريض ولكن يكون هو مطلعا على تفاصيل حالته كذلك.

أما في حالات الأمراض ذات المخاطر العالية (كالإعاقة أو الوفاة) هناك جوانب كثيرة تشجع على إعلام المريض بالحالة منها العملية بحيث يكون أكثر التزاما بالعلاج وتقبلا لمضاعفاته وحرصا على متابعته، ودينية للتعامل مع التزاماته والحقوق عليه تجاه ربه وللآخرين، ونفسية، للتعامل معه بكرامة واحترام رأيه.

القرار الصائب

وأوضح الدكتور: كثرة الخوف على المريض من ناحية استجابته النفسية قد يكون مبررا أحيانا ولا يمكن تجاهله أو نفيه، لكن من الصعب أن نتعامل معه على أنه القاعدة التي تغلب على الناس فلا الواقع ولا القانون يدعم هذا التوجه، لذلك لا يجوز إخفاء المرض وتفاصيله إلا في أضيق الحدود.

ولم يغفل القانون تنظيم ذلك في حدود معينة استثناء من قاعدة عامة هي "الإذن المتبصر" وحق المريض في المعلومات التي تساعده على اتخاذ القرار الصائب والملائم لحالته الصحية، ففي القانون الطبي العماني استثنى القانون 75 /2019 المادة 12 وجوب إبلاغ المريض في حالة لم تقتضِ مصلحته ذلك، وكانت حالته الصحية لا تسمح بإبلاغه، ويعتمد تقدير الحالة الصحية للمعالج، وقد يستشير الأهل ويستنير برأيهم إلا أن القرار له في ذلك.

تفاقم الوضع

وقال الدكتور يحيى بن خالد الكلباني رئيس قسم الصحة النفسية بمستشفى المسرة: هنالك العديد من التساؤلات حول ما إذا كان إخفاء المرض عن المريض خاصة المصاب بأمراض خطيرة كالسرطان، بالإضافة إلى كبار السن والأطفال يعد أمرا جيدا وأخلاقيا أم لا، ففي الغالب يكون السبب لإخفاء المرض عن المريض من قبل أهله أو الطاقم الطبي خوفا من تفاقم الوضع وسوء الحالة النفسية مما يؤثر عليه سلبا وتدهور وضعه الصحي.

ويضيف الدكتور: من الناحية الطبية والأخلاقية المهنية فإن المريض بحاجه لمعرفة وضعه الصحي بدون مبالغة أو تبسيط كون ذلك يسهم في تعزيز استجابة المريض للخطة العلاجية واتباعها بشكل منتظم، فالمريض الجاهل لمرضه من الصعب إقناعه بأي خطة علاجية لاسيما وأن هنالك بعض المضاعفات التي قد تنتج عن بعض العلاجات مثل العلاج الكيماوي والجراحات وسوف يسهم في تفاقم حالة المريض من الناحية الصحية وربما تأجيل العلاج بشكل سلبي.

الدعم النفسي

وأشار إلى أن الأخلاقيات الطبية تستدعي عدم الإيذاء والمساواة، واستقلالية المريض وخصوصيته تلزم الطبيب بعلاج المريض بكل شفافية ووضوح دونما تشويه للوقائع والحقائق المرتبطة به، كما أن هنالك العديد من المهارات التي يجب على الطواقم الطبية التحلي بها حينما يتعلق الأمر بالإفصاح عن الأمراض الخطيرة على المرضى وذويهم في حال كان ذلك ممكنا، وتساعد في فهم المريض للمرض بصورة أقل ترهيبا وتسهم في فهم مشاعر المرض، والتقليل من الهلع وتقبل الحالة المرضية.

وحول الوسائل التي تساعد في تحسين حالة المريض المزاجية في هذه الحالات قال الدكتور: تقديم الدعم النفسي الدائم والدعم الاجتماعي من قبل الأهل والطاقم الطبي، وفي بعض الحالات قد يساعد الأخصائي أو الطبيب النفسي المريض على التأقلم مع المرض عن طريق الكشف عن التقنيات المتطورة في طرق العلاج وما يصاحبه من العلاجات التأهيلية منعا للقلق أو الاكتئاب الذي قد يصيبه أو فقد الأمل في حالته المرضية.

العلاج المطروح

وقال الدكتور وليد بن سعيد السكيتي، استشاري طب طوارئ بمستشفى عبري المرجعي: إن القلق الذي يحيط المريض وأهله والتداعيات مما سيحدث في حالة معرفة المريض بمرضه من عدم تقبل العلاج المطروح وعدم الالتزام بنصائح الأطباء، بالإضافة إلى ما ينتج عنه من تغير نفسية المريض والدخول بحالة انعزال، فتجد أهل المريض يطالبون بعدم الإفصاح عن المرض خوفا عليه، فيقع في دائرة علاج وزيارات متكررة للمستشفيات دون معرفة السبب، كما يقع الطبيب المعالج في صعوبة التعامل معه مراعاة لحالته الصحية وحفاظا على نفسيته، كما تعتبر مسألة أخلاقية وحلها ليس بالسهل، ولكن عدم الإفصاح بالمرض للمريض قد ينتج عنه فقدان الثقة بين المريض والطبيب وأيضا دخول أهله في حالة ندم دائم وتشتت.

وأوضح الدكتور السكيتي: إن المرض المستعصي هو صدمة و يخلق للمريض دوائر نفسية ينتقل بينها مثل الرفض والإنكار، ومن ثم محاولة الفهم وتقبل العلاج، وهذا أمر طبيعي حيث إن جميع الصدمات النفسية تمر على الشخص بمثل ردود الأفعال تلك، مشيرا إلى أن معرفة المريض بمرضه يعتبر واجبا أخلاقيا للطبيب وحقا من حقوق المريض نفسه ولابد من مساندة أهل المريض لتقبل المرض والمباشرة في العلاج، وقد تكون هناك استثناءات في بعض الأحيان، ولكنها ليست الأساس، وكل مريض له كامل الأحقية بمعرفة ماذا يحدث داخل جسده وكيف سيتم علاجه وماهي الخيارات الموجودة لديه.

ويضيف: إنه أمر صعب، ولكن لابد من كل طبيب أن يختار السبل الصحيحة، والطرق المثلى لكسر هذا الحاجز الصعب، وتذليل تلك الصعوبات على المريض بعد أن يعرف مرضه، لاسيما أنه يصبح أكثر ضعفا بعد علمه بمرضه، فلابد من الطبيب من الاستعداد وطرح الخيارات المثلى وتجهيز فريقه الطبي للمساعدة، بالإضافة إلى إشراك الأهل للوقوف بجانب المريض ومساعدته على تخطي هذه الحالة، وأن هذه المكاشفة المبنية على الثقة بين المريض والطبيب وأهله لها أثر بالغ في كل ما يأتي بعدها من خطط علاج ووقاية، كما تبني ثقة مجتمعية حينما يعلم الأفراد أن لهم كامل الأحقية في معرفة مرضهم وكيفية التعامل معه.